الشعبوية الاشتراكية تسبب الشغب في العالم الحقيقي

نشر في 19-12-2018
آخر تحديث 19-12-2018 | 00:00
تُظهر الوقائع أن الاقتصادات الناجحة تعتمد على الريادة في الأعمال لا على إعادة توزيع الثروات، وعلى الحرية لا القيود، وعلى الحقائق لا الوعود الفارغة التي يطلقها سياسيون عاقدو العزم على الإمساك بزمام السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب الازدهار والحرية.
 نيوزويك تحاصر أعمال الشغب السلطة في باريس مع مهاجمة متظاهري السترات الصفراء لرجال الشرطة، وإضرامهم النار في السيارات، وطلائهم الرسوم على جدران مواقع تاريخية، بما فيها قوس النصر، ولكن ما الذي أشعل موجة الغضب هذه؟

تشير التقارير إلى ارتفاع أسعار الوقود بسبب الضرائب العالية التي فُرضت على وقود الديزل والوقود الخالي من الرصاص، علماً أن الضرائب في فرنسا تتخطى 59 في المئة على وقود الديزل و64 في المئة على الوقود الخالي من الرصاص.

من اللافت للنظر أن ماكرون كان يفكر في ضرائب أعلى هدفها، حسبما يُفترض، الحد من أي انبعاثات إضافية من الكاربون، مع أن انبعاثات الكاربون تراجعت في الاتحاد الأوروبي هذه السنة في حين ارتفعت بقوة في دول نامية مثل الصين والهند.

لكن أعمال الشغب الفرنسية لم تقتصر على الضرائب، بل هدفت أيضاً إلى إرغام الحكومة على تنفيذ مجموعة واسعة من مطالب المتظاهرين: أرادوا ضرائب أعلى على الأثرياء، وزيادة الحد الأدنى للأجور، وفرض سقف على الأجور وضوابط على الإيجارات، زيادة في الإنفاق على البنية التحتية ورواتب التقاعد.

هذه سلة الخدمات ذاتها التي يعِد بها السياسيون الشعبويون حول العالم، لكن هذه وعود فارغة، فما من سبيل إلى تسديد كلفة دولة رفاهية لامتناهية من دون ضرائب لامتناهية، وتشير مؤسسة الضريبة إلى أن الديمقراطيات الاجتماعية الشمالية، التي يتغنى بها التقدميون حول العالم، تفرض ضرائب ضخمة على مواطنيها، إذ يبلغ معدل ضريبة الدخل 60.4 في المئة في الدنمارك ويُطبق عند مستوى 1.5 مرة متوسط الدخل، ويبلغ في النرويج 39.0 في المئة، ويُطبق عند مستوى 1.6 مرة متوسط الدخل. على سبيل المقارنة، قد يكون معدل ضريبة الدخل الحدي العلوي في الولايات المتحدة أكثر ارتفاعاً مما تتبعه النرويج مع 37 في المئة، إلا أن معدل الضريبة هذا لا يُطبّق إلا بدءاً من مستوى يقارب 10 مرات متوسط الدخل الأسري.

للإنفاق والقيود اللامتناهيين عواقب، فبكل بساطة ما من طريقة لدعم الاقتصاد الناجح عبر تكبيل التجارة الحرة مع الحد في الوقت عينه من إمداد اليد العاملة، وضبط الإيجارات مع إلغاء الحوافز التي تشجع البناء، أو خفض سن التقاعد مع المطالبة بألا يدفع أحد المتوجب عليه، في وقت لا تشكّل الشعبوية في الواقع برنامجاً سياسياً، إنها مجموعة من الأشياء التي يود الناس سماعها، ويحب الناس القصص الخرافية.

قد يكون هذا السبب الذي يتيح للشعبويين مواصلة كسب الأصوات مع أن سياساتهم تهدد الازدهار، ومن السهل أن تعِد بالازدهار فيما تقوّض هذا الازدهار بحد ذاته بكلمات طنانة، وعلى سبيل المثال، لن تُضطر النائب المنتخبة ألكسندريا أوكاسيو- كورتيز، ممثلة نيويورك الديمقراطية، إلى مواجهة تداعيات وصفاتها السياسية: تستطيع أن تدعي بسهولة من دون تقديم أي أدلة أن التنظيمات الاقتصادية القائمة على خطر التغير المناخي ستصلح مشاكل العالم بسحر ساحر، فقد أعلنت أنه "لا شك في أننا نحتاج إلى بناء الصناعات، ولا شك أننا نستطيع الانتقال إلى استخدام الطاقة المتجددة بنسبة 100 في المئة كوسيلة لإحقاق العدالة الاجتماعية، والاقتصادية، والعرقية وترسيخها بحق في الولايات المتحدة".

كلا، هذا الانتقال ليس مسألة محسومة، فلو كان كذلك، لما اندلعت أعمال الشغب في فرنسا، ولكان المتظاهرون مسرورين بالجلوس في منازلهم وهم يلتهمون جبنة البري فيما تدخل ضرائب ماكرون الأكثر ارتفاعاً حيز التنفيذ، وتُظهر الوقائع أن الاقتصادات الناجحة تعتمد على الريادة في الأعمال لا على إعادة توزيع الثروات، وعلى الحرية لا القيود، وعلى الحقائق لا الوعود الفارغة التي يطلقها سياسيون عاقدو العزم على الإمساك بزمام السلطة، حتى لو كان ذلك على حساب الازدهار والحرية.

* بن شابيرو

*«نيوزويك»

back to top