محاكمات المتهمين في الكويت غير دستورية!

• استمرار وضعهم في الأقفاص الحديدية يتعارض مع مبدأ «براءة الإنسان»
• للسجناء الحق وفق القانون في الحضور بالزي الرسمي كارتداء الدشاديش أو البدلة
• لا يجوز تقييد أيديهم وأرجلهم أثناء الجلسات لإخلاله بالكرامة

نشر في 18-12-2018
آخر تحديث 18-12-2018 | 00:04
بينما تجري محاكم الجنايات، على نحو يومي، محاكمات للمتهمين في قضايا الجنايات والجنح، يواجه شكل المحاكمات الجزائية في الكويت العديد من الانتقادات، لمخالفتها عدة قواعد قانونية وحقوقية للمبادئ، التي تحفظ كرامة وآدمية السجناء.

ومن المشاهد المعيبة، التي تقع بمحاكم الجنايات والجنح، استمرار وضع المتهمين خلف الأقفاص الحديدية التي هجرتها العديد من الدول حتى "المتخلفة" منها لائحياً، بما يعرض السجناء لانتهاك آدميتهم بوضعهم خلف تلك الأقفاص، على نحو مكشوف أمام الجمهور، في حين أن قواعد المحاكمات الدولية المتماشية مع حقوق الإنسان، والتي تطبق على السجناء، هي أن يتم حضورهم إلى المحاكمات بالزي الرسمي، وأن يكونوا موجودين في الأقفاص الزجاجية دون الحديدية، التي لا تنسجم مع مبدأ براءة الإنسان من الاتهام الذي تكفله المادة 34 من الدستور، التي تنص على أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية تكفل له فيها الضمانات.

والانتقادات التي توجه الى المحاكمات الجزائية في الكويت تطورت إلى انتقاد عدم تقديم رجال الأمن في القاعات التحية إلى الهيئة القضائية في المحاكم، واتخاذ مراسيم الاحترام، بحسب ما تقتضيه بروتوكولات المحاكمات، على اعتبار أن رؤساء الهيئات القضائية هم رؤساء تلك الجلسات، ومن بينهم رجال الشرطة الذين يتلقون الأوامر منهم، فضلا عن عدم التزام رجال الأمن بفكرة الزي الممنوح للسجناء، لأن المادة 26 من قانون السجون تخير المتهم الموقوف على ذمة القضية بين الحضور إلى المحكمة ببدلة السجن أو الزي الخاص به كالدشداشة، في حين أن رجال الأمن يرفضون إحضار النزلاء للمحكمة بالزي الرسمي.

لم يدر بخلد أحمد، ابن الـ19 عاما، أن مرافقته لصديقه جاسم بسيارة الأخير، في ساعات الليل المتأخرة، ستودي به إلى السجن، بعدما نجح رجال الأمن في استيقاف المركبة، وعند مطالبة صديقه، قائد السيارة، برخصة القيادة، أخرجها من جيبه، وظهرت معها علبه نايلون مغلفة بمادة يشتبه بأنها مخدرة، فتم إلقاء القبض عليهما، وإحالتهما إلى التحقيق، والأمر بسجنهما 21 يوما على ذمة القضية.

وفور نزوله من عربة الأمن، التي أقلَّته إلى مبنى السجن برفقة زميله جاسم، شاهد أحمد سير عدد من نزلاء السجن حاسري الرأس ويرتدون بدلات ذات ألوان صفراء وأخرى زرقاء وبنية، وبدأ يسأل نفسه: أي رداء سيرافقني في هذه المرحلة؟ وقبل أن يحصل أحمد على الإجابة عن تساؤلاته دخل عيادة السجن، لإخضاعه لإجراءات الفحص الطبي والصحة العامة، كما تم إخضاعه لحلاقة الرأس، وتسليمه لباس السجن البني!

ساعات

وما هي إلا ساعات حتى تم إبلاغ أحمد بأن الزنزانة التي سيمكث فيها لأيام متعلقة بالأشخاص الموقوفين حتى تحديد المحاكمة، كما تم إبلاغه بأنه سيتم نقله وزميله غداً إلى المحكمة، للنظر في أمر محاكمتهما، وهو الأمر الذي لم يفهمه أحمد، وما هو موضوع المحاكمة؟ وإلى أين سيذهب؟ وجاءت الإجابة من زملائه القابعين معه، بأنها «فرصة للخروج من هذا المكان، شريطة أن تجد لك محاميا»، ولم يكن لديه العديد من الخيارات، إلا أنه عمل بنصيحة أحدهم، بأخذ الهاتف، دون أن يشعر مسؤولو السجن، وذلك بعد أن وعد صاحب الهاتف بمنحه رصيدا بقيمة 20 دينارا، لاستخدامه لإجراء مكالمات معدودة، منها الاتصال بشقيقه، الذي وبَّخه في بداية الحديث عن الواقعة، ثم أبلغه بصعوبة إيجاد محامٍ له في هذا الوقت وجلسة المحاكمة غداً.

