المُشتبه بتورّطه في تجنيد المسؤولين عن اعتداءات 11 سبتمبر

محمد حيدر زمار: لم أكن أعرف شيئاً

نشر في 01-12-2018
آخر تحديث 01-12-2018 | 00:12
محمد حيدر زمار
محمد حيدر زمار
الألماني محمد حيدر زمار كان يعرفهم جميعاً: أسامة بن لادن، وخلية «هامبورغ» الإرهابية التي نفّذت اعتداءات 11 سبتمبر، وعناصر «الدولة الإسلامية».
كان رمز الجهاد العالمي يمشي ببطء ويخطو خطوات حذرة في الممر الضيق. أدخله حارس مُقنّع إلى الغرفة. إنه محمد حيدر زمار (57 عاماً)، رجل سوري الأصل ولكنه من سكان «هامبورغ» منذ فترة طويلة. انضمّ إلى المجاهدين في البوسنة وعمل مع تنظيم «القاعدة» في أفغانستان ومع خلية «هامبورغ» التي شملت المعتدين المتورطين في أحداث 11 سبتمبر، ثم انضمّ إلى المقاتلين في «الدولة الإسلامية». لكن ها هو يقبع الآن في سجنٍ يديره جهاز الاستخبارات الكردية، في مكانٍ ما من شمال شرق سورية. أصبح هذا الرجل نحيلاً بعدما كان عملاقاً: كان طوله 193 سنتم ووزنه 145 كلغ. كذلك تلاشت لحيته الكثيفة.
في مقابلة مع صحيفة «شبيغل»، يتكلم للمرة الأولى مع صحافيين داخل السجن الكردي.
يحمل محمد حيدر زمار خبرة واسعة في مجال الحرب الدينية بعدما امتدّت تجاربه على عقدَين من الزمن. يمكن اعتباره مذنباً وضحية وشاهداً في آن. خلال رحلة إلى المغرب، اختطفته «وكالة الاستخبارات المركزية» وجلبته إلى بلده الأم سورية حيث اختفى داخل سجون نظام الأسد طوال سنوات. واعتباراً من عام 2013، انضمّ إلى «الدولة الإسلامية». كان دور السلطات الألمانية في هذه القضية كفيلاً بإحداث فضيحة كبرى وإطلاق تحقيق برلماني في برلين.

لم يتكلم زمار علناً منذ عام 2001، أي السنة التي شهدت اعتداءات 11 سبتمبر. لكن نجح فريق من المراسلين العاملين في صحيفة «شبيغل» الآن في مقابلته. دامت المفاوضات مع قيادة «وحدات حماية الشعب»، الفرع السوري من «حزب العمال الكردستاني» الذي يزعم أنه ألقى القبض على زمار في الشتاء الماضي، لستة أشهر. أعلنت تلك القوات حديثاً أن زمار يستطيع التكلم إذا رغب في ذلك.

جلس زمار ورحّب بالحاضرين بكل تهذيب. لم يكن قد تكلم باللغة الألمانية منذ فترة طويلة. لذا كان يبحث بشكل متكرر عن الكلمات الصحيحة خلال مقابلتنا التي دامت 77 دقيقة. يعترف زمار في هذه المقابلة بانتمائه إلى «الدولة الإسلامية»، ولكنه ينكر ضلوعه في اعتداءات 11 سبتمبر ضد نيويورك وواشنطن.

زمار، كيف حالك؟

الحمد لله، أنا بخير. لكن تختلف السجون في البلدان العربية عن ألمانيا طبعاً. يقبع 28 شخصاً في زنزانة صغيرة هنا، ولا يمكننا أن ننام إلا على جنبنا خلال الليل. أخبرنا الحراس بهذه المشكلة، لكن هكذا هو الوضع: لا سجون كافية للجميع ويرتفع عدد السجناء المنتمين إلى «الدولة الإسلامية» وجماعات أخرى.

