ما بعد الصفقة!

نشر في 02-11-2018
آخر تحديث 02-11-2018 | 00:10
من المتوقع أن نرى في الفترة القادمة نقل معركة إسقاط عضوية النائبين الحربش والطبطبائي إلى خارج حدود المجلس كمسعى لإشغال الناس ببعضهم، وللتغطية على ملفات أخرى جاء وقت استحقاقها سواءً في الشق التشريعي، أو في الشق الرقابي، لا سيما ما يتعلق بجرائم التطاول على المال العام.
 د. حسن عبدالله جوهر لم تخرج جلسة افتتاح مجلس الأمة عن السيناريو المتوقع، بل المخطط له سلفاً كما أشرنا قبل أسبوع وأطلقنا عليه صفقة القرن بالنموذج الكويتي، ولذلك نجد غرابة كبيرة في ردود الفعل الشعبية وحالة الغضب الواسعة التي لا تقدم ولا تؤخر في المشهد السياسي شيئاً.

إن ما جرى من سحب استجواب رئيس الوزراء ثم فشل استجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة في مقابل عدم إسقاط عضوية النائبين كان متفقاً عليه بشكل مباشر وبحضور ممثلين من الطرفين وبرعاية مباشرة من أقطاب سياسيين قبل عشرة أيام تقريباً، ولذلك فإن ما يعتبره البعض مستغرباً في مواقف النواب التي لا تعكس توجهاتهم أو "ذبتهم" المعهودة كان توزيعاً للأدوار لإخراج هذا المشهد وفقاً للأرقام المطلوبة، وحفظ ماء الوجه لبعض النواب أمام الملأ باعتبار أنهم تمسكوا بمواقفهم تحسباً للتقليل من حجم التضحية المكشوفة، طالما أن الرقم (31) تم ضمانه لتحصين عضوية النواب في مقابل تحصين الحكومة من السقوط.

وقد يتساءل البعض عن مستقبل العلاقة بين السلطتين بعد هذه الصفقة، وهل سياسة "طاح الحطب" ستكون مؤشراً على توفير البيئة السياسية لمزيد من الإنجازات، وهذا غير متوقع إلى حد كبير، فالأغلبية التي تحققت يوم الثلاثاء كانت لغرض محدد، ولا يمكن أن تستمر كجبهة نيابية من أجل تمرير القرارات أو القوانين التي ينتظرها الناس، مثل قانون المتقاعدين أو إنهاء قانون الرياضة أو تغيير التشريعات الخانقة للحريات، كما أنها لن تصمد أمام برنامج الحكومة التي تشعر حالياً باستقواء شوكتها في إقرار الرسوم والضرائب على المواطنين.

ومن المتوقع أن نرى في الفترة القادمة نقل معركة إسقاط عضوية النائبين الحربش والطبطبائي إلى خارج حدود المجلس كمسعى لإشغال الناس ببعضهم، وللتغطية على ملفات أخرى جاء وقت استحقاقها سواءً في الشق التشريعي، كما ذكرنا، أو في الشق الرقابي لا سيما ما يتعلق بجرائم التطاول على المال العام.

كما أن بقاء عضوية النائبين سيفتح باباً آخر للجدل السياسي والقانوني، يتمثل بحق العضوين المشاركة في فعاليات المجلس، ولو من الخارج باعتبارهما ممثلين للأمة، ولكن تمنعهما ظروف قاهرة لحضور الجلسات بشكل مباشر، والاستعاضة عن ذلك بالمشاركة عبر النقل التلفزيوني مثلاً!

ردة الفعل الشعبية وحالة الاستياء التي أبداها المواطنون، رغم احترامنا لهذا الموقف وقناعتنا بصدق الكثير منهم في مشاعرهم، فإنها أضحوكة تفوق في حجمها ودرجة خداعها ما جرى تحت قبة البرلمان، ولو أجرينا دراسة علمية محايدة وموضوعية لوجدنا أن 95% من المستائين من مواقف النواب ليسوا في دوائرهم الانتخابية نفسها أصلاً، أو لم يدلوا بأصواتهم للنائب ذي الموقف السلبي في نظرهم، وهذا من بركات الصوت الواحد الذي يترجم فقط حالة الاستياء من أداء المجلس من غالبية شعبية لا ناقة لهم ولا جمل في إصلاح هذه المؤسسة.

أما الدعاية السياسية بأن الحكومة هي التي باتت تدافع عن الدستور والنواب هم من داسوا في بطنه، فهي ضحك على الذقون، فالحكومة هي من أبرمت هذه الصفقة، ثم مشت في جنازة المجلس!

back to top