الليلة الاولى

وبعد مكوث الليلة الأولى في زنزانة الموقوفين بالسجن استيقظ أحمد على صوت أحد السجانين، قائلا: محكمة محكمة، أي مَن عنده محكمة اليوم؟ فما كان منه إلا توجيه سؤال لأحد الموجودين بالزنزانة: أي لباس سأذهب به إلى المحكمة، فلدي ملابسي الخاصة التي قُبض عليَّ وأنا أرتديها؟ فضحك السجين الآخر بأعلى صوته: وهل تريد أن تذهب بالزي الرسمي، كما تشاهد بالأفلام الأجنبية؟ البس تلك البدلة البنية، لأنه لا وقت لديك، ولن تتمكن من اللحاق بالمحاكمة، فما كان منه إلا ارتداء بدلة السجن البنية التي سُلمت له، ووقف بجوار النزلاء المقرر ذهابهم إلى المحكمة.

وبعد الوقوف المنتظم لكل النزلاء قام أحد السجانين، يعاونه آخر، بإتمام عملية تكبيل الأيدي والأرجل بالأغلال، استعدادا لنقل النزلاء في ساعات الصباح الباكر في باصات كبيرة مخصصة لذلك باتجاه مبنى قصر العدل، وهو المبنى الذي عادت الذاكرة بأحمد، حيث راجعه قبل سنوات لاستخراج شهادة حادث، لتقديمها لإحدى شركات التأمين.

محاكمة

وبعد وصول باص السجناء، والذي ترافقه سيارات من الأمام والخلف، احترازا لأي طارئ تتعرض له عملية نقلهم إلى المحاكمة، تم إدخال أحمد وباقي السجناء إلى سرداب قصر العدل، المكوَّن هو الآخر من زنازين عبارة عن أقفاص حديدية يتم إيداع النزلاء فيها أو الجلوس بجوارها، منتظرين اتصالا من مسؤولي أمن القاعة لتوزيعهم على قاعات الدور الرابع بقصر العدل.

توتر

وبعد أن حانت ساعة الانتقال بدأ أحمد يفكر فيمن سيكون موجودا بالقاعة من أسرته وأصدقائه بالصدفة بهذا الشكل والمنظر، وهل سنجلس نحن النزلاء مع الجمهور؟ أتمنى ألا يشاهدني أحد وأنا حاسر الرأس، وبهذه البدلة المهينة، وأن نُعزل بمكان نستطيع أن نلتقي فيه القضاة وينتهي الأمر سريعا... أمنيات كان يطرحها أحمد على نفسه من شدة التوتر الذي عاشه في أول تجربة اتهام له. وما إن وصل وغيره من السجناء إلى القاعة، حتى جلسوا في قفص الاتهام الحديدي الموجود بالقاعة والمكشوف للجمهور، فحاول أن يجلس في الصف الثاني بالقفص، في محاولة للاختباء من الجمهور، فلم يتمكن، بسبب تكبيل حركة يديه ورجليه مع مساجين آخرين داخل القفص، فضلا عن ارتباكه وانشغاله بمنظر القاعة ومكان الجمهور، وهي أمور سهَّلت لغيره النيل من المقاعد الخلفية، ولم يتمكَّن إلا من الجلوس في واجهة القفص مطأطأ الرأس من هول هذه اللحظات التي يعيشها.

تكبيل المتهمين

تؤكد مصادر قضائية أن من بين الملاحظات التي توجه الى المحاكمات الجزائية تكبيل أيدي المتهمين وأرجلهم من دون ان يسمح لهم بالحركة، وهو التصرف الذي يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان بأن توفر للإنسان محاكمة عادلة تليق بكرامته واعتباره، في حين أن تكبيل المتهمين وتركهم يجلسون على الأرض في قفص الاتهام الحديدي يؤكد إهدار كرامة الإنسان، لمجرد انه اتهم بقضية وكأننا في العصور القديمة التي لا تحترم كرامة الإنسان، وعندما يسأل رجال الأمن عن ذلك، يكون الرد ان هناك نقصا تتم معالجته عن طريق الكلبشات، وهذا أمر غير مبرر.

