هل أصبحت الأخبار الكاذبة جزءاً دائماً من حياتنا؟

نشر في 11-12-2018
آخر تحديث 11-12-2018 | 00:00
تشير الخبرة المكتسبة من الانتخابات الأوروبية إلى أن الصحافة الاستقصائية وتنبيه الرأي العام للمخاطر قبل وقوعها من الممكن أن تساعد في توعية الناخبين وتحصينهم ضد حملات التضليل، لكن المعركة ضد الأخبار الكاذبة من المرجح أن تظل أشبه بلعبة "القط والفأر" بين المروجين لها.
 بروجيكت سنديكيت أصبح مصطلح "أخبار كاذبة" وصفا مسيئا يُلحِقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بكل قصة سلبية أو غير سارة. لكنه أيضا مصطلح تحليلي يصف التضليل المتعمد المقدم في هيئة تقرير إخباري تقليدي.

المشكلة ليست جديدة تماما، ففي عام 1925، نشرت مجلة هاربر مقالة عن مخاطر "الأخبار الكاذبة"، ولكن اليوم، يستقي ثلثا الأميركيين البالغين بعض أخبارهم من وسائط التواصل الاجتماعي، التي تستند إلى نموذج الأعمال الذي يناسب الاستغلال الخارجي حيث يمكن التلاعب بسهولة بالخوارزميات لتحقيق الربح أو خدمة أغراض خبيثة.

الواقع أن العديد من المنظمات، سواء كانت منظمات هواة أو منظمات إجرامية أو حكومية- على المستويين المحلي والخارجي- بارعة في تطبيق الهندسة العكسية على الكيفية التي تحلل بها منصات التكنولوجيا المعلومات، وإحقاقا للحق، كانت روسيا واحدة من أولى الحكومات التي فهمت كيفية استخدام وسائط التواصل الاجتماعي كسلاح واستخدام الشركات الأميركية ضد أميركا ذاتها.

يجد الناس صعوبة في معرفة ماذا يستحق التركيز فعليا، وذلك نظرا لحجم المعلومات الهائل إلى حد الإرباك المتاح على الإنترنت، ويصبح الاهتمام، لا المعلومات، المورد النادر الذي يصعب اكتسابه، وتسمح البيانات الضخمة والذكاء الاصطناعي بالاستهداف الدقيق للاتصالات وتبادل المعلومات بحيث تقتصر المعلومات التي يتلقاها الناس على "فقاعة التصفية" لأصحاب الفِكر المماثل.

تعتمد الخدمات "المجانية" التي تقدمها وسائط التواصل الاجتماعي على نموذج الربح، حيث تكون المنتجات التي تباع للمعلنين في حقيقة الأمر هي المعلومات الخاصة بالمستخدمين واهتماماتهم، وتصمم الخوارزميات بحيث تتعلم كيف تحافظ على اهتمام المستخدمين حتى يمكن تقديم المزيد من الإعلانات وتحقيق المزيد من العائدات.

تساعد مشاعر، مثل الغضب، في تحفيز المشاركة والاهتمام، وقد تبين أن الأخبار الخيالية الكاذبة قادرة على اجتذاب اهتمام عدد أكبر من المشاهدين مقارنة بالأخبار الدقيقة، وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن احتمالات إعادة نشر مثل هذه الأكاذيب على موقع "تويتر" أعلى بنحو 70% من الأخبار الدقيقة. على نحو مماثل، توصلت دراسة للمظاهرات في ألمانيا في وقت سابق من هذا العام إلى أن الخوارزميات التي يستخدمها موقع يوتيوب توجه المستخدمين بشكل منهجي إلى محتوى متطرف لأنه هو الذي يجتذب قسما كبيرا من "أنشطة" المستخدمين ويولد القدر الأعظم من العائد. كثيرا ما يكون استقصاء الحقيقة من قِبَل الوسائط الإخبارية التقليدية عاجزا عن مواكبة الأحداث، بل قد يكون في بعض الأحيان هَدّاما بسبب توجيه المزيد من الاهتمام نحو الباطل والزيف.

الواقع أن نموذج الربح السائد في وسائط التواصل الاجتماعي يمكن بطبيعته أن يستخدم كسلاح من قِبَل الدول والقوى غير التابعة لدول بعينها على حد سواء. كانت شركة فيسبوك في الآونة الأخيرة موضوعا لانتقادات شديدة بسبب سجلها المتعجرف بشأن حماية خصوصية المستخدمين، وقد اعترف الرئيس التنفيذي مارك زوكربيرغ بأن شركة فيسبوك في عام 2016 "لم تكن مستعدة للتصدي لعمليات المعلومات المنسقة التي نواجهها على نحو منتظم". لكن الشركة "تعلمت الكثير منذ ذلك الحين وابتكرت أنظمة متطورة تجمع بين التكنولوجيا والناس لمنع التدخل في الانتخابات من خلال خدماتنا".