هل سلّمتَ نفسك؟ كيف وصلتَ إلى هذا المكان؟

كنت مع زوجتي وأولادي في بلدة درنج، على الطرف الشرقي من نهر الفرات، بالقرب من مدينة دير الزور. كنا عالقين هناك. كان الأكراد منتشرين في كل مكان. لم نكن نملك سيارة ولا دراجة نارية ولا أموالاً، ولم تكن صحتي جيدة كما في السابق، لذا لم أجد خياراً آخر عدا تسليم نفسي. لم أشأ أن أعود إلى السجن، لكن ما الذي يُفترض أن أفعله؟ اعتقلت وأُخِذت زوجتي بعيداً ولم أسمع أي أمر عنها منذ ذلك الحين.

لكنّ زوجتك موجودة في ألمانيا، أليس كذلك؟

لا أقصد تلك. تزوجتُ بهذه المرأة هنا، قبل سنة من اعتقالي. كان لديها ثلاثة أولاد من زوجها السابق وكانت حاملاً مجدداً. سألتُ المحققين عنها فقالوا لي إنها عادت إلى أهلها. لا أعرف إذا وصلت إلى هناك، أو إذا كانت على قيد الحياة، أو إذا كانت تملك ما يكفي من الطعام.

الانضمام إلى الدولة الإسلامية

بعد تمضية أكثر من 10 سنوات في السجون السورية، أُطلِق سراحك في عام 2013. لماذا اخترتَ حينها أن تنضمّ إلى «الدولة الإسلامية» بدل أن تعود إلى ديارك في «هامبورغ» بكل بساطة؟

أثناء وجودي في السجن، طلبتُ إلى الله أن يخبرني بوجهتي اللاحقة، فسمعني وأبلغني بأنني أستطيع البقاء في سورية من دون خوف. كانت تجربة السجن مريعة. كنا نتضوّر جوعاً. لكننا كنا نُجفف بعض الخبز لحسن الحظ ونُعلّقه بالقرب من النافذة كطعام احتياطي، ومع ذلك مات بعض الأشخاص. لطالما أردتُ أن أطلق الجهاد ضد الظلم اللاحق بالمسلمين! جئتُ إلى ألمانيا للمرة الأولى في عام 1971. ما الذي دفعني إلى التخلي عن الحياة المستقرة والطعام الوافر هناك؟ الظلم! هل تتذكرون أحداث «سربرنيتشا» في البوسنة؟ شاهدتُ ما حصل على التلفزيون الألماني وغادرتُ إلى البوسنة فوراً.

هل يمكننا أن نحصر الكلام الآن بالوقت الذي أمضيته في سورية؟

طبعاً. يكفي أن تسألوني!

أمضيتَ أكثر من 10 سنوات في السجون السورية بعد 11 سبتمبر 2001. كيف تمكنتَ من الخروج؟

كان السجن محاصراً من حركة «أحرار الشام» المتمردة في عام 2013، وكان بين عناصرها صديق قديم لي أعرفه من أفغانستان، فحرص على مقايضتي مع خمسة سجناء آخرين مقابل جنرالَين من جيش الأسد. نظّم الهلال الأحمر هذه العملية. رحّب بنا رفيق سابق كان مسجوناً بدوره واستضافنا لديه، فحضّر لنا عشاءً مؤلفاً من دجاج مشوي وبطاطا و«كوكا كولا». ما كان يجب أن آكل بهذه الشراهة كلها بعدما كنا نتضور جوعاً في السابق. لم أستطع أن أنهض طوال أسبوع. كان الدم يتناثر مني.

كان مرافقو زمار أجلسوه على كرسي مكتب، وكان الجدار خلفه مزيّناً بشعار الجهاز السري الكردي. وُضِعت على الطاولة هناك علبة مناديل زهرية اللون، وكان زمار يرتدي سروالاً بنّياً وقميصاً مع ياقة وسترة.

بدا أقرب إلى رجلٍ متقاعد منه إلى إسلامي متطرف. حين يتكلم، كان يبقي يديه على فخذيه ويرفعهما من وقتٍ إلى آخر. سرد قصته من دون إبداء أي ردود فعل عاطفية، وكأنها مجرّد سلسلة من الأحداث، وأضفى على كلامه بعض اللمسات الدرامية.