وما هي إلا دقائق حتى همَّ الجمهور لدخول قاعة المحاكمة، ولم يرفع رأسه، خشية معرفة أحد الموجودين له وهو بهذا الشكل «فالكويت صغيرة»، حتى سمع صوتا عاليا: محكمة، وهنا همَّ جميع السجناء والجمهور الموجودين في القاعة بالوقوف سريعا، احتراما للهيئة القضائية، وطلب القاضي من الجميع الجلوس، وعندها جلس أحمد.

قال رئيس الجلسة للعسكري: «الهيئة طلبت منكم فك الكلبشات من السجناء، فبقاؤها ينتفي مع آدمية هؤلاء الناس، فكوا الحديد عن أيديهم وأرجلهم، ولا يحق فعل ذلك مجددا»، ففرح أحمد ومَن معه من زملائه في القفص بذلك القرار. كما قال رئيس الهيئة: لماذا لا يحضر السجناء بالزي الرسمي، فالقانون لا يجبرهم على هذا اللباس، ويخيِّرهم بذلك؟ فكان رد رئيس الأمن، أن إدارة السجن تخشى تهريب أحدهم لمواد بجيب الزي الرسمي، وهذا اللباس له تدابير أمنية، فكان رد القاضي: هذا الأمر لا علاقة له بالقانون، وعلى إدارة السجن تمكين السجناء من حقهم، ونقص الأمن المحيط بالسجناء لا يعني حرمانهم من حقوقهم، ففرح أحمد بهذا الكلام.

مجريات

بعدها بدأت مجريات الجلسة، وتمَّت المناداة على السجناء، وهي اللحظات التي عاشها أحمد بتوتر وخوف، كما سيتحدث للقاضي بحضور الجمهور، وهل هناك مَن سيعرفني في القاعة؟ حتى نادى الحاجب باسم أحمد وصديقه كاملا أمام الحضور، وبدا عليه الارتباك، فوجَّه له القاضي الكلام: أحمد، أنت متهم بحيازة مواد مخدرة بقصد التعاطي، فردَّ أحمد: والله يا حضرة القاضي مالي شغل بالموضوع، أنا كنت جالس جنبه، وما لقوا عندي شي، وهذي ثاني مرة أدش محكمة؛ مرة طلَّعت شهادة لحادث، وهذي ثاني مرة، وهم اخذوني، وقلت مالي شغل، فقال له القاضي: اهدأ، هل لديك إخوة، فقال: نعم، أخ واحد فقط، ووالدي ووالدتي كبيران بالسن، وهنا سأله القاضي: هل لديك محامٍ؟ فقال: لا، فسأله القاضي: هل تريد أن توكِّل لك المحكمة محاميا، أم تريد توكيل محامٍ، فردَّ أحمد: لا أعرف ماذا أفعل، فقال له القاضي: المحكمة ستعيِّن لك محاميا، وهنا طلب القاضي من أحد المحامين الموجودين بالقاعة الترافع عن أحمد، فوافق محامٍ، وطلب تأجيلا للمرافعة بعد قراءة الملف، وهنا طلب أحمد من القاضي النظر في أمر إخلاء سبيله، لأنه لا علاقة له بالأمر، فأبلغه القاضي بأنه سينظر في مسألة الإفراج عنه، وانتظر أحمد بالقفص، حتى انتهاء جميع المحاكمات للموجودين، فتم نقله مع آخرين من السجناء مجددا إلى سيارة السجن، بعد تكبيلهم مجددا، وبعد وصوله إلى السجن بساعات قليلة فكَّر بمصيره، وكيف تمضي الأيام المقبلة، حتى حضر ضابط السجن إلى الزنزانة التي يمكث فيها: أين أحمد؟ فردَّ: نعم، أنا، فقال له: مبروك، إفراج بكفالة 200 دينار، وبإمكانك متابعة محاكمتك وأنت خارج السجن.

تقارير سلوك

من الملاحظات المثيرة التي تطرحها بعض المحاكم الجزائية ضرورة إرفاق المحاكمات للمتهمين بتقارير من مراقبين اجتماعيين في السجون بأن يتم تعيين اختصاصيين اجتماعيين في السجون مهمتهم الجلوس مع كل متهم يقدم للمحاكمة، وإعداد تقرير له يرفق الى المحكمة كالتقارير التي يصدرها مراقبو السلوك بقضايا الأحداث، لأهمية هذه التقارير التي تلخص الجانب الاجتماعي عن المتهم للمحكمة، والتي بدورها تصدر حكمها بعد النظر إلى كل الاعتبارات بالقضية، ومنها الأخذ بظروف المتهم التي يشير اليها مراقب السلوك.

