وجيه صقر: شخصياتي المقبلة يجب أن تحمل هدفاً إنسانياً

نشر في 11-12-2018
آخر تحديث 11-12-2018 | 00:04
وجيه صقر
وجيه صقر
يتميّز الممثل اللبناني وجيه صقر بأداء الأدوار الشريرة المركبّة التي تترك أثراً لدى الجمهور، وهو بذلك حقق بصمة مهنيّة خاصة آخرها دور زعيم حزب سياسي «حبيب» في المسلسل اللبناني «حبيبي اللدود» (كتابة منى طايع، وإخراج سيزار حاج خليل، وإنتاج شركة طايع للإنتاج). كذلك يؤدي دور البطولة في المسرحية الاجتماعية «علقة جديدة».
عن دور «حبيب» وشخصياته الدرامية تحدث إلى «الجريدة».
رغم التزامك بأداء الشرّ، فإن بناء شخصية «الزعيم السياسي حبيب» في «حبيبي اللدود» مختلف جداً عن شخصياتك السابقة، فما تفاصيلها وأبعادها الدرامية؟

عندما وزّعت الكاتبة منى طايع الأدوار، أسندت إليّ شخصية «موسى» إلا أنني أُعجبت بشخصية «حبيب» فطلبت إليها أداءها. تمرّ هذه الشخصية الرائعة بمراحل درامية أربع، مرحلة النضوج والهدوء إبّان المعارك والحروب، مرحلة الزعامة السياسية والحنكة في التفاوض مع زعيم الحزب الآخر، مرحلة العشق والغرام تجاه شخصية «سمر»، ومرحلة الغضب والحزم في التعامل مع المحازبين والمقاتلين. لذا تختلف بتركيبتها الشريرة عن شخصياتي السابقة التي اقتصرت على خط درامي واحد في سياق النص، فيما نرى هذه الشخصية صعبة تعيش تقلّبات معيّنة.

هل شكّل الواقع السياسي اللبناني أرضاً خصبة لرسم هذه الشخصية بطريقة صحيحة؟

إضافة إلى دراسة الشخصية نفسياً، استوحيت من السياسيين اللبنانيين الحنكة والكذب والتظاهر بالوداعة علناً، فيما هم في الحقيقة ذئاب لا يفكّرون سوى بمصالحهم الذاتية. صوّرنا هذا التفصيل عندما جلس الزعماء معاً للاتفاق حول مواقع القتال، وتوقيت المعارك لتمرير صفقات السلاح فيما يتقاتل محازبوهم على الجبهات.

إلام يحتاج هكذا دور: إلى خبرة في الأداء أو تعمّق في علم النفس لرسم الشخصية؟

يحتاج إلى خبرة طبعاً، وقدرة على الفصل بين الشخصية وبين الشخصيات السابقة للتجديد. أمتلك راهناً الخبرة والنضوج والهدوء والقدرة في التعبير بحركة العينين، وطريقة المشي والحكي واللباس.

هل التنويع المتوافر في أدوار مماثلة غير متوافر في الشخصيات الطيّبة؟

للأسف، تقتصر شخصية البطل الطيّب على خط درامي واحد، وعلى أسلوب مسطّح لا مطبّات فيه، فيقع الممثل بالرتابة والتكرار في سياق أحداث المسلسل.

نجومية وبصمة

ألهذا السبب تحقق الأدوار الشريرة نجومية وانتشاراً أوسع من الأدوار الأخرى؟

طبعاً. عندما أديّت دور المحامي في الحلقات العشر الأولى من مسلسل «الهيبة» مثلاً، لم يؤثر في الجمهور رغم ظهوري الكثيف فيه، بينما حققت نجاحاً كبيراً في مسلسل «جذور» الذي شاركت في 16 حلقة تلفزيونية منه فقط من أصل 60، بدور مستغلّ جنسيّ للأطفال، وذلك لأنني حللّت نفسية الشخصية لرسمها وتركيبها بإطار صحيح وعملت على إظهار تفاصيلها، ما ترك بصمة معينة لدى الجمهور. لذا أرى أن بعض من يؤدي شخصيات الحب والغرام يقع أحياناً بالرتابة فلا يتطوّر ولا يحقق النجومية من خلالها.

