لعبة بوتين... هل حققت روسيا النصر في سورية؟

نشر في 08-11-2018
آخر تحديث 08-11-2018 | 00:00
فازت روسيا، بوقوفها بثبات وراء حلفائها والظهور بمظهر الشريك المتساهل الجدير بالثقة، بفرصة إبعاد الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وفي الوقت الراهن سيظل الأسد في السلطة وسيبقى الكرملين حليفاً لسورية، ومهما كانت محادثات السلام التي ستُعقد في المستقبل، فلا شك أن روسيا ستضطلع بدور قيادي في الوساطة بين الأسد والمجتمع الدولي.
 ريل كلير بما أن نهاية المرحلة العسكرية في الصراع السوري تلوح في الأفق على ما يبدو، من الضروري أن يفكّر صانعو السياسات الأميركيون في مدى التغيير الحاصل في الحرب وعلى المسرح العالم منذ عام 2011، أوصل هذا الصراع القوات المدعومة من إيران إلى مواقع تبعد كيلومترات عن الحدود الإسرائيلية، وأدى إلى تصادم مباشر بين الروس والأميركيين، وعندما نتأمل الوضع الراهن في سورية، ندرك أن الولايات المتحدة أخفقت في تحقيق هدفها الرئيس من تدخلها الأصلي: الإطاحة ببشار الأسد. وبعدما مُنيت بخسارة عسكرية وسياسية في سورية، على الولايات المتحدة أن تبذل قصارى جهدها لتحقق نصراً إنسانياً، وكي تنجح في ذلك ينبغي لواشنطن أن تعمل مع موسكو، لذلك عليها أن تكون مستعدة للاعتراف بدور روسيا الداعم في المجتمع الدولي والتعاطي معها كشريك ند في بعض الحالات.

تشمل البداية الجيدة التفاعل بطريقة مباشرة أكثر وضوحاً مع عملية الآستانة التي تقودها روسيا والتي تشكّل مساراً دبلوماسياً بديلاً لعملية جنيف المدعومة من الولايات المتحدة، ففي نهاية شهر يوليو، استضافت روسيا الجولة الأخيرة من محادثات الآستانة، إلا أن الولايات المتحدة رفضت إرسال ممثل إلى اللقاءات، ومن المقرر عقد الجولة التالية من محادثات الآستانة في شهر نوفمبر، وعندما التقى ممثلون عن روسيا، وإيران، وتركيا في سوتشي في أواخر شهر يوليو، حض بيانهم الأخير المجتمع الدولي على تقديم المساعدة، ولا شك أن هذا سيساهم في التخفيف من الوضع الإنساني ويساهم في تمويل جهود إعادة الإعمار.

أكّد ستيفن كوك أخيراً أن سورية تشكّل دليلاً آخر على أن الولايات المتحدة تقف جامدة أمام كارثة دولية كبيرة مقبلة نحوها بسرعة، وأصاب كوك حين أقر بأن واشنطن أخفقت في تعلّم عواقب الوقوف مكتوفة اليدين بعد صراعات تسعينيات القرن الماضي، إلا أنه تجاهل واقع أن روسيا استمدت العبر مما حدث، فمنذ انهيار الاتحاد السوفياتي، رأت روسيا ميل الولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين إلى التهور السياسي في الشرق الأوسط. وتبدو موسكو اليوم متأهبة للتدخل كبديل قد يكون قادة المنطقة مستعدين للقبول به، ومن المؤكد أن أي إشارة إلى أن بوتين يتبنى موقفاً أقل تشدداً في المسألة السورية تكون غير دقيقة.

في مقال في مدونة Syria Comment، أشار ديفيد ليش وكمال العلم إلى أن روسيا نجحت في تشكيل شراكة مع سورية لأن الكرملين لا يريد تغيير النظام، وبالعمل مع حكومة قائمة، لم يتكبّد مشقة إزالة قادة وبناء بيروقراطيات.

