سدانيات: بعثيون من بلدي!

نشر في 24-11-2018
آخر تحديث 24-11-2018 | 00:14
 محمد السداني عندما نتحدث عن حزب البعث علينا أن نتذكر أبشع المصطلحات في الاستبداد والظلم والتفرد بالرأي وإلغاء الآخر، وهذه الصورة هي نتاج ما عاصرناه وعاصره من قبلنا من ظلم وقهر في دول البعث التي ذهبت دون رجعة، ولعل تخلف الرؤية البعثية ومخالفتها للنظام العالمي الديمقراطي هو ما جعل منها رؤية شوهاء لا تصلح أن تطبق على أرض الواقع.

وكنت أظن خطأً أنَّ البعث ولّى إلى غير رجعة، ولكنَّ الرؤية البعثية والنظام البعثي شبحان يتجسدان في أي صورة وأي جنسية وأي دولة، فمظاهر التفرد بالرأي وتقديس السلطة ومسح الأجواخ هي مظاهر رأيناها كثيرا في حاشية صدام حسين وحافظ الأسد وغيرهما من البعثيين الذين ملأوا الدنيا بهرجة كاذبة وشعارات رنانة لم نستفد منها شيئا، وها نحن نرى بعثيين من بلدي بغترة وعقال وربما «بشت» يكممون الأفواه ويحاذرون أن تطلق عبارة أو جملة أو مقالة من الممكن أن تفهم أنَّها ضدَّ توجه السلطة أو رؤسائهم و«معازيبهم»، فيمنع الفكر والرأي والقول، لا لأنه مخالف ولكنَّه أمرٌ من الممكن أن يزعزع صورتهم أمام المتنفذين.

لقد عشنا زمنا ونحن نحارب البعث في مواطنه، لما لقيناه من ظلم واعتداء وانتهاك لدولتنا وحقوقنا وشعبنا، ولكنَّنا لم نكن نتخيل أنَّنا سنجد بعثاً يولد من رحم هذا البلد الذي لطالما تغنت به الدول في مستوى الحريات، بعث لا ينادي بالقومية العربية ولا باتحاد الأمة، لكنَّه ينادي بتقديس أشخاص ومؤسسات وغيرها من أماكن النفوذ والسلطة.

فلو أمعنت النظر قليلاً فيما يطرح في الإعلام والصحافة والتغريدات ووسائل التواصل الاجتماعي لعرفت جيداً أنَّنا نعيش بعثاً جديداً لا صوت فيه لمن يعارض أو لمن يختلف أو لمن يفكر بطريقة لا تعجب أصحاب الألقاب والمناصب والسلطة والمال، بعث يمارس الاستبداد في الرأي فيمنع قبل أن يقال، ويحجب قبل أن يظهر إلا من رحم ربي، والغريب أن من يقوم بهذا الأمر هو نفسه من يتشدق بشعارات الحرية وقبول الآخر، ومن الممكن أن تجده عضواً في إحدى منظمات حريات الصحافة أو حقوق الإنسان، ازدواج في المعايير وانشطار في الآراء لا يمكن للعقل السليم أن يستوعبه.

إنِّ إعادة النظر في مستوى الحريات الإعلامية والقوانين المنظمة لهذا المجال هو من أولى الأولويات التي يجب على النواب تبنيها، فالإعلام الحقيقي هو أداة نقد وتقويم للحكومة وممارساتها.

خارج النص:

يسألني صديق خليجي عن هامش الحريات في دولة الكويت وفي الإعلام الكويتي، حيث أظهر لي أنَّ الكويت تعد رائدة في هذا المجال، فقلت له: حرية الإعلام «هامش» بسيط جداً في الإعلام، إلا ما ندر من وسائل لا تأثير لها، أما التأثير ذاته فكل رسالة تعرض لابد أن تراجع مئات المرات.

back to top