بين الإرهابي والمختل

نشر في