أي ارتداد شخصي في أداء أدوار مماثلة؟

أستمتع كثيراً بالشخصيات المماثلة خصوصاً عندما تحقق النجاح، لأنني أشعر حينها أنني أثبتّ جدارتي وحققت طموحي الذي يتمثّل بترك بصمة مهنيّة. من الملاحظ أن بعض النجوم عمد إلى أداء دور الشر بعد مضي سنوات له في أدوار الحبّ، بهدف التجديد والتطوّر لأن تلك الأدوار تُكتب بطريقة مسطحّة. بينما انطلقت شخصياً من الأدوار الشريرة وطوّرت نفسي من خلالها واستمريت فيها، ورغم أنني تلقيت عروضاً على صعيد أدوار مغايرة في إطار الحبّ والطيبة، فإنني لم أتقيّد بها.

تحدّثت عن البصمة المهنيّة، ألا تسعى إلى تحقيق النجومية؟

أرى أن النجومية مرحليّة، قد يحققها الممثل بدور معيّن ثمّ يأفل نجمه إن لم يتجدد ويستمرّ، فيما البصمة المهنية لا تزول أبداً.

معايير ورسائل

يحمل المسلسل رسائل اجتماعية وإنسانية كثيرة، ما أهمية هكذا نصوص درامية؟

يدعو هذا المسلسل اللبنانيين إلى عدم الاستزلام للزعماء والأحزاب، المسؤولين عن حرب لبنان. وفي رأيي، إن لم يتغيّر هذا الواقع نتجه نحو حرب جديدة. يصوّر هذا المسلسل الزعماء يعقدون الصفقات على حساب الوطن والمواطن، من ثم يجب عدم الانجرار إلى هذه اللعبة، لأن هؤلاء هم أنفسهم لم يتغيّروا منذ انتهاء الحرب اللبنانية. لهذا السبب أحب بعض الناس المسلسل وبعض آخر انزعج منه، وأتفّهم ذلك لأنه يذكّرهم بالماضي القريب.

في رأيك يجب أن تؤدي الدراما دور مصلح اجتماعي؟

«حبيبي اللدود» مسلسل «رسالة» أكثر من كونه برنامجاً ترفيهياً. في رأيي، يمكن التسلية ببرنامج مفيد ومسلٍ في آن.

مع تقدّم سنين الخبرة والأدوار الناجحة، هل تختلف معايير المشاركة في عمل أو رفضه؟

بعد أداء شخصية الزعيم حبيب، رفعت الكاتبة منى طايع سقفي، فلم يعد بإمكاني المشاركة في أي مسلسل لا يحمل هدفاً أخلاقياً أو إنسانياً. يجب أن تحمل شخصياتي المقبلة هدفاً إنسانياً وهذه رسالتي الجديدة في الفنّ. تأثرت كثيراً بهذا المسلسل واكتشفت جوانب بشعة من زوايا الحرب اللبنانية، وانضممت إلى «حزب 7» للحؤول دون العودة إلى مرحلة الاقتتال الطائفي والديني، والابتعاد عن السياسة الوسخة المعتمدة من السياسيين. كذلك أسعى راهناً إلى الأدوار الممتعة والتفنن بالشخصية فأكون فرحاً في التوجه إلى موقع التصوير.

نلاحظ شرخاً بين الواقع الاجتماعي والإنساني في لبنان وبين النصوص الدرامية المفترض بها تجسيد هذا الواقع، على من تقع المسؤولية؟

صراحة، أتلقّى نصوصاً غير مقبولة أبداً. يتحمّل كل من الكاتب والمخرج والمنتج المسؤولية على حدّ سواء. يجب أن يحمل المسلسل الدرامي رسالة وموضوعاً جميلاً وإنتاجاً جيّداً جداً وإخراجاً جيّداً. مرفوضٌ إنتاج مسلسلات لملء الهواء فقط لا غير، إذ لم يعد بالإمكان خداع الجمهور المطلع على الفضائيات والمواقع الإلكترونية ويمكنه المقارنة بين نوعية الأعمال المعروضة.

من جهة أخرى، بات ضرورياً التحدث عن واقعنا، وعدم اقتصار المواضيع على قصص الغرام، فقد نجحت الدراما السورية لأنها تحدثت عن واقعها. في رأيي، سيحقق «حبيبي اللدود» نقلة نوعية لأنه تحدث عن واقعنا، عن الحرب اللبنانية، التي لم يتحدث عنها أحد سابقاً، فكسرت منى طايع المحظورات بجرأة وعرضت الواقع الطائفي كما هو.