تشمل هذه الجهود استخدام برامج آلية لاكتشاف وإزالة الحسابات المزيفة؛ وتضم صفحات على فيسبوك تنشر معلومات مغلوطة بشكل أقل وضوحا من حالها في الماضي؛ وإصدار تقرير الشفافية عن عدد الحسابات الزائفة التي أزيلت؛ والتحقق من جنسية أولئك الذين ينشرون إعلانات سياسية؛ وتوظيف 1000 شخص إضافي للعمل في مجال الأمن؛ وتحسين التنسيق مع هيئات إنفاذ القانون والشركات الأخرى في التصدي للأنشطة المشبوهة، لكن المشكلة لم تُحَل.

فسيستمر سباق التسلح بين شركات وسائط التواصل الاجتماعي والدول والجهات غير التابعة لدول بعينها والتي تستثمر في طرق استغلال أنظمتها، والواقع أن الحلول التكنولوجية مثل الذكاء الاصطناعي ليست الحل الخارق. فبسبب كونها مثيرة وصادمة، تنتشر الأخبار الكاذبة إلى مسافة أبعد وبسرعة أكبر من الأخبار الحقيقية، ويُعاد نشر المعلومات الزائفة على تويتر بواسطة أعداد أكبر من الناس وبسرعة أكبر كثيرا من المعلومات الحقيقية، وربما يعمل تكرارها، حتى في سياق تقصي الحقائق، على زيادة احتمالات قبولها كحقائق من قِبَل الأفراد.

في التحضير لانتخابات الرئاسة الأميركية في عام 2016، أمضت وكالة أبحاث الإنترنت في سانت بطرسبرغ في روسيا أكثر من عام كامل في إنشاء العشرات من الحسابات على وسائط التواصل الاجتماعي التي تتنكر في هيئة منافذ إخبارية أميركية محلية. وفي بعض الأحيان كانت التقارير تحابي أحد المرشحين، لكنها في الأغلب الأعم كانت مصممة لإعطاء انطباع بالفوضى والاشمئزاز من الديمقراطية، وتثبيط الإقبال على الانتخابات.

عندما أقر الكونغرس قانون آداب الاتصالات في عام 1996، كانت شركات وسائط التواصل الاجتماعي الوليدة آنذاك تُعامَل على أنها شركات محايدة تعمل في مجال تقديم خدمات الاتصالات والتي مكنت العملاء من التفاعل بين بعضهم بعضا، لكن من الواضح أن هذا النموذج عفا عليه الزمن، وتحت الضغوط السياسية، بدأت الشركات الكبرى تراقب شبكاتها بقدر أكبر من العناية وتزيل الأخبار الكاذبة الواضحة، بما في ذلك تلك التي تروج لها شبكات روبوتية (بوت نت).

لكن فرض القيود على حرية التعبير، التي تتمتع بحماية التعديل الأول لدستور الولايات المتحدة، يثير مشكلات عملية صعبة، فرغم أن الآلات والجهات غير الأميركية لا تتمتع بالحقوق التي يكفلها التعديل الأول (والشركات الخاصة ليست ملزمة بالتعديل الأول على أية حال)، فإن مجموعات محلية بغيضة وأفراد يتمتعون بهذه الحقوق، ويمكنهم أن يعملوا كوسطاء لكيانات أجنبية مؤثرة.

في كل الأحوال، قد يكون الضرر الذي تحدثه قوى أجنبية أقل وطأة من الضرر الذي نلحقه بأنفسنا، الواقع أن مشكلة الأخبار الكاذبة وانتحال أجانب لهوية مصادر إخبارية حقيقية يصعب حلها لأنها تنطوي على مقايضات بين قيمنا المهمة، والواقع أن شركات وسائط التواصل الاجتماعي، التي تخشى التعرض للهجوم لحملها على فرض الرقابة، ترغب في تجنب التنظيم من جانب المشرعين الذين ينتقدونها لارتكاب خطيئة إغفال الحقائق أو تعمد إضافة أخبار كاذبة.

تشير الخبرة المكتسبة من الانتخابات الأوروبية إلى أن الصحافة الاستقصائية وتنبيه الرأي العام للمخاطر قبل وقوعها من الممكن أن تساعد في توعية الناخبين وتحصينهم ضد حملات التضليل، لكن المعركة ضد الأخبار الكاذبة من المرجح أن تظل أشبه بلعبة "القط والفأر" بين المروجين لها والشركات التي يستغلون منصاتها. وسوف تصبح جزءا من الخلفية الصاخبة للانتخابات في كل مكان، وستكون اليقظة الدائمة الثمن الذي يتعين علينا أن ندفعه لحماية ديمقراطياتنا.

* جوزيف س. ناي

* أستاذ في جامعة هارفارد، وهو مؤلف كتاب "هل انتهى القرن الأميركي؟"

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق

مع «الجريدة»

back to top