مرافعة : جسامة الأفعال لا تنطلي على مهنية النيابة!

نشر في 11-12-2018
آخر تحديث 11-12-2018 | 00:30
 حسين العبدالله القرار الذي أصدره النائب العام، المستشار ضرار العسعوسي، الأسبوع الماضي بحفظ القضية عن الشاب المشتبه بانضمامه إلى «داعش» وحيازته السلاح ومحاولة اغتيال رئيس الجهاز المركزي للمقيمين بصورة غير قانونية، يستحق الوقوف والنظر ليس إلى تفاصيل الواقعة التي خلصت النيابة إلى حفظها، بل إلى النهج الاحترافي الذي اتبعته النيابة في هذه القضية وغيرها من القضايا التي تُعرض عليها، والذي يكشف عن مهنية النيابة في العمل الذي تمارسه.

لم تنطلِ على النيابة العامة جسامة الأفعال المنسوبة إلى الشاب والمسطّرة بمحضر الإحالة، ولا حتى التحريات التي أجراها ضابط الواقعة عن المشتبه فيه، ولا حتى الشخصية المدعى بوقوع الاعتداء عليها للقبول بفكرة اتهام الشاب وإحالته إلى القضاء، لينال نصيبه أمامه، بل تعاملت النيابة وفق مفهوم قانوني ذي أبعاد فنية بحتة لا يدركها إلا القانونيون العاملون في القضايا الجزائية، وهي أن الأقوال التي يبديها ضابط المباحث هي أقوال لمجريها، ولا قيمة لها ما لم يساندها أي دليل آخر، وذلك تطبيقا لفكرة تعاضد الأدلة وتساندها، فإذا خلت أوراق الدعوى وتحقيقاتها من تلك الفكرة، فلا يمكن القول بسلامة الأدلة، ويصبح من بعدها قول الضابط وحيدا لا يسانده أي دليل، ولا تكفي معه الأوراق على حمل الاتهام للشاب المشكو بحقه، لا سيما أن الأصل في الإنسان البراءة.

التعامل الفني الذي اتبعته النيابة، رغم ضخامة الاتهامات التي حررت بمحضر الإحالة بحق الشاب، يؤكد صدق المنهج التقليدي للدور الذي تتبعه النيابة في مرحلة التحقيق بأنها خصم شريف للدعوى الجزائية وتمارس في هذه المرحلة عملية قضائية عادلة، مفادها وزن الأدلة التي ستركنها في الدعوى الجزائية، والتي ستكون لاحقا معروضة أمام المحاكم الجزائية، فإن كانت صالحة كأدلة اتهام عمدت إلى وضعها سندا للاتهام بعدما تتحول إلى سلطة اتهام من بعد أن كانت خصما شريفا للدعوى، بينما إن ثبت فسادها كأدلة أصبحت النيابة عاجزة عن حملها كسند للاتهام الذي تنظر إليه بعين الحيدة والنزاهة، ولن تقبل وهي الخصم الشريف في الدعوى الجزائية الدفاع عن قضية فاقدة للأدلة والقرائن لمجرد ضخامة الأفعال التي سطرها مجرى الضبط والتحري!

لم تقبل النيابة العامة في هذه القضية على نفسها ولا غيرها من القضايا التي قررت، بحفظها، الزج بمتهمين لا تنطق الأوراق ولا الأدلة على ارتكابهم الوقائع المنسوبة إليهم، بل قررت - لا مبالية بجسامة الفعل المرتكب أو حتى ما تسطره أوراق الإحالة - اتباع المنهج الفني والقانوني والقضائي في التعامل مع التحقيقات التي تكشف عنها الدعوى وأوراقها، وقررت حفظها حينما عجزت الأوراق عن النطق سوى بحروف سطرها ضابط الواقعة، لتثبت، مجددا وبحق، أنها الأمينة على الدعوى الجزائية باسم المجتمع، ولتضع بحسبانها أنها ستخضع لرقابة المولى عز وجل في أعمالها قبل رقابة القضاء الجزائي الذي يراقب سلامة إجراءاتها أو إبطالها بما يحقق حُسن سير العدالة، وبما يكفل للمتهمين ضماناتهم التي نص عليها الدستور والتشريعات من بعده، فتحيّة كبيرة للنائب العام ولإخوته المحامين العامّين ورؤساء ومديري النيابات ووكلاء النيابات على جهودهم في إعلاء الحق والعدل وردّ الظلم.

back to top