شخصيات

ألا ترى أن ثمة تغييباً لكثير من الشخصيات في الأعمال الدرامية؟

صحيح. تعكس الدراما اللبنانية أحياناً صورة غير حقيقية عن لبنان ومجتمعنا ما يسيء إلى صورتنا في الخارج، فلا نرى سوى القصور والرفاهية والمظاهر المادية التي يحب بعض اللبنانيين إظهارها في المسلسلات فيما ثمة فقراء يعيشون في أزقّة ومنهم نستوحي قصصاً إنسانية كثيرة. والدليل تحقيق الأفلام السينمائية التي تحكي القصص الإنسانية المستوحاة من الأزقة والشارع نجاحاً كبيراً في المهرجانات العالمية ومنها «كفرناحوم».

أي شخصيات تطمح إلى تقديمها ولم يتسنَ لك ذلك؟

أحلم في تجسيد شخصية رجل أعمى أو مريض في السرطان أو السيدا أو معاق جسدياً، وأفتشّ عن أدوار مماثلة، فيما يراني المنتجون في أدوار تلائم شكلي الخارجي، ولو تركتهم على سجيّتهم لما توقفت عن أداء دور البطل الشاب ذي المظهر الخارجي الجميل. إنما الدور الذي لا يقدّم لي شيئاً يؤخرني بدلاً من تطويري، لذا أرفضه.

مسرح

للمسرح حيّز كبير في مسيرتك المهنية، ما السبب؟

منذ 27 عاماً لم أتوقّف عن تقديم المسرح ولن أتوقّف. أحبّ العمل مع الأب فادي تابت الذي تجمعني به صداقة جميلة، ونحن نتناقش دائماً لتقديم شخصيات جديدة وتطوير أفكارنا. أسند لي أدواراً «تفشّ الخلق»، وأجملها شخصية السيد المسيح في «عرس السما».

ما دورك في مسرحية «علقة جديدة»؟

أؤدي دور رئيس البلدية الذي يحارب وقف الكنيسة لشراء أرض الدير واستثمارها لمصالحه الشخصية. وهو والد لصبيّتين، يقع في غرام إحداهما الممثل ريمون صليبا ولكنه فقير ومرفوض من قبلي، فتقنعه شقيقتها الصغرى بالتنكّر بشخصية عمّته الغنية الآتية من الأرجنتين ومهمتها إقناع «نغم» أي الشقيقة الكبرى بالزواج به.

لما اخترت مسرح الأب فادي تابت دون سواه؟

إنها المساحة التي أؤدي فيها بحريّة، ونحن نرتاح بالتعاون معاً بفضل صداقتنا وقدرتنا على النقاش لتحقيق الأفضل. كذلك لا أشعر بأنني مُجبر على أداء شيء غير مقتنع به لسبب معيّن في مسرحه.

تفتشّ عن راحة نفسية في أعمالك.

لست مجبراً على العمل مع أحد. أسعى إلى التعاون مع من أعتبرهم أصدقاء فأرتاح معهم، ومن لا يؤمن لي هذا الشعور أرفض التعاون معه.

أهمية المشاركة في الدراما المصرية

شارك وجيه صقر في عدد من الأعمال المصرية، فكيف يقارن بين الإنتاجين المصري واللبناني؟ يقول في هذا السياق: «بداية أتوّجه بالشكر إلى شركة «الصبّاح» التي وفّرت لي فرص العمل هناك. تتميّز الصناعة الدرامية في مصر بأمور غير متوافرة لدينا، لذا تتفوّق بعدد الأعمال المعروضة سنوياً والتي تحقق نسبة مشاهدة مرتفعة نظراً إلى عدد السكّان».

يتابع: «الصانعون المصريون محترفون جداً في العمل وثمة تقدير واحترام للفنان في مصر، على عكس لبنان حيث لا أهمية لمهنة التمثيل، ولا قانون مهنياً، ولا ضمان اجتماعياً، فإذا توفي الفنان لا يملك ثمن تابوته. وإذا مرض لا يستطيع تأمين طبابته. عن أي دولة وحكومة وعهد يتحدثون؟ ثمة فساد وسرقة وصفقات فأي عهد قوي وُعدنا به».

النجومية مرحليّة، قد يحققها الممثل بدور معيّن ثمّ يأفل نجمه إن لم يتجدد ويستمرّ

تعكس الدراما اللبنانية أحياناً صورة غير حقيقية عن لبنان ومجتمعنا ما يسيء إلى صورتنا في الخارج
back to top