هل أسعار النفط في صعود أم نزول؟

نشر في 05-11-2018
آخر تحديث 05-11-2018 | 00:22
 مروان سلامة الآراء السائدة حالياً متضاربة ومتناقضة، ولكن كل منها مُدَعَّمٌ بتحليلات وأدلة جيدة، مما يزيد شعور الارتباك والإحباط لدى الجمهور القلق على مستقبله الاقتصادي.

مَن يحدد أسعار النفط؟

تحدد أسعار النفط في بورصات السلع من خلال عمليات العرض والطلب على العقود النفط الفورية والمستقبلية. ولكن يشكل المضاربون والمتداولون أهم عنصر في هذه العمليات.

ويعمل المضاربون والمتداولون على المدى القصير بشراء أو بيع عقود النفط بهدف تحقيق ربح والتخارج منها بسرعة. فهم لا يتعاملون للمدى الطويل، وعادة ليس لهم علاقة مباشرة بالسلعة التي يتداولون بها.

ويتركز أسلوبهم في مراقبة السوق، وتحليل اتجاهاته ومؤشراته، اتخاذ قرارات البيع أو الشراء، وثم التخارج السريع بعد تحقيق ربح أو خسارة صغيرة، ثم العودة في اليوم التالي لنفس العمل.

وبسبب تركيزهم على المدى القصير، فإن قرارات المضاربين والمتداولين تتأثر بالأخبار اليومية المنشورة في وسائل الإعلام، مما يعرضهم للوقوع في فخ الأخبار المروجة والمدسوسة من أصحاب المصالح السياسية أو الاقتصادية. ولا شك في أنهم يتابعون كذلك المعلومات الأساسية المالية والاقتصادية، ولكن تصنف أهميتها كدرجة ثانية.

الآراء الرئيسية السائدة

صعود أسعار النفط: يطرح مؤيدو هذا الاحتمال الآراء التالية:

- فقد أفزعت العقوبات الأميركية على إيران السوق لدرجة الهلع. فصعدت الأسعار بحدة بين يونيو وأكتوبر 2018 مفترضة أن الإنتاج العالمي للنفط لن يعوض النقص الإيراني المتوقع أن يصل إلى مليون برميل في اليوم أو أكثر.

- تسارع العالم في تنفيذ العقوبات الأميركية والتوقف عن شراء النفط الإيراني.

- استمرار اضمحلال إنتاج النفط الفنزويلي، مما يفاقم النقص الإيراني المتوقع.

- زيادة قلق وكالة الطاقة العالمية من حدوث تعثّرات أو توقفات طارئة في إنتاج النفط العالمي من دون توافر مخزون كاف أو طاقة إنتاجية احتياطية إضافية. لذلك تطالب «أوبك» بزيادة طاقتها الاحتياطية.

- بالرغم من موافقة «أوبك» الظاهرية على طلب أميركا لزيادة الإنتاج، فإن البعض يعتقد أن الأمر قد يتغير بعد الانتخابات الفصلية الأميركية، حسبما تظهر نتائج الانتخابات.

- ربما تستهدف «أوبك» أصلا مستوى 80 دولارا، وتُعَيِّرُ إنتاجها على هذا الأساس.

- ظهور أخبار أن «أوبك» تخطط لتقليص إنتاجها في 2019، خصوصا في حال عودة ظهور فائض العرض على الطلب.

أسباب هبوط أسعار النفط، نلخصها فيما يلي:

- بعد وصول الأسعار إلى قمتها في 3 أكتوبر، اقتنع المتداولون بأنه يمكن تعويض النقص الإيراني، وبالتالي تم خصمه عند تحديد الأسعار. فقد صعدت الأسعار عند إعلان العقوبات الأميركية ثم انحسرت، وانعكس ذلك في تقلص الفوارق السعرية بين المدد الشهرية لعقود نفطي برنت وتكساس.

