ما قــل ودل: استجواب سمو رئيس مجلس الوزراء من منظور دستوري وقانوني

نشر في 16-12-2018
آخر تحديث 16-12-2018 | 00:10
لا لوم على الحكومة في عدم تضمين برنامج عملها المقدم إلى مجلس الأمة، فور تشكيلها، سياسة عامة لمواجهة الكوارث والأزمات، ولا لوم على أعضاء المجلس لأن أحداً منهم لم يبدِ أي ملاحظة في هذا السياق، لأنها أمور لا يمكن التنبؤ بها وتحدث في كل أنحاء العالم ولا علم لأحد بها إلا المولى عز وجل.
 المستشار شفيق إمام الاستجواب حق دستوري

فلكل عضو من أعضاء مجلس الأمة أن يوجه إلى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزراء استجوابات عن الأمور الداخلة في اختصاصهم، ويجوز أن يؤدي الاستجواب إلى طرح الثقة بالوزير على المجلس. ولا يتولى رئيس مجلس الوزراء أي وزارة، ولا يُطرَح في مجلس الأمة موضوع الثقة به... ولكن البديل لعدم جواز طرح الثقة برئيس مجلس الوزراء هو طلب عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء الذي يمكن أن يقدمه عشرة نواب، إثر استجواب يقدم إليه، فإذا حاز الطلب موافقة أغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، رُفِع الأمر إلى رئيس الدولة، وللأمير في هذه الحالة أن يعفي رئيس مجلس الوزراء ويعين وزارة جديدة، أو أن يحل مجلس الأمة.

هذه هي نصوص المواد 100 و101و102 من الدستور التي سوف تكون حاكمة للاستجواب المقدم من النائب المحترم شعيب المويزري إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، والذي أحيل إلى لجنة الشؤون التشريعية والقانونية لبحث مدى استيفائه للشروط والضوابط الدستورية.

الاستجواب... المضمون والمحتوى

يقول النائب المحترم بعد الاستهلال الطيب الذي استهل به استجوابه بسرد بعض آيات من القرآن الكريم إنه يستجوب رئيس مجلس الوزراء في غياب السياسة العامة لدى الحكومة التي يترأسها لمواجهة الكوارث والأزمات وقد تسبب ذلك في حدوث حالتي وفاة حسب ما تم الإعلان عنه، إضافة إلى حدوث الكثير من الأضرار المادية في الأملاك العامة للدولة والأملاك الخاصة للمواطنين والمقيمين، وخلق حالة من الهلع والخوف لدى عامة الناس، ولولا رحمة الله سبحانه وتعالى ولطفه لحدثت كارثة أكبر تفوق الأضرار التي لحقت بالدولة والناس.

ويضيف إلى هذا الاتهام الموجه إلى سمو رئيس مجلس الوزراء: "الحمد لله أن ارتفاع معدل الأمطار التي لم تستطع الحكومة مواجهتها حدث في حالة السلم والأمن وبالرغم من ذلك فقد شعر الجميع بالارتباك الحكومي وغياب التنسيق في مواجهة هذا الحدث، فكيف لمثل حكومة كهذه التصرف والتعامل في حال حدوث أي أزمة أو كارثة -لا قدر الله- في ظل الأوضاع الخطيرة في إقليمنا الملتهب، وإن غياب السياسة العامة للحكومة والقصور في الإشراف والمتابعة من قبل سمو رئيس مجلس الوزراء أديا إلى ضعف أداء الجهات الحكومية المختلفة وعدم جاهزيتها قبل وأثناء هذا الحدث، وهو ما ألزمنا توجيه هذا الاستجواب لسمو رئيس مجلس الوزراء بصفته مع التقدير والاحترام لشخصه".

برنامج عمل الحكومة

ومن منظور دستوري لا أملك سوى أدواته فإن برنامج عمل الحكومة الذي عُرِض على مجلس الأمة فور تشكيلها كان ماثلاً أمام جميع أعضاء مجلس الأمة، ولم يبد العضو الذي قدم الاستجواب ملاحظات، ولا غيره من النواب عن خلو البرنامج من سياسة عامة تواجه بها الحكومة هذه الكوارث والأزمات، وهو حق دستوري للمجلس إعمالا لأحكام المادة (98) من الدستور التي توجب على كل وزارة فور تشكيلها تقديم برنامجها إلى مجلس الأمة، وللمجلس أن يبدي ما يراه من ملاحظات بصدد هذا البرنامج.

والواقع أنه لا لوم على الحكومة في عدم تضمين برنامج عملها المقدم إلى مجلس الأمة فور تشكيلها سياسة عامة لمواجهة الكوارث والأزمات، ولا لوم على أعضاء المجلس لأن أحدا منهم لم يبد أي ملاحظة في هذا السياق، لأنها أمور لا يمكن التنبؤ بها وتحدث في كل أنحاء العالم ولا علم لأحد بها الا المولى عز وجل.

