سبعون عاماً... خطوتان للأمام... عشر للوراء

نشر في 10-12-2018
آخر تحديث 10-12-2018 | 00:30
 أ.د. غانم النجار في مثل هذا اليوم، قبل 70 عاماً، وقبل منتصف الليل بقليل من شتاء 1948 في إحدى ضواحي باريس، كان العالم على موعد مع تبني فكرة شبه مستحيلة، على بساطتها، إلا أن تطبيقها كان من أصعب الأمور. كان العالم حينها قد أنهى حرباً عالمية ضروساً، دمرت وأهلكت وقتلت ملايين الأرواح، واستخدمت فيها أشد الأسلحة فتكاً، لتحقيق الهيمنة والنفوذ وبسط القوة، وهي القيم السائدة في العالم. أظهرت الحرب العالمية الثانية حجم الشرور عند البشر، فالإنسان هو الكائن الوحيد الذي يبيد نفسه أحياناً بدون سبب، فظهرت المجازر على أوسع نطاق وطفت على السطح ممارسات بشعة، في قلب العالم المتقدم، كان أعلاها دموية الإبادة الجماعية، واستخدام القنبلة النووية على المدنيين.

كان لابد للعالم أن يظهر استنكاره لما جرى، حتى لو كان على سبيل رفع العتب، وهكذا كان. فما إن تأسست الأمم المتحدة عام 1945 ، حتى تشكلت لجنة لصياغة اتفاقية تضمن احترام حقوق الإنسان، المصطلح الجديد على الساحة الدولية. بحثت اللجنة بهدوء وعلى مدى 3 سنوات كيفية التوصل إلى توافق دولي، حول مفهوم لم يعتد المجتمع الدولي عليه، وهو هل بالإمكان حماية كرامة الإنسان بشكل مطلق بلا تمييز؟ لم تكن المسألة سهلة، بل كانت شبه مستحيلة، فعلاقات العالم ترتكز على محور واحد لا غير ألا وهو القوة، أما الإنسان فليس إلا متغيراً تابعاً لها، فكيف بالإمكان جعله في المقدمة؟ عندما كادت اللجنة تنجز الاتفاقية، انتبهت القوى الفاعلة، التي لم تكن قد أعطت اجتماعات اللجنة الجدية الكافية، ظناً منها أن تلك الاجتماعات لن تفضي إلى شيء، فأوقفت مسار الاتفاقية لينتهي الأمر إلى أن يكون إعلاناً فقط، وهكذا صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، متضمناً قيماً جديدة، لكنها ناقصة، قاصرة عن التنفيذ، وغاص الإعلان في وحل الحرب الباردة، والتي سيبدأ الإفاقة منها بعد نهايتها، مع تفكك الاتحاد السوفياتي، وبداية حراك حقوقي مازال يتعثر حتى يومنا هذا.

مضت سبعون سنة على بزوغ تلك القيم الإنسانية لتوحيد الدول حولها، انتصاراً للإنسان المهمش، حيث تعلن أغلب الدول إيمانها بتلك المبادئ بالنهار، وتتنكر لها بالليل. ومع أن المسيرة الحقوقية مستمرة، حيث ظهرت الكثير من الوثائق والهيئات والمؤسسات الداعمة لفكرة حماية كرامة الإنسان وحقوقه، إلا أنه مازال أمامها الكثير، فالبشرية لم تنجح، حتى الآن، في إعلاء قيمة الإنسان، والتقليل من الاستبداد والجبروت والطغيان.

back to top