سدانيات: «شيلوا الميتين إللي تحت»

نشر في 03-11-2018
آخر تحديث 03-11-2018 | 00:07
قد لا تعلم بعض الأنظمة وهي تمارس دوراً قمعياً إقصائيا أنها تُنمي عقيدة اجتماعية خطيرة في نفوس المجتمع، فالأفراد المقموعون والمظلومون والمقتولون ليسوا نباتاً شيطانياً لا أصل له إنما هم فروعٌ للأصول، ترضى وتغضب وتثأر وتستحسن.
 محمد السداني قد تبدو جملة عابرة في مسرحية «ريّا وسكينة»، حينما أراد حسب الله أحد أفراد عصابة «ريَّا وسكينة» التي امتهنت قتل النساء وسرقتهن أن يخفي معالم جريمة القتل، حيث كانوا يدفنون القتلى في «البدروم» أو «تحت».

تبدو عادية وعابرة هذه الجملة ولكنَّها تحاكي واقعا ليس ببعيد عنَّا وعن واقعنا الحياتي، لم يكن إخفاء الآخر وإقصاؤه يوما ما هو الحل في طمس وجوده وإلغاء أفكاره وإنكار حقه في الوجود، فالممارسات التي ضجَّت بها أحداثنا السياسية منذ بداية تاريخ المنطقة السياسي تنبئ بأنَّ البعض يسير في الاتجاه الخاطئ الذي لم يَعتبر من التاريخ ولم يتعلم من الأحداث التي لا تبعد عنه سوى كيلومترات أو بضع سنوات.

قد لا تعلم بعض الأنظمة وهي تمارس دورا قمعيا إقصائيا أنها تُنمي عقيدة اجتماعية خطيرة في نفوس المجتمع، فالأفراد المقموعون والمظلومون والمقتولون ليسوا نباتا شيطانيا لا أصل له وإنما هم فروعٌ للأصول، ترضى وتغضب وتثأر وتستحسن، فلا يمكن أن تذهب الدولة في رسم خريطة ممارسة أفرادها دون أن تعي أن رد الفعل المتأخِّر هو أشدُّ تأثيرا وخطرا على مستقبلها وحاضرها.

إنَّ نماء عقيدة القمع الفكري التي تمارسها الكثير من دول المنطقة لا يمكن أن يصنف إلا على أنه انعكاس لوَهن في نظامها الإداري الركيك الذي تهزه مقالة أو تغريدة أو مقابلة تلفزيونية، والمفارقة أنَّ نفس الدول التي تنتهج هذا النهج تصدِّع رؤوسنا يوميا بشعارات الحرية والدين والتقدم والازدهار محيلة نهضة الدولة وتقدمها إلى أبنية أسمنتية صمّاء وأغنيات وطنية وأشعار المدح والتمجيد.

لابدَّ أن تعي هذه الدول حقيقة النهضة والتطور قبل أن تتشدق بها، بما تملك من موارد غير دائمة، فبناء الإنسان الحر المثقف المتعلم هو ما يضع الدول على طريق التطور والتقدُّم، وهو ما يخلق مجتمعا خاليا من النعرات الطائفية والعرقية والقبلية، متى ما آمنت الأنظمة التي ملأت سراديب أوطانها بالقتلى من أصحاب التوجهات السياسية والاجتماعية والفكرية بأن بناء الإنسان هو بناءٌ ضمني للأوطان، فشعارات «نموت نموت ويحيا الوطن» قد زالت مع الأنظمة التي كانت تنادي بها، فإذا متنا جميعاً على أيدي الأعداء أو الأنظمة فلمن سيبقى الوطن؟!

ستعيش تلك الأنظمة تحمل «ميِّتين» وتدفن آخرين، ولكنها في النهاية لن تستطيع أن تدفن روح التغيير في الشعوب ورغبتها في التطور والعيش كما يجب أن يعيش الإنسان بسلام وأمان ورخاء اقتصادي.

خارج النص:

شعوب كثيرة في نظر أنظمتها تعد خارج نصوص الحق والعدل والمساواة؛ لذلك تجد أن كثيراً منهم هاجر خارجاً ليبحث عن نص يضمن له حقه كإنسان، فيكون إنساناً بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!

back to top