اللحظات المؤلمة التي عاشها أحمد تحوَّلت إلى مفرحة وسعيدة، فهو لم يتخيَّل أن الأمر بهذه الكيفية التي جرت بالإفراج عنه، رغم قساوة لحظات القبض والتحقيق ودخول السجن ووضع الكلبشات والحضور مبكرا إلى المحاكمة بباص أمني بالشوارع يخشى الناس المرور بجانبه، فضلا عن اللحظات المهينة بتكبيل أيدي السجناء وأرجلهم معاً، والجلوس ببدلة السجن في القفص الحديدي أمام الجمهور.

الصيفي: ضرورة تنظيم معارضات واستئنافات المحكومين

أكد المحامي سليمان مبارك الصيفي أن عددا من المتهمين المحكومين بقضايا الحبس غيابيا، ويودعون بالسجن، لا يتم قيد المعارضات المقدمة منهم بالشكل القانوني السليم، لافتا إلى أن هناك محكومين غيابيا في قضايا، وهم في السجن، يجرون معارضات أو استئنافات دون ان تكون هناك أوراق رسمية بأنهم أجروا بالفعل معارضات واستئنافات، وهو الأمر الذي يتعين التنبه له بالحفاظ على الحقوق والضمانات التي كفلها القانون للمتهمين.

البدون

تقول مصادر قضائية إن الملاحظات التي تواجهها المحاكم هي عدم وجود هويات للمتهمين المحددين من فئة غير محددي الجنسية، وهو الأمر الذي يصعب على المحاكم تحقيق هويات المتهمين من هذه الفئة، والتي يحضر بعضهم أوراقا تفيد بهوياتهم دون أن تكون بشكل رسمي، وهو الامر الذي يتطلب من الجهات الرسمية النظر اليه بصرف هويات للبدون، لأن المحاكم تواجه صعوبة في بياناتهم الشخصية كالاسم والعمر والسكن.

وأضاف الصيفي أن «هناك مشكلة أخرى واجهها عدد من الزملاء المحامين المنتدبين في القضايا الجزائية من قبل المحاكم، وهي عدم سماح السجون بإدخالهم، لأنه لا وكالات لديهم عن المتهمين، وهذه مسألة طبيعية، لأنهم منتدبون من المحاكم الجزائية، إلا أن إدارة السجن ترفض إدخالهم للقاء موكليهم إلا بعد حصولهم على وكالات قانونية، وهو أمر يتعارض مع فكرة التمثيل القانوني.

دشتي : إزالة الأقفاص الحديدية واستبدالها بالزجاجية

يقول المحامي محمد جاسم دشتي «اننا سعداء بالتصميم الحديث للمحاكم الجديدة في الرقعي والجهراء، حيث جاءت القاعات خالية من الأقفاص الحديدية، وتمت الاستعاضة عنها بغرفة ذات منصات زجاجية لعرض المتهمين، لكون الأقفاص التي كانت تستخدم قديماً في محاكم العالم ألغيت من الوجود، إيمانا وامتثالاً للاعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي نص في ديباجته على الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية، والحقوق المتساوية الثابتة أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، كما نص في المادة (5) أنه لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرامة.

ويضيف دشتي «وتأكيداً على مبدأ المتهم بريء حتى تثبت إدانته فإن رفع وتغيير الأقفاص الحديدية واستبدالها بما هو سهل ومتاح من منصات زجاجية لعرض المتهمين أمام المحاكم طريقة مثلى لتلافي إشعار المتهم بقسوة الإجراءات الجزائية أثناء سير المحاكمة، التي يكون فيها بريئاً حتى انتهاء المحاكمة، وكي تكون إجراءات التقاضي وسيلة للنيل من حس الكرامة الإنسانية لدى هؤلاء المتهمين، لهذا فإننا نطالب وزير العدل بالنظر في هذا المشروع البسيط والإنساني، كي تبقى الكويت منارة مضيئة في احترام حقوق الإنسان».

مترجم الإشارة

من بين المشاكل التي تواجهها المحاكم الجزائية عدم وجود مترجمي اشارة للمتهمين الذين لا يقرأون ولا يسمعون ولا يكتبون أو لديهم اعاقات ذهنية، وهو ما تضطر معه بعض المحاكم، عند توجيه الاتهام، إلى اثبات انكار المتهم للاتهام، لكونه لمصلحته، وهو الأمر الذي يتطلب معه النظر في ايجاد مترجمي اشارة، ومتخصصين لمن لديهم إصابة ذهنية.

على الشرطة تقديم التحية للقضاة عند بدء الجلسة لتلقيهم أوامر منهم

يجب توفير مترجمي إشارة للمتهمين فبعضهم لا يقرأ ولا يسمع ولا يكتب
back to top