لن يؤدي التركيز على وضع حقوق الإنسان الصعب في سورية على الأرجح إلى تبديل دعم بوتين الأسد، إذ تحقق روسيا مكاسب استراتيجية ومالية من بيع الأسلحة في سورية، وتستفيد سياسياً بتغذيتها ائتلافاً إقليمياً قوياً، لكن المخاطر تبقى أكبر من ساحة القتال بحد ذاتها، وبالنسبة إلى بوتين، ولّدت الحروب التي قادتها الولايات المتحدة عدم استقرار في الشرق الأوسط يهدد بالامتداد إلى داخل حدود روسيا وجوارها.

علاوة على ذلك كان الدرس الذي ترسخ في ذهن موسكو من علاقتها مع الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة أن روسيا وحدها وأن الخطر الذي يهدد سيادتها حقيقي، فقد اعتُبر توسع حلف شمال الأطلسي في أواخر تسعينيات القرن الماضي والوجود العسكري الغربي في أوروبا الشرقية تحدياً مباشراً لدور روسيا كقوة مهيمنة إقليمياً. على سبيل المثال، ذهب الرئيس البولندي أخيراً إلى حد العرض على الولايات المتحدة أن يدفع لها المال كي تقيم قاعدة عسكرية في بلده (حصن ترامب).

كلا، لن يتبنى بوتين "موقفاً أقل تشدداً" في سورية في الأشهر المقبلة، ولمَ يقوم بذلك؟ فمنذ تسعينيات القرن الماضي، نجت بلاده بفضل الحظ الذي حالفها في رهاناتها الضخمة، وتجد موسكو اليوم نفسها في موقف يتيح لها تحقيق المكاسب بطريق قد تشكّل تحدياً خطيراً لدور الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والمجتمع الدولي الأشمل. على سبيل المثال، عقد بوتين أخيراً مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفاوضات بشأن صفقة تضمن إقامة منطقة منزوعة السلاح بعرض 15 كيلومتراً حول محافظة إدلب، المعقل الأخير للثوار في سورية وهدف الأسد التالي، ولم تكن الولايات المتحدة معنية بهذه المفاوضات، التي أرجأت مؤقتاً على الأقل ما نتوقع أن يكون المعركة الأكثر دموية في هذا الصراع حتى اليوم.

لن يؤدي كل هذا على الأرجح إلى تحول روسيا فجأةً إلى قوة للسلام في العالم أو المنطقة، ولكن تكمن مصالح بسطة نفوذها في أوروبا الشرقية، التي تبدو غير مهتمة بتأدية دور شرطي العالم خارج حدودها، كذلك لم يسمح التاريخ الروسي لهذا البلد بالاضطلاع بمهام دبلوماسية مثالية أو سياسات تقوم على القيم، ومن المستبعد أن يتبدل هذا الوضع اليوم، ولعل الكاتب والمسؤول الاستخباراتي البريطاني جون لو كاريه كان أفضل مَن عبّر عن هذه المسألة في كتابه عام 1989 "البيت الروسي": "عندما تخسر الوقت، تخسر كل شيء. لا يعطينا تاريخنا الروسي فرصة ثانية، وعندما نقفز فوق الهاوية لا يمنحنا فرصة للقيام بخطوة إضافية".

إذاً، فازت روسيا، بوقوفها بثبات وراء حلفائها والظهور بمظهر الشريك المتساهل الجدير بالثقة، بفرصة إبعاد الدور الأميركي في الشرق الأوسط، وفي الوقت الراهن سيظل الأسد في السلطة وسيبقى الكرملين حليفاً لسورية، ومهما كانت محادثات السلام التي ستُعقد في المستقبل، فلا شك أن روسيا ستضطلع بدور قيادي في الوساطة بين الأسد والمجتمع الدولي، وفي هذه المرحلة المتقدمة من اللعبة، آن الأوان لنقر بتبدل تفاعلات القوى، وحان الوقت لنخوض حوارات استراتيجية مع روسيا بشأن مستقبل سورية.

* تابيثا ساندرز

*«ريل كلير وورلد»

ستيفن كوك أكّد أخيراً أن سورية تشكّل دليلاً آخر على وقوف الولايات المتحدة جامدة أمام كارثة دولية كبيرة
back to top