- تغير وتراجع التوقعات المتفائلة للنمو الاقتصادي العالمي، مما قلص بدوره توقعات نمو الطلب على النفط.

- أثر صعود سعر صرف الدولار سلباً على الاقتصادات النامية، وزاد كلفة شراء النفط، كما زاد من حجم هروب رؤوس الأموال للخارج، مما بطّأ نموها الاقتصادي ومعه نمو طلبها للنفط.

- اتفاق «أوبك» وروسيا في يونيو الماضي على زيادة إنتاجهما بمقدار مليون برميل في اليوم – بالرغم من عدم تطبيقه كليا حتى الآن.

- التقارير التي تشير إلى نمو إنتاج النفط العالمي بمقدار 2.9 مليون برميل في اليوم خلال 2018، ومعظمها من خارج «أوبك» وأميركا.

- لا شك في أن نمو مخزون النفط الأميركي لخمسة أسابيع متتالية أثر سلبا على الأسعار، خصوصا إذا استمر وتوسع ليشمل دول منظمة التعاون الاقتصادي OECD.

وتشير بعض التقارير إلى أن المخزون الأميركي قد زاد حوالي 30 مليون برميل خلال الشهر الماضي فقط. مع ذلك، يبقى هذا رقم محاسبي تقديري لا يمكن التأكد من صحته أو الهدف من الإعلان عنه الآن.

- احتمال منح أميركا استثناءات من عقوباتها على إيران لبعض الدول مثل الهند والصين وغيرها، مما سيقلص حجم التراجع الكلي في عرض النفط.

- ربما أدت سرعة وحدة صعود أسعار النفط بين يونيو وأكتوبر 2018 إلى ردة فعل تصحيحية نزولية مع تزايد المخاوف من عودة فائض العرض.

- لا شك في أن تصريح وزير النفط السعودي بتوافر القدرة الاحتياطية لديهم لتعويض تقلص الإنتاج الإيراني قد طمأن السوق وأضعف حركة صعود الأسعار. لكن تصريحه المكمل بأنهم ليست لديهم القدرة على تعويض أي تقلص إنتاج في دول أخرى لم يحظ باهتمام أو تغطية إعلامية كبيرة.

- إعلان ليبيا نيتها زيادة إنتاجها إلى 1.6 مليون برميل في اليوم مع نهاية 2019.

- تشير منحنيات العائد الشهرية Yield Curves لعقود نفط برنت المستقبلية إلى أن السعر الحالي مضخم.

- حسب وزير النفط السعودي، فإن هناك فجوة زمنية بين زيادة نمو إنتاج النفط وتغير أسعاره. وقد قدر مدة هذه الفجوة بعدة أرباع سنوية (من 6 إلى 12 شهر؟) وحيث إن إنتاج النفط كان في نمو طوال 2018، فمن المتوقع أن ترتد أسعاره لأسفل في 2019.

- هناك عادة تضاد في الأداء بين بورصات الأسهم وسوق النفط. ولكن هذه المرة نجدها متفقة ومتماشية معا في نفس الاتجاه، وهذا مقلق لأنه إذا هبطت أسواق الأسهم كذلك ستهبط أسعار النفط.

- يبدو أن صناديق الاستثمار والتحوط وكذلك المضاربين قد بدأوا بالتحول من الشراء إلى البيع على المكشوف Short. كما أن كثيرا منهم قد سيّل وباع عقود النفط عند القمة لسداد قروض سوق الأسهم Margin Calls.

التحليل الفني

التحليل الفني، كبقية أدوات التخطيط والتقدير، مبني على الأرقام التاريخية ويفترض بأن أي اتجاه مستمر إلى أن تحدث تغيرات في المؤشرات الفنية. وقد أوضح أحد التحليلات الفنية التوقعات التالي:

المدى الطويل: ما زالت الرسومات الفنية الشهرية لنفط تكساس تشير إلى أن الاتجاه السائد صعودي، لكن قوة الدفع بدأت تضمحل، مما يشير إلى احتمال استمرار التصحيح النزولي لعدة أشهر. أما إذا هبط السعر واخترق حواجز الدعم عند 63.57 و61.62 و56.40 دولارا، فقد تهبط الأسعار حينئذ نحو 54.90 دولارا (وفي أسوأ الأحوال نظرياً إلى 41.34 دولارا). ولكن إذا استمر الاتجاه الصاعد الحالي فقد يستهدف مستوى 82.02، ثم 92.35 دولارا.