زمار: حين استعدتُ عافيتي، سألني أحد إخوتي من السجن، وقد أصبح الآن حاكم «الدولة الإسلامية» في حلب: «حيدر، أبو عادل، هل تريد الانضمام إلينا؟»، فأخبرتُه بأنني أريد أن أطلق الجهاد ضد الظلم طبعاً. هكذا أعلنتُ ولائي لهم.

مثلما فعلتَ سابقاً حين قابلتَ بن لادن في أفغانستان؟

لا. قصدتُ أفغانستان بضع مرات، وكان بن لادن بالنسبة إليّ رجلاً ودوداً وصالحاً. لكني لم أعلن ولائي لتنظيم «القاعدة»، مع أن الناس يدّعون ذلك دوماً.

بعد تعرّضك للتعذيب في سجون متنوعة على مر سنوات عدة، كيف يمكن أن تنضمّ إلى «الدولة الإسلامية» التي تُعذّب الناس وتُعدمهم؟ي

صحيح، لكنها تفعل ذلك وفق الشريعة الإسلامية: العين بالعين والسن بالسن. أظن أن هذه المقولة مكتوبة أيضاً في الكتاب المقدس والتوراة.

قتلت «الدولة الإسلامية» صديقك أبو خالد السوري الذي تعرفه من أفغانستان وكان أخرجك من السجن. بصفته ممثلاً لتنظيم «القاعدة»، كان حذّر من عناصر «الدولة الإسلامية» واعتبرهم «جهاديين مزيفين لا يعرفون شيئاً عن الأخوّة، بل هم مجرّد أداة للخنوع والأكاذيب والقتل». كذلك حذّر من «تعرّض الجهاديين الحقيقيين للخيانة».

كان بعض أفعال «الدولة الإسلامية» غير صائب طبعاً. لا مفر من أن يرتكب البشر الأخطاء. اعتقل الجهاز السري في «الدولة الإسلامية» صديقاً لي. قالوا إنه قتل سجيناً واحتجزه، فكبّلوه بإحكام شديد ثم علّقوه من قيوده، فتمزّق جلده عن معصمَيه.

ما كان رأيك بما حصل؟

اعتبرتُ ما حصل ظالماً لأنه لم يرتكب أي خطأ. لكني أعتبر التعذيب ظالماً بشكل عام. حتى الدول الإسلامية الأخرى لا تقوم بتصرفات صائبة دوماً. يمكن اعتبار ألمانيا مثلاً أكثر عدلاً من معظم تلك الدول.

هل تظن حتى الآن أن «الدولة الإسلامية» تطرح نموذجاً أكثر عدلاً من ألمانيا كي تقتدي به البلدان؟

في الواقع، قد تكون ألمانيا أفضل منها، في بعض المسائل دون سواها. حين يُدان شخص بتهمة الإرهاب مثلاً، مع أنه لم يقتل أحداً... هذا ما أصاب صديقي منير المتصدق... هو لم يقتل أحداً ومع ذلك اضطر إلى تمضية 15 سنة في السجن. أعتبر ما حدث مجحفاً.

مساعدة المخططين

تقول إن المتصدق كان صديقك، تماماً مثل الطيارين المتورطين في اعتداءات 11 سبتمبر، مروان الشحي وزياد جراح ومحمد عطا، الذين قابلتَهم في عام 1996.

كانوا من أقرب أصدقائي. كلما كان التلفزيون الألماني ينقل أخباراً عن خلية «هامبورغ»، كانوا يتكلمون وكأننا توارينا عن الأنظار. لكننا لم نكن نختبئ. بل إننا لم نشأ أن نخسر نفسنا في هذا المجتمع الذي يبيح الأمور كافة: جنس، وملابس فاضحة... أردنا أن نساعد نفسنا كجماعة كي نبقى مقرّبين من الله ونقرأ القرآن. أعترف بأنني نسختُ منشورات فيها دعوة بن لادن إلى الجهاد ضد الولايات المتحدة. كذلك سلّمتُ نسخاً منها أمام المسجد علناً. لا أخجل من ذلك.

