كيف السبيل إلى إنهاء كابوس فنزويلا؟

نشر في 10-12-2018
آخر تحديث 10-12-2018 | 00:00
هناك فرصة ممتازة للمجتمع الدولي للتحرك نحو التوصل إلى حل منسق بشأن فنزويلا، وذلك برفض الاعتراف بشرعية مادورو بعد العاشر من يناير صراحة، على أن يقترن هذا بالاعتراف بقرارات الجمعية الوطنية فيما يتصل باختيار حكومة انتقالية والمساعدة في تنفيذ هذه القرارات.
 بروجيكت سنديكيت نادرا ما يكون التخلص من أي مشكلة بالتمني استراتيجية فعّالة، وفي حين يركز المجتمع الدولي كل اهتمامه على قضايا أخرى، تزداد حدة الكارثة الفنزويلية، وإذا استمرت الاتجاهات الحالية، فستزداد الأمور سوءا على سوء.

الآن يشتري عمل يوم كامل بالأجر المتوسط 1.7 بيضة أو كيلوغرام من اليوكا (الكاسافا)، وهذه أرخص السعرات الحرارية المتاحة، ويكلف كيلوغرام واحد من الجبن المحلي عمل 18 يوما بالأجر المتوسط؛ وكيلوغرام واحد من اللحم يكلف ما يقرب من عمل شهر كامل، اعتمادا على القطعة المشتراة من الذبيحة، كانت الأسعار في ارتفاع بمعدلات مفرطة التضخم طوال 13 شهرا متتاليا، وأصبح التضخم على مسار يجعله يتجاوز مستوى المليون في المئة هذا الشهر، ويواصل الإنتاج الهبوط كحجر سقط في هاوية: إذ تشير تقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن الإنتاج انخفض بنحو 37% في أكتوبر 2018 مقارنة بمستواه في الشهر نفسه من العام السابق، أو ما يعادل 700 ألف برميل يوميا تقريبا.

ويشير تقرير Alianza Salud، وهو ائتلاف من منظمات غير حكومية، إلى أن حالات الملاريا الجديدة في عام 2018 قفزت ارتفاعا بنحو 12 ضعفا منذ عام 2012، ليصبح المجموع أكثر من 600 ألف حالة، أو ما يعادل 54% من كل الحالات في الأميركتين، كما جرى التنازل عن مساحات ضخمة من أراضي فنزويلا لمنظمات إجرامية، بما في ذلك جماعات إرهابية مثل القوات المسلحة الثورية في كولومبيا وجيش التحرير الوطني الذي تواطأ مع الحرس الوطني في إنتاج الذهب والكولتان، فضلا عن تجارة المخدرات.

نتيجة لهذا، يرحل مواطنو فنزويلا بأعداد كبيرة عن البلاد، مما يخلق أزمة لاجئين لا تقل حجما عن أزمة اللاجئين السوريين، وهي الأكبر في الأميركتين على الإطلاق، وبناء على موقع فيسبوك الذي يفيد عن وجود 3.3 ملايين مستخدم فنزويلي خارج البلاد، فقد توصل الفريق البحثي الذي أتولى قيادته في مركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد إلى تقدير أعداد النازحين إلى الخارج بما لا يقل عن 5.5 ملايين مواطن في الإجمال، ومن بين أولئك الذين استخدموا موقع "تويتر" من داخل فنزويلا فقط في عام 2017، غادر البلاد أكثر من 10% بحلول نوفمبر. وتواجه كولومبيا، والإكوادور، وبيرو، على الرغم من جهودها البطولية الباسلة، صعوبات متزايدة في التعامل مع تدفقات اللاجئين. من الواضح بجلاء أن مشاكل فنزويلا لن تُحَلّ ما لم يتغير النظام، ففي نهاية المطاف، كان انهيار النظام والاقتصاد نتيجة لإلغاء حقوق أساسية، فلا يستطيع مواطنو فنزويلا أن يستثمروا وينتجوا لتلبية احتياجاتهم، لأن حقوقهم الاقتصادية سلبت منهم؛ ولا يمكنهم تغيير السياسات المنحرفة العنيدة، لأنهم حُرِموا أيضا من حقوقهم السياسية. والتحول عن هذا المسار المروع يتطلب إعادة تمكين مواطني فنزويلا.

