56 عاماً... دستور في مهب الريح

نشر في 14-11-2018
آخر تحديث 14-11-2018 | 00:20
 أ.د. غانم النجار صدر الدستور الكويتي في ١١ نوفمبر ١٩٦٢. كان صدوره يعني انتقالاً من حالة حكم مطلقة، إلى ما يفترض أن يكون حالة مؤسسية أو شبه مؤسسية. خطوة إلى الأمام وعشر خطوات إلى الوراء، وطن يتحرك على حس الدستور، لا على فعله على الأرض، بوقود الدفع الذاتي، فما بالنا إن نفد ذلك الوقود وتوقفت العجلة؟

في حديث خاص للشيخ عبدالله السالم مع عدد من النخبة السياسية الفاعلة في إصدار الدستور، قال: "أعرف أن هذه الوثيقة لا تمثل الطموح، ولكن اقبلوا بها وعدلوها مستقبلاً نحو الأحسن". ربما كان ذلك ما دفع إلى ذكر ألا يتم تعديله إلا بعد خمس سنوات، ولكن في اتجاه مزيد من الحريات، إلا أن الحفرة التي وقعنا فيها هي أن كل محاولات تنقيح أو تعديل الدستور، وأقول كلها، دون استثناء، كانت عكس الانفتاح، وضد الحريات. تلك المحاولات قادتها الحكومة، وجماعاتها وغير جماعاتها، بما في ذلك بعض المعارضين. فمنذ بواكير العمل به تم إصدار قوانين غير دستورية في مجلس الأمة الأول، واستقال عدد من النواب احتجاجاً، ثم تزوير الانتخابات عام ١٩٦٧، ثم تعليق العمل بالدستور في الفترة ما بين ١٩٧٦ و١٩٨١، وتشكيل لجنة لتنقيح الدستور ١٩٨٠ لم تحقق أهدافها، فتعديل الدوائر الانتخابية من ١٠ إلى ٢٥ دائرة، وتقديم مشروع لتعديل الدستور ينسفه من أساسه، ثم سحبه، ثم تعليق الدستور، وحل المجلس منذ ١٩٨٦ حتى ١٩٩٢، وفرض الرقابة على الصحافة.

لو كان العداء السافر للدستور قد اقتصر على الحكومة لفهمنا دوافعها في رغبتها في الاستئثار بالسلطة، ولكنّ هناك سياسيين يرفعون شعار المعارضة والحفاظ على الدستور تدافعوا لنسفه وضربه في خاصرته. وأقرب مثال على ذلك كان ما جرى فيما أطلق عليه مجلس الأغلبية في فبراير ٢٠١٢، والذي بدأ أعماله بالتنادي لإصدار قانون إعدام المسيء، وتواطأت معهم الحكومة، ولولا الموقف المشهود لصاحب السمو أمير البلاد، الذي رد القانون لمناقضته الدستور، لكان ذلك القانون سيفاً مصلتاً على رقاب المحكومين بأقوال قالوها على "تويتر" وأخواتها. لم يعتذر أحد من النواب أو من الحكومة عن قرارهم وتصويتهم بقتل الناس بسبب كلمات يقولونها، والملاحظ أن الناس أنفسهم الذين ينادون بالحريات ينتهكون مبادئ الدستور ويعلنون التمسك به في نفس الوقت.

للدستور محاسن كثيرة، وخصوصاً في حالة الأزمات الحادة، ونذكر منها حادثتين، الأولى، أثناء الغزو العراقي سنة ١٩٩٠، فأثناء الغزو كان الاختلاف حاداً، بين حكومة لا تريد ذكر الدستور في بياناتها، وبالذات في المؤتمر الشعبي في أكتوبر ١٩٩٠ بجدة، وبين مجموعة من رجالات الكويت التي رأت عكس ذلك، وانتهت المسألة إلى العودة للدستور في الكويت المحررة، أما في أزمة الحكم، فقد تم الاحتكام إلى قانون توارث الإمارة، وهو قانون دستوري في أكثر الأزمات حدة في الأسرة الحاكمة. وهكذا نجح الدستور في إخراجنا من أزمات حادة وطاحنة.

بعد ٥٦ سنة، صار واضحاً أن الإشكالية ليست في الدستور، مع كل نواحي القصور فيه، ولكن في القائمين عليه، كلهم يدّعون "وصلاً بليلى، وليلى لا تقر لهم بذاكا". والله المستعان.

back to top