عكنتَ إذاً الشخص الذي جمع هؤلاء الرجال في الأساس؟

نعم.

لكنك لم تعلم أي أمر عن الاعتداءات التي خطط لها هؤلاء الرجال ونفذوها لاحقاً؟

لا. لم يخبروني شيئاً. بالكاد تواصلتُ معهم في السنتين اللتين سبقتا الأحداث. ربما أخفوا عني الموضوع كي لا يورّطوني.

لكنك اصطحبتَ سعيد بهجي، أحد المخططين، إلى مطار «هامبورغ» قبل ثمانية أيام من أحداث 11 سبتمبر، حين غادر إلى باكستان.

ظننتُ أنه أراد الذهاب إلى أفغانستان للجهاد بكل بساطة. لم ينفّذ سعيد أي اعتداءات.

حين استجوب المحققون المغربيون زمار، بالتعاون مع «وكالة الاستخبارات المركزية»، في نهاية عام 2001، في مقر الجهاز الاستخباري في الرباط، تفاخر في البداية بأنه كان وراء فكرة استعمال طائرات الركاب كأسلحة وأنه اقترح تلك الفكرة للقيادة «القاعدة».

اشتبه المحققون لاحقاً بأن زمار أراد أن يوحي بأنه مهم، وقد أخطأ حين ظن أنه بأمان على اعتبار أنه مواطن ألماني وقد تقتصر تداعيات أفعاله على تسليمه إلى ذلك البلد. بعد مرور أسبوعين، استنتج المحققون أن زمار لم يكن يعلم شيئاً عن الاعتداءات.

لم يتمكن المحققون الألمان أيضاً من إثبات تورّطه في الجريمة. بعد مرور سنوات على التحقيق بِتُهَم مرتبطة بتوفير الدعم لمنظمة إرهابية، أغلق المدعي العام الاتحادي في ألمانيا التحقيق في نهاية المطاف.

ما الذي فكرتَ به حين شاهدتَ صور البرجَين المحروقَين والطائرات التي تخترقهما على التلفزيون ومتى علمتَ أن أصدقاءك نفذوا للتو أكبر هجوم إرهابي في التاريخ؟

لم يذكروا في البداية هوية المعتدين. لذا ظننتُ أنهم اليابانيون.

اليابانيون؟

نعم، انتقاماً لأحداث هيروشيما. ظهرت أسماء أصدقائي وصورهم لاحقاً. لكني لم أصدّق أنهم مذنبون.

لماذا؟

لم أكن أظن أنهم قادرون على عمل مماثل.

اختفاء عن الأنظار

ثم حضرت الشرطة؟

لا، كنت في بلدة ريحانلي على الحدود التركية السورية. كنت مسافراً مع زوجتي التي أرادت أن تزور أقاربها أيضاً في سورية. عدتُ أدراجي بعد بضعة أيام. أخبرني نسيبي بأن أبواب الجحيم فُتِحت وأن الشرطة تداهم المنازل. لذا قررتُ أن أختفي عن الأنظار وأقبع في منزل شقيقي. بعد مرور أيام، حضر رجال الشرطة إلى هناك وتركوا رسالة مع استدعاء من المحكمة، ثم قصدتُ مركز الشرطة حيث اعتقلوني فوراً.

لا يمكن اعتبار اعتقالك مفاجئاً جداً بما أنك كنت مسؤولاً عن جمع المعتدين معاً وكنت تشيد بالجهاد في «هامبورغ» وسبق وقصدتَ أفغانستان خمس مرات. ما الذي يمنع المحققين من الاشتباه بتورطك في الاعتداءات؟

لكن لو كنت متورطاً فعلاً، لما عدتُ إلى ألمانيا من تركيا! كنت لأهرب إلى أفغانستان أو أي مكان آخر. قلتُ في التحقيق إنني كنت أقرأ القرآن مع عطا والآخرين وإننا كنا نأكل ونقصد المسجد معاً. لكني لم أعلم أي أمر عن الاعتداءات والله شاهد عليّ!

