المعرفة في الحب!

نشر في 22-11-2018
آخر تحديث 22-11-2018 | 00:01
 مسفر الدوسري هل من الخير لنا أن تكون معرفتنا بحبيب القلب تراكمية تكبر وتنمو مع الوقت؟! أم أن الأفضل أن تتجدد معرفتنا به مع كل يوم جديد؟!

إن معرفتنا التراكمية للطرف الآخر تمنح قلوبنا مزيداً من الثقة، وكثيراً من الطمأنينة، وأعصاباً أقل توتراً، وتصبح خطواتنا في مشوار الحب أكثر اتزاناً. نقرأ الطرف الآخر كما لو أننا نقرأ كتابا سبق أن قرأناه، نتقن تفسير الكلمات التي لم تنطق به شفتاه، وترجمة نظراته، حتى إن كان مغمض العينين، نخمِّن صائبين إلى أين ستأخذه خطوته القادمة قبل أن ينوي تحريك ساقيه، نحفظ خارطة مشاعره عن ظهر قلب، ونعرف كل الطرق المؤدية لها، ولا نُصاب بالحيرة عند مفترق طرقها، ولا نتوه في سبيل الوصول إليها، نعرف كل الدروب المؤدية إلى مشاعر مَن نحب، المختلفة تماما، كما نعرف خطوط كفوفنا، الطريق الشائك إلى حزنه، والطريق السالك إلى إسعاده، وكذلك الطرق الملتوية إلى بقية مشاعره الضبابية، وتلك التي تلفّها العتمة، نعبر تلك الطرق معصوبي العينين، دون أي هاجس لمفاجآت تعترضنا لم نتوقعها، أو مشقة لم تكن لنا في الحسبان.

إن معرفتنا التراكمية للطرف الآخر، والتي "تفلترها" تجربتنا الطويلة معه، تجعل درب قلوبنا آمناً، بعيداً في الغالب عن متناول الجروح وثقل الخيبات. ومن جهة ثانية، فإن هذه المعرفة تشكِّل خطرا على صحة الحب، وقد يُصاب مع مرور الزمن بداء الملل، حيث تكرر المواقف الأحداث ونفس ردود الفعل، وتُصاب المشاعر بالترهل ويكسوها الرماد. الأخطر من ذلك يحدث إذا ما خانتنا معرفتنا هذه في لحظة عمياء، وأودت بكل ثقتنا المعرفية، حينها ستكون الصدمة كارثية، وأكثر ألما وانهيارا للقلب، وسيصبح من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن نجمع شتات الذات بسهولة، وستكون الروح عُرضة ليأسٍ طويل المدى.

أما معرفتنا التي تتجدد بالحبيب مع كل يوم يولد، فتعطينا فرصة جديدة لاكتشافه من البدء، والتعرف على مشاعرنا تجاهه، ومشاعره تجاهنا، تمنحنا مجالا للتمعن في لون عينيه، فنشتهي الغرق، تاركين عمداً طوق النجاة على شاطئيهما. نتهجأ الكلمات الخارجة من بين شفتيه، كمن يتهجأ شعاعا ذهبيا هاربا من قرص الشمس، نصافحه، فنشعر أن يدنا تذوب في يده، كما تذوب حلوى "غزل البنات" في الماء. نخمن بلا يقين، نشك بلا دليل، نثق بلا إيمان، نراهن حدسنا، ونربح الرهان أحياناً، ونخسر الرهان أحياناً أكثر، كل خطوة نخطوها مع مَن نحب هي خطوة للأمام، وإن بدت لنا أنها خطوة للوراء، وكل لحظة معه هي مشروع لحظة تحفظ في الذاكرة إلى أن يبدأ اليوم التالي حاملا معه مشاريع لحظاته القادمة، لتأخذ مكانها في صندوق الذاكرة. معرفتنا المتجددة بالحبيب تعطي أفقا شاسعا للدهشة، وحيزا كبيرا للتخيل، ما يساعد الحب على التنفس وملء رئتيه بالهواء، إلا أنها تجعله في ذات الوقت قابلا للكسر في أي لحظة، ولأي سبب، مهما بدا ساذجاً، بسبب سوء الفهم، والتوجس الحاضر بين الطرفين، نتيجة مشاعر تولد كل يوم لشخص نتجاهل إرث معرفته، إلا أن الجرح سيكون أقل وحشية!

back to top