من حسن الحظ أن هذا الكابوس من الممكن أن ينتهي قريبا، لكن هذا يتطلب التنسيق بين القوى الديمقراطية في فنزويلا والمجتمع الدولي، ففي العاشر من يناير تنتهي ولاية الرئيس نيكولاس مادورو، التي بدأت بانتخابه في عام 2013، وكان انتخابه لفترة ولاية ثانية في مايو من هذا العام صوريا وزائفا: فقد مُنِعَت الأحزاب المعارضة الرئيسة ومرشحوها من خوض الانتخابات، وقد رفض الاتحاد الأوروبي، واليابان، ودول أميركا اللاتينية الكبرى، بين دول أخرى كثيرة، الاعتراف بنتائج الانتخابات، وهذا يعني أنها لا تعترف بشرعية رئاسة مادورو بعد العاشر من يناير.

الحل المنطقي الآن يكمن في الجمعية الوطنية، التي انتخبت في ديسمبر 2015 بأغلبية الثلثين من المعارضة، لحل المأزق الدستوري بتعيين حكومة مؤقتة جديدة وقيادة عسكرية عالية جديدة قادرة على تنظيم العودة إلى الديمقراطية وإنهاء الأزمة، لكن أعضاء الجمعية الوطنية قلقون من القيام بذلك، لأنهم يخشون أن يصبحوا موضع تجاهل في أفضل الأحوال، أو ربما حتى يتعرضوا في أسوأ الأحوال للسجن أو النفي أو التعذيب حتى الموت ثم يُلقى بهم من نافذة في الطابق العاشر، كما حدث في أكتوبر مع فرناندو ألبين، عضو مجلس مدينة كاراكاس، وما لم تحترم القوات المسلحة قرارات الجمعية الوطنية، فسيكون من الصعب إنفاذها.

لهذا السبب يتطلب هذا الحل التنسيق بين المجتمع الدولي والقوى الديمقراطية في فنزويلا، والواقع أن هذه القوى ليست على يقين من مقدار الدعم الدولي الذي قد تحصل عليه، والمجتمع الدولي ليس على يقين من خطط القوى الديمقراطية ومدى تماسكها.

كما هي الحال مع أي مشكلة تتعلق بالتنسيق، هناك نتائج جيدة وسيئة ذاتية التحقق، ففي ظل الظروف الحالية، ولأن المجتمع الدولي لم يوضح أي حكومة قد يعترف بها حكومة شرعية لفنزويلا بعد العاشر من يناير، وأي مستوى من الدعم قد يقدمه لها، كانت القوى الديمقراطية غير قادرة على التضافر حول حل بعينه. لكن مواطني فنزويلا كانوا حريصين على القيام بواجبهم فأرسوا الأساس التنظيمي للتغيير، وقد اجتمعت الأحزاب السياسية، والنقابات التجارية، والجامعات، والمنظمات غير الحكومية، والكنيسة الكاثوليكية في مبادرة تحمل مسمى "فنزويلا حرة"، كما نظمت هذه القوى المؤتمرات في كل من ولايات فنزويلا الأربع والعشرين، والتي حضرها أكثر من 12 ألف مندوب، وفي السادس والعشرين من نوفمبر، عقدت حدثا وطنيا لإصدار بيان يرسم مسار العودة إلى الديمقراطية، بالإضافة إلى هذا، كانت هذه القوى تعمل على خطة اقتصادية مفصلة، وأدارت مناقشة مستفيضة مع المجتمع الدولي بهدف التغلب على الأزمة واستعادة النمو.

الواقع أنها فرصة ممتازة للمجتمع الدولي للتحرك نحو التوصل إلى حل منسق: رفض الاعتراف بشرعية مادورو بعد العاشر من يناير صراحة، على أن يقترن هذا بالاعتراف بقرارات الجمعية الوطنية فيما يتصل باختيار حكومة انتقالية والمساعدة في تنفيذ هذه القرارات، ولابد من بث رسالة واضحة إلى القوات المسلحة الفنزويلية حول وجوب احترام قرارات الجمعية الوطنية.

إن حل الكارثة الفنزويلية ليس أمرا مرغوبا فحسب، بل هو ممكن أيضا، ولا يستطيع العالَم أن يتحمل تَرَف إهدار هذه الفرصة، ومن الممكن أن يصبح العاشر من يناير بداية جديدة.

* ريكاردو هوسمان

* وزير التخطيط الأسبق في فنزويلا، وكبير خبراء الاقتصاد لدى بنك التنمية بين الأميركتين سابقا، وهو مدير مركز التنمية الدولية في جامعة هارفارد وأستاذ الاقتصاد في كلية كينيدي في جامعة هارفارد.

«بروجيكت سنديكيت، 2018» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top