لو كنت تعلم بتلك المخططات، هل كنت لتحاول منع أصدقائك من تنفيذها؟

لا أعرف. كنت مستاءً جداً من السياسة الأميركية. لا أعرف حقاً.

حين أُطلِق سراحك مجدداً في أكتوبر 2001، هل طُلِب منك أن تبقى في ألمانيا خلال تلك الفترة؟

بل العكس صحيح! حين خرجتُ، أخبرتُ رجال الشرطة بأنني أريد زيارة زوجتي الثانية في المغرب. فقالوا لي: لا مشكلة!

خطف وتعذيب

ذهبتَ إلى هناك. وحين أردتَ أن تعود إلى «هامبورغ» من الدار البيضاء، بدأت رحلتك تتخذ مساراً مختلفاً.

خُطِفتُ في المطار. كانت العملية من تدبير الأميركيين على الأرجح. في السجن، ضربني المغاربة وسكبوا عليّ ماءً بارداً إلى أن أوشكتُ على فقدان الوعي. كان جسمي كله يرتجف. كنا في شهر ديسمبر وكان الطقس بارداً. استمرّ هذا الوضع طوال أسبوعين، ثم أخذوني إلى سورية مع أنني مواطن ألماني. وضعوني في «فرع فلسطين» في الطابق السفلي.

أنت تتكلم عن قسم معروف بوحشيته وسجنه ضمن جهاز الاستخبارات العسكرية.

كنا، نحن السجناء، نسمّي جناحنا «قبر الحياة». بقيتُ محجوزاً في زنزانة ضئيلة طوال سنتين و10 أشهر. كان المكان ضيقاً جداً واقتصر طوله على 180 سنتم. لكن كان طولي 193 سنتم ولم أتمكن مطلقاً من تمديد جسمي بالكامل. لم تشمل زنزانتي إلا ثقباً صغيراً يسمح بدخول الضوء، ومن دونه كانت الظلمة لتعمّ المكان طوال الوقت. خلال تلك الفترة، سُمِح لي برؤية السماء في الباحة الخارجية في ثلاث مناسبات مختلفة طوال نصف ساعة... ثلاث مرات خلال ثلاث سنوات تقريباً!

لم أتعرّض للضرب خلال الشهر الأول. لكن بدأت جولات الضرب في المرحلة اللاحقة: بقبضات اليد والأسلاك، على وجهي وباطن قدميّ... أحياناً، كانوا يحصرونني داخل عجلة سيارة ويعلّقوني ثم يضربوني. في إحدى المرات، كسروا فكّي. وفي مناسبة أخرى، ضربوا أسفل قدميّ بقوة لدرجة أنهما اسودّتا وبقيتا كذلك لفترة طويلة.

تتحمّل الحكومة الألمانية جزءاً من مسؤولية تعذيب زمار، ولو بطريقة غير مباشرة. رغم قلة الأدلة التي تُبرّر احتجازه في ألمانيا، لم يتردد «مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية»، الذي كان يتنصت على زمار ويراقبه باستمرار، في تقاسم معلومات مفصّلة، في مناسبتَين على الأقل، مع «مكتب التحقيقات الفدرالي» الأميركي بشأن رحلته إلى المغرب.

يعني ذلك أن «وكالة الاستخبارات المركزية» كانت تعرف أيضاً أن زمار حجز رحلة على متن الخطوط الجوية الملكية الهولندية من الدار البيضاء في 8 ديسمبر 2001، في الساعة 6:45 صباحاً، و«وفق المعلومات المتاحة، كان مصمِّماً على رحلة العودة التي خطّط لها».

لكن اعتقله فريق التدخل السريع المغربي. فخضع للاستجواب طوال أسبوعين قبل أن ينقله الأميركيون إلى سورية.

