قبائل سورية... وحزب البعث

نشر في 08-11-2018
آخر تحديث 08-11-2018 | 00:10
عمل الفرنسيون على عرقلة بناء الدولة السورية الحديثة، فأصبح الواقع العملي للعشائر كقوة سياسية معارضا لبسط هذه الدولة هيمنتها على مختلف الفئات والإدارات السورية، وكانت سلطات الانتداب قد أعلنت عام 1922 الاتحاد السوري حتى بداية 1925، حين استبدل بـ"دولة سورية".
 خليل علي حيدر "كانت المنزلة المستقلة الشبيهة بالدولة التي منحها الفرنسيون للعشائر البدوية"، تقول الباحثة البريطانية تشاتي، "شوكة في حلوق حكام سورية القوميين بعد الاستقلال، فالفصل المادي والإداري الاصطناعي الذي أحدثه الفرنسيون بين البدو وبقية السوريين أكد الموقف الرسمي العربي غير المتعاطف، إن لم يكن المزدري، إزاء ثقافة الحياة الرعوية البدوية".

سار الفرنسيون في اتجاه عرقلة بناء الدولة السورية الحديثة، فأصبح الواقع العملي للعشائر كقوة سياسية معارضا لبسط هذه الدولة هيمنتها على مختلف الفئات والإدارات السورية، وكانت سلطات الانتداب قد أعلنت عام 1922 الاتحاد السوري حتى بداية 1925، حين استبدل بـ"دولة سورية"، وضم الاتحاد السوري الذي أقامه الفرنسيون كلا من دولة حلب ودولة دمشق ودولة العلويين، ولم يُرضِ الاتحاد بعض الوطنيين لأنه حدّ من نفوذهم، واستثني منه جبل الدروز لرفضه الانضمام إليه، ولم يُرضِ أغلب العلويين رغم انضمامهم إليه".

(معجم الشرق الأوسط، سعد سعدي 1998، عن كتاب سورية والانتداب الفرنسي ليوسف الحكيم، دار النهار 1983).

في عام 1941، بعد أن دخلت قوات ديغول الفرنسية والقوات البريطانية إلى سورية ولبنان مخرجة أنصار حكومة "فيش" الموالية لألمانيا النازية، وأعلن الجنرال "كاترو" استقلال سورية بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وتقدمت فرنسا بمطالب لحماية مصالحها ومؤسساتها وتأسيس قواعد بحرية وجوية، ولما رفضت الحكومة السورية هذه المطالب حدث ما اشتهر في تاريخ سورية باسم "معركة البرلمان"، حيث أقدمت القوات الفرنسية على قصف البرلمان السوري بالمدافع، وقُتل معظم حاميته من الدرك، واستمر القصف والاشتباكات في العاصمة السورية مدة ثلاثة أيام، وقامت بريطانيا ضمن سياق نزاع المصالح بينها وبين فرنسا بإرغام الجيش الفرنسي على وقف النار، وانسحبت آخر وحدة عسكرية فرنسية من سورية في 17 أبريل 1946 وهو اليوم الذي تحتفل فيه سورية عادة بعيد الجلاء.

( المرجع نفسه ص 228).

تقول الباحثة البريطانية تشاتي إن "المنزلة المستقلة الشبيهة بالدولة التي منحها الفرنسيون للعشائر البدوية، كانت شوكة في حلوق حكام سورية القوميين بعد الاستقلال، فالفصل المادي والإداري والاصطناعي الذي أحدثه الفرنسيثون بين البدو وبقية السوريين أكد الموقف الرسمي العربي غير المتعاطف إن لم يكن المزدري إزاء ثقافة الحياة الرعوية البدوية".

لقد فجر الانتداب الفرنسي والاستقلال وتصارع قيم الحرية العشائرية ومستلزمات بناء الدولة السورية أجواء التلاحم الوطني، وما إن خرجت فرنسا من الصورة كلية وأمسك الوطنيون والقوميون السوريون بزمام الأمور حتى قرروا استخدام الحزم مع العشائر!

تقول الباحثة: "وبينما استخدم الفرنسيون العشائر وسيلة ضغط على القوميين، أرادت سياسة الحكومة السورية الجديدة أن تثقف هؤلاء السكان "الهمج" وتحولهم إلى مواطنين سوريين صالحين يحترمون القانون.

وهكذا اتبعت الحكومة القومية سياسة عشائرية عدوانية تهدف في نهاية المطاف إلى إلغاء جميع المزايا والسلطات العشائرية، واعتُبرت عملية توطين البدو حزءاً رئيساً من هذه العملية".