التكييف القانوني الصحيح لمحتوى الاستجواب

والواقع أن ما ورد في الاستجواب حول غياب هذه السياسة، إنما هو موضوع هام، بل بالغ الأهمية، كان يجب أن يتبوأ مكانه اللائق به، باعتباره في التكييف الدستوري الصحيح طلب بمناقشة عامة تحكمه المادة 112 من الدستور فيما نصت عليه من أنه "يجوز بناء على طلب موقع من خمسة أعضاء طرح موضوع عام على مجلس الأمة للمناقشة لاستيضاح الحكومة في شأنه وتبادل الرأي بصدده، ولسائر الأعضاء الاشتراك في المناقشة".

فالحقيقة هي التي سوف تخرج من رحم هذه المناقشات الواسعة بين جميع الأعضاء حول غياب سياسة عامة لمواجهة الكوارث والأزمات، لا بين عضوين يؤيدان الاستجواب وآخرَين يرفضانه. وقد كان هذه الطلب مطروحاً على مجلس الأمة، واتخذ فيه المجلس توصياته بما تمخضت عنه هذه المناقشات من أمور وتوصيات.

تنقيح فعلي للدستور

لماذا رئيس مجلس الوزراء؟ ولماذا لم يوجه الاستجواب الى الوزراء المختصين في الأمور التي تواجه هذه الكوارث؟ ورئيس مجلس الوزراء لا يتولى أي وزارة طبقاً للمادة (102) من الدستور. صحيح أن رئيس مجلس الوزراء يتولى طبقاً للمادة (127) من الدستور الإشراف على تنسيق الأعمال بين الوزارات المختلفة، ولكن التنسيق لا يعني أن يتحمل تبعة أخطاء إشراف الوزراء على شؤون وزاراتهم، إن كان لدى السيد العضو الدليل على ذلك.

والواقع أن الإسراف في توجيه الاستجوابات خلال الفترة الأخيرة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء ينطوي على تنقيح فعلي للدستور، بمخالفة أحكام المادة (101) من الدستور التي ترتب على سحب الثقة من الوزير اعتباره معتزلاً للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة.

إن تحويل المسؤولية الفردية للوزراء إلى مسؤولية تضمانية، بإسقاط الحكومة كلها من خلال الاستجوابات الموجهة إلى رئيس مجلس الوزراء، والتي قد تؤدي إلى طرح عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وما قد تؤدي إليه الموافقة على هذه الطلبات من إعفاء رئيس مجلس الوزراء، وتشكيل وزارة جديدة أو حل المجلس، هو ما يهدد استقرار الحكم، ولنرجع في ذلك إلى المذكرة التفسيرية للدستور في تصويرها لنظام الحكم.

المسؤولية الوزارية التضامنية بيت الداء في العالم

تقول المذكرة التفسيرية للدستور، بعد إن عرضت لفضائل النظام البرلماني إن "الدستور حرصا على وحدة الوطن واستقرار الحكم يلمس في النظام الديمقراطي الذي تبناه طريقاً وسطاً بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف أكبر نحو أولهما"... "كما أريد بهذا الانعطاف ألا يفقد الحكم طابعه الشعبي في الرقابة البرلمانية"... "على أن هذه الفضائل البرلمانية لم تنسِ الدستور عيوب النظام البرلماني".

"ولعل بيت الداء في علة النظام البرلماني في العالم يكمن في المسؤولية الوزارية التضامنية أمام البرلمان، فهذه المسؤولية هي التي يخشى أن تجعل من الحكم هدفا لمعركة لا هوادة فيها بين الأحزاب، بل تجعل من هذا الهدف سببا رئيسيا للانتماء الى هذا الحزب أو ذاك، وليس أخطر على سلامة الحكم الديمقراطي ان يكون هذا الانحراف أساسا لبناء الأحزاب السياسية في الدولة بدلا من البرامج والمبادئ، وأن يكون الحكم غاية لا مجرد وسيلة لتحقيق حكم أسلم وحياة أفضل، وإذا آل أمر الحكم الديمقراطي الى مثل ذلك، ضيعت الحقوق والحريات باسم حمايتها، وحرف العمل السياسي عن موضعه ليصبح تجارة باسم الوطنية، ومن ثم ينفرط عقد التضامن الوزاري على صخرة المصالح الشخصية الخفية، كما تتشقق الكتلة الشعبية داخل البرلمان وخارجه مما يفقد المجالس النيابية قوتها والشعب وحدته".

وهو ما يطرح سؤالاً مشروعاً:

هل نحن على أبواب تنقيح فعلي للدستور نضحي فيه بوحدة الوطن واستقرار الحكم، في ظروف أصبحت التحديات فيها تواجه المنطقة العربية، وتهدد استقرارها، وهو ما أسهب فيه صاحب السمو في نطقه السامي في افتتاح دور الانعقاد.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

الإسراف في توجيه الاستجوابات خلال الفترة الأخيرة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء ينطوي على تنقيح فعلي للدستور
back to top