بدل السعي إلى إطلاق سراح زمار، عقدت الحكومة الألمانية اتفاقاً مع رئيس الاستخبارات العسكرية في سورية. مقابل الوصول إلى زمار داخل السجن في سورية، أوقف الألمان التحقيق بقضية تجسس ضد مواطنَين سوريين في ألمانيا.

بعلمٍ من فرانك فالتر شتاينماير، رئيس الأركان في دار الاستشارية الألمانية، قرر أوغست هانينغ الذي كان حينها رئيس «جهاز الاستخبارات الخارجية» في ألمانيا، وإرنست أهرلاو، مُنسّق الاستخبارات في دار الاستشارية، إرسال خمسة مسؤولين إلى دمشق: رجلان من «جهاز الاستخبارات الخارجية»، ومسؤولان آخران من «مكتب حماية الدستور» الذي يراقب مظاهر التطرف في ألمانيا، ورجل آخر من «مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية».

حين وصل المسؤولون الألمان الخمسة إلى دمشق في 20 نوفمبر 2002، تعرفوا إلى زمار الذي كان يرتدي سروالاً رياضياً. فاشتكى أمامهم من تعرّضه للضرب. كان قد خسر جزءاً كبيراً من وزنه، لكن لم تظهر عليه معالم سوء التغذية.

أمضى المسؤولون ثلاثة أيام وهم يتكلمون معه، فبدا مستعداً للتعاون وسُرّ المسؤولون لاحقاً لأنه ساعدهم في التعرّف إلى صور مقاتلين مشبوهين كانوا رفاقه. ذكرت الملاحظات الواردة في بيان اجتماعات الوكالات المعنية أن النتائج كانت «بين جيدة وممتازة». كان المسؤولون يأملون أن يتمكنوا من التكلم مع زمار بشكل متكرر.

لكن لم يتحقق ذلك. ذكر مسؤول في «مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية» في عام 2003 أن «مكتب حماية الدستور» كان له «تحفظات بارزة». كانوا يخشون أن يتفوه زمار بكلامٍ من شأنه أن يُعرّضه لحكم الإعدام في سورية.

استجواب

كيف كان مسار الاستجواب مع المحققين الألمان طوال ثلاثة أيام في نهاية عام 2002؟

هل امتد على ثلاثة أيام أم يومين؟ لا أتذكر بدقة. تولّى اثنان منهم طرح الأسئلة فيما كان رجل آخر يكتب الملاحظات على حاسوبه المحمول. لم يكونوا ودودين. لكنهم ما كانوا صارمين أيضاً، بل باردين بكل بساطة. أخبرتُهم بما كان يحصل هناك وطلبتُ إليهم أن يساعدوني للعودة إلى ألمانيا. فقال أحدهم: في الأحلام!

هل أخذوك إلى سجن حلب مباشرةً بعد تمضية نحو ثلاث سنوات في الطابق السفلي من «فرع فلسطين»؟

لا. نُقِلتُ إلى سجن صيدنايا الضخم في شمال دمشق. شهدتُ هناك على ثلاث حملات تمرّد من السجناء في عام 2008. صعد آمر السجن حينها على سلم النجاة وراح يطلق النار عشوائياً من فوق. ضُرِب المصابون حتى الموت. بعد ذلك، عدتُ إلى «فرع فلسطين»، ثم إلى صيدنايا مجدداً، ثم إلى سجن آخر قبل أن أصل إلى حلب.

ما الذي قمتَ به تحديداً لصالح «الدولة الإسلامية»؟

في البداية، لم تكن «الدولة الإسلامية» دولة بحد ذاتها بعد في حلب، بل كانت أقرب إلى جماعة، مثل 30 أو 40 جماعة أخرى هناك. ثم في بداية عام 2014، نفّذ «الجيش السوري الحر» هجوماً مباغتاً فاضطررتُ إلى الهرب من المدينة مع زوجتي.