وقررت الحكومة إجراء تغييرات على الحياة الاقتصادية والإنتاجية للقبائل، فقد "كان ثمة شعور بأن طريقة تنقل البدو في تربية أغنامهم لم تكن بدائية فقط، بل غير صالحة أيضاً في ظل موارد البادية الضئيلة، واعتُبر الانتقال إلى الزراعة وإلى مزارع الأغنام النموذج المناسب، وهو ما دعمته وكالات إنمائية دولية مختلفة".

ألغت السلطات السورية سنة 1953 "قانون الانتداب للعشائر 1940"، واستُبدل بقانون العشائر رقم 124، الذي كان خليطا من الإيجابيات والسلبيات بالنسبة إلى العشائر، فالقانون الجديد استمر في السماح للبدو بحمل السلاح في البادية، تقول الباحثة "ولكن فقط للمصنفين بدواً رحلاً، وخُوّل وزير الداخلية شطب العشائر من هذه القائمة إذا رأى ذلك مناسباً، وإعادة تسجيل أبنائها باعتبارهم يشكلون مجتمعا مستقراً، ولا يسمح بالعودة إلى حياة البدو الرحّل، وقد قُلص عدد المقاعد الممنوحة للعشائر البدوية في أثناء الانتداب الفرنسي من تسعة مقاعد إلى ستة".

عصفت بسورية الاضطرابات بعد الاستقلال، وفي سنة 1958 صوّت البرلمان السوري لمصلحة الوحدة مع مصر، وهكذا في 28 سبتمبر 1958، ألغى الرئيس جمال عبدالناصر قانون العشائر، وأعلن "أنه من الآن فصاعداً لن يكون للعشائر أي هوية قانونية مستقلة".

وتقول الباحثة: "كان هذا بالنسبة إلى بعض العشائر إشارة لمغادرة سورية، وهكذا غادرت الفدعان والسبعة، وهما فخدان من عشائر عنزة باتجاه السعودية، فيما رحل قسمٌ من شمّر نحو العراق".

(مجلة عمران، قطر، شتاء 2016 ص90).

لم تكن المفاجأة التي أتت بها وحدة عام 1958 بين مصر وسورية سارّة لعشائر سورية، وبعكس سورية قررت الدولة اللبنانية في العام نفسه منح جميع البدو غير المسجلين في سنة 1932 الفرصة للتقدم بطلب للحصول على الجنسية، ومنحوا وضعية "قيد الدرس" بدلاً من "دون جنسية" أو "مكتوم القيد"، ومارس أمير عشيرة "الفضل" من بين آخرين، وكان مقيما في بيروت آنذاك، ضغوطاً مستمرة مع السياسيين اللبنانيين لمنح أفراد عشائرهم الجنسية.

انتهت الوحدة بين مصر وسورية سنة 1961 وفي سنة 1963 تولى حزب البعث السلطة في سورية وكان الاصطدام بالعشائر والقبائل من سياساته.

شرع حزب البعث في سورية، تقول الباحثة، "رغبة منه في نقل ميزان القوة من مراكز المدن إلى المناطق الريفية في إرساء سياسة إصلاح زراعي متطرفة، فاعتبرت الزعامة العشائرية جزءاً من النظام القديم والاقتصاد الرعوي البدوي، وكان كثيرون من زعماء البدو آنذاك قد أسسوا حيازات عقارية كبيرة وظلوا يسيطرون سياسيا على أعداد كبيرة من أسر البدو.

وطفق حزب البعث يجرد زعماء البدو من أراضيهم وسلطتهم، وهذا ما فعله أيضا مع أصحاب أراضٍ آخرين، وتعرضت الصحراء وسكانها لهجوم منظم غايته تفكيك اقتصادهم البدوي وشبه البدوي، وغادر خلال هذه الفترة عدد كبير من زعماء عنزة وشمّر وأتباعهم إلى العراق والسعودية".

شهدت سورية عام 1970 انقلاباً داخليا بقيادة الرئيس حافظ الأسد الذي قاد "الحركة التصحيحية"، فما كان تأثيرها على العشائر والحياة القبلية في سورية؟

الاتحاد السوري الذي أقامه الفرنسيون ضم دولة حلب ودولة دمشق ودولة العلويين

الصحراء السورية وسكانها تعرضا لهجوم منظم من حزب البعث الصاعد إلى السلطة حديثاً لتفكيك الاقتصاد البدوي وشبه البدوي
back to top