إبداعات سردية (2 – 2)

نشر في 21-11-2018
آخر تحديث 21-11-2018 | 00:02
 طالب الرفاعي إن معرفة وإلمام الكاتب الشاب بكافة عناصر الكتابة الإبدعية، يتطلب بالضرورة الدرس والتأمل في ماهية وعالم كل عنصر على حدة وعلاقة كل عنصر بالعناصر الأخرى. كما يتطلب من جهة ثانية تأمل الكاتب الشاب في مشهد الحياة العابر، ومن ثم محاولة محاكاة والاستفادة من هذا الواقع. فالكتابة في إحدى تصوراتها هي نهر حياة فنية يوازي نهر حياة واقع عيش الإنسان.

وإذا كانت عناصر الكتابة الإبداعية لأي جنس أدبي مهمة وضرورية، فإنني أخص بالذكر هنا عنصر اللغة. فالكتابة الإبداعية لأي مشهد تتجلى لحظة فعل الكتابة عبر الخيال واللغة، وبالتالي إنما ينهض المشهد المكتوب على قدرة الكاتب على تخيل المشهد؛ مكاناً وزماناً وحدثاً وشخوصاً، ولا يمكن أن يتم له ذلك إلا عبر خيال خصبٍ وواعٍ ودقيق، كما أنه لا يمكن كتابة هذا المشهد دون معرفة بأصول اللغة العربية. وبالتالي فإن الكاتب إنما يكتب بخياله ومفردته، وكلما كانت علاقته وطيدة وعميقة بعلوم اللغة، كانت عونه الأكبر في الكتابة.

يعيش العالم اليوم عصر ثورة التكنولوجيا ومحركات البحث، ومواقع الإنترنت المتخصصة، وأخيراً شبكات التواصل الاجتماعي، كل هذا مجتمعاً جعل من العالم بحق قرية كونية، وخلق ما يسمى بالوعي الجمعي العالمي، أو العولمة الثقافية.

ولأن أجيال الشباب في طول وعرض الوطن العربي، تنتمي إلى العولمة الثقافية، وتعيش ساعات طويلة من أوقاتها في ظل العالم الافتراضي، ولأن هذه العولمة وهذا العالم يأتيان باللغة الإنكليزية أو الفرنسية، فإن عددا كبيرا من شبابنا العربي بات يفتقر لعلاقة حميمة باللغة العربية، وبات بعيدا عن الكتابة بلغة عربية فصحى سليمة نحوا وصرفا. وهذا ما يجب التنبه له، خاصة بالنسبة للكاتب الشاب الذي يرى في الكتابة دربا لحياته.

إن ما يجب التأكيد عليه هو أن مناهج الكتابة الإبداعية وورشها المتخصصة إنما تقدم المادة الإبداعية الأدبية التي من الممكن أن تعين الكاتب الشاب على شق طريقه، لكن هذه المناهج وتلك المواد النظرية والعملية أعجز بكثير من أن تخلق كاتباً.

فكما هي معاهد التمثيل، ومعاهد الموسيقى والرسم في طول وعرض العالم، تُخرّج كل عام كثيرا من الشباب حاملي الشهادات، لكن قلة قليلة ونادرة من هؤلاء عندهم من الموهبة والاطلاع والمثابرة والكاريزما ما يمكن أحدهم من أن يكون مبدعاً بصوت يخصة ليجلب الأضواء من حوله.

إن التوجه نحو الكتابة الإبداعية لابدَّ أن يمر بعلوم ومعارف ودروس الكتابة الإبداعية النظرية. وهذا ليس بشاذٍ عن بقية علوم الحياة. فكما يجب على طالب الطب الدراسة النظرية ومن ثم التعلم عبر التشريح الذي يُشرف عليه دكتور استشاري متخصص، فإنه يجب على الكاتب الشاب الإلمام بعناصر العالم النظري للكتابة الإبداعية، وتالياً عيش الكتابة عبر ورش متخصصة وبإشراف كتّاب لهم تجارب إبداعية ناجحة ومشهودة.

لقد برزت في السنوات الأخيرة أسماء شبابية على امتداد أقطار الوطن العربي، أسماء استطاعت عبر نتاجها الإبداعي من جهة وعبر بعض الجوائز العربية من جهة أخرى أن تجد له موطئ قدم على ساحة الإبداع العربي، مما أكسبها حضورا إعلاميا كبيرا كان كفيلا بلفت الأنظار من حولها.

وهذا بالتأكيد أغرى الكثير من الشباب للسير على درب الكتابة، علّهم يحظون بشيء من هذه الشهرة وهذا الحضور وتلك الجوائز، وإذا كان هذا الانجذاب للكتابة مفرحاً في جانب منه، فإنه على الجانب الآخر يحتاج إلى التعلم والتدريب، والصقل عبر الكتابة وتجويد الكتابة بمزيد منها.

وهذا كله يتأتى عبر الانخراط في ورش الكتابة الإبداعية المتخصصة والموثوقة، في الجامعات والمعاهد المتخصصة، وبما يضمن للمتدرب قدرا ضروريا من المعرفة الإبداعية التي من المفترض أن يتسلح بها قبل السير على درب الكتابة.

back to top