هل تعني المرأة التي كانت معك حين اعتُقلتَ في الشتاء الماضي؟

لا، إنها امرأة أخرى. ماذا يُفترض بي أن أفعل؟ لم تستطع زوجتي في «هامبورغ» أن تأتي إليّ ولم أتمكن أنا من الذهاب إلى ألمانيا. لكني أحتاج إلى امرأة كي تعتني بي وكي أهتم أنا بها وتنجب لي الأولاد. ذهبنا إلى بلدة الباب شرقاً وبقينا هناك لثلاث سنوات. كنت أهتم ببيوت الضيافة التي تعود إلى المجاهدين. كنت أحرص على إزالة أكوام الغسيل والطعام والنفايات عن الأرض. قمتُ بهذا العمل لفترة ثم عملتُ في «قسم العلاقات العامة» كوسيط بين القبائل المتناحرة أو بين الأزواج الذين ما عادوا يتفقون. عيّنوني بعد ذلك مشرفاً على جماعات العمّال. في النهاية، كان يُفترض أن أعمل في قسم الإعلام، لكن بدأ الوضع ينهار حينها.

صعوبة أن يُحاسب شخص يؤيد الإرهاب فكرياً بطريقة قانونية

أوشكت المقابلة أن تنتهي. بدا وكأن مرافقي زمار يفقدون صبرهم. لكن أراد زمار أن يبوح بمسألة مهمة: إذا مارست «الدولة الإسلامية» أعمال تعذيب «عن غير وجه حق»، فإن أفعالها مرفوضة. هو لم ينضم إليها لنشر الرعب كما يقول، بل أراد حماية حقوق الإنسان وليس الديمقراطية، لأن الديمقراطية ممارسة وثنية.

هذه هي حقيقة ذلك الرجل الذي يتمسك بقناعاته! تكشف قضية زمار مدى صعوبة أن يُحاسَب شخص يؤيد الإرهاب فكرياً بطريقة قانونية. لطالما كان حاضراً وسط المذنبين، لكنه لم يتورط شخصياً في أي أعمال إرهابية. من الواضح أنه سافر إلى أفغانستان خمس مرات، وكان أول شخص يجمع بين مرتكبي اعتداءات 11 سبتمبر، وقد شجّع المترددين من أمثال الطيار الانتحاري مروان الشحي على التمسك بإيمانهم. ومن المؤكد أيضاً أن مرتكبي الاعتداءات أخفوا عنه تحركاتهم فيما كانوا يخططون لأكبر هجوم إرهابي في التاريخ، ثم انتهى به الأمر مع «الدولة الإسلامية».

في الماضي، أراد الجميع أن يتكلموا مع زمار، منهم مسؤولون من «وكالة الاستخبارات المركزية» أو من الاستخبارات الألمانية. أما اليوم، فقد يُحاكَم في ألمانيا بسبب انتسابه إلى «الدولة الإسلامية». أصدر المدعي العام الاتحادي في ألمانيا مذكّرة توقيف بحقه.

لكن ربما لم تعد ألمانيا تريد استرجاعه. لا يرغب أي بلد في استعادة مقاتلين مع «الدولة الإسلامية» كونهم يطرحون تهديدات محتملة في ديارهم.

حين طلبنا تعليقاً على الموضوع من وزارة الخارجية في برلين، أعلنت بشكلٍ مقتضب أن تلقي المساعدة من القنصلية في المنطقة الكردية في شمال سورية غير ممكن للأسف.

ماذا تنتظر الآن سألنا زمار: «أتمنى أن يُكلّمني الألمان المسؤولون عن قضيتي. كنت جاراً صالحاً في ألمانيا. يمكنكم أن تسألوا الناس في الحي الذي كنت أقيم فيه. أو اسألوا أساتذتي... أنا لستُ شخصاً سيئاً».

سيارا كاريب، أندرياس لونسر، كريستوف رويتر، فيديليوس شميد

«الدولة الإسلامية» تُعذّب الناس وتُعدمهم وفق «العين بالعين والسن بالسن»

كان بن لادن بالنسبة إليّ رجلاً ودوداً وصالحاً
back to top