المدى المتوسط: كذلك تشير الرسومات الفنية الأسبوعية لنفط تكساس بأن الاتجاه العام صعودي. ولكن إذ تم اختراق مستوى 63.57 و61.62 دولارا نزولا فقد يتغير الاتجاه العام إلى هبوط، وعندئذ قد يهبط نحو مستوى 59.10 أو 54.90 دولارا.

المدى القصير: أما الرسومات اليومية لنفط تكساس، فتشير إلى أن الاتجاه العام نزولي، خصوصا بعد اختراق في أكتوبر مستوى الدعم عند 67.66 وثم 66.58 دولارا. وللعودة إلى الاتجاه الصاعد، يجب اختراق مستوى المقاومة صعودا عند 70.21 دولارا.

الاستنتاج

كان سوق النفط يسير بهدوء وانتظام خلال 2018 وكان آخذا في تقريب العرض والطلب بسلام وبرضا جميع الأطراف من منتجين ومستهلكين. ثم طرأت عوامل جديدة في الميدان، فتبعثر الانتظام وتلاشى الهدوء.

وكانت هذه العوامل الجديدة سياسية الطابع، فقلبت معادلات توازن السوق. وقد بدأت منذ فترة بتعثير إنتاج فنزويلا النفطي، ثم تدرجت نحو العقوبات على النفط الإيراني. وإذا أضفنا إلى ذلك الحرب التجارية الدائرة بين الصين وأميركا، والتصعيد السياسي والعسكري في بحر الصين وسورية واليمن وأوكرانيا وروسيا وغيرها، فسنجد أن الوضع العالمي قد أصبح متوترا وغير مستقر.

ويؤدي عدم الاستقرار إلى ارتباكات وهلع، يؤديان بدورهما إلى زيادة الأخطاء في توزيع الموارد، والهدر، ورفع التكاليف في الاقتصادات. كما أنها قد تؤدي إلى حروب تكون نتائجها السلبية مشابهة، لكن بشكل مضخم. ومن يستفيد من عدم الاستقرار؟ لا يوجد عاقل يبحث عن عدم الاستقرار، إلا من يريد تغيير مواقع حطب الشطرنج لمصلحته ولتحسين فرص فوزه.

أما على المدى الطويل، فمن الصعب تصور أن العالم سيستمر بتجاهل الضرر البيئي من استخدام الوقود الهيدروكربوني. فعاجلا أم آجلا، لا بد أن نصل إلى قمة للطلب على النفط، ومن ثم تهبط أسعاره. ولكن إلى ذلك الحين (بغضّ النظر إن امتد إلى 10 أو 30 سنة)، على العالم التأقلم مع تقلبات وأزمات أسعار النفط لأنها ستتكرر كثيراً.

نصيحة للدول العربية المنتجة للنفط: عليكم إدراك أن قرار تحديد أسعار النفط ليس بأيديكم وكذلك قرارات الإنتاج. أنتم عجلة في آلة معقدة وضخمة يسيطر عليها الأقوياء. فأفضل ما يمكن عمله هو الاستفادة من طفرات الأسعار واستثمار عائداتها في التنمية الحقيقية والكف عن الهدر بأنواعه، لأنه سيأتي يوم تتلاشى فيه إلى الأبد عائدات النفط وفوائضها.

يعمل المضاربون والمتداولون على المدى القصير بشراء أو بيع عقود النفط بهدف تحقيق ربح والتخارج منها بسرعة فهم لا يتعاملون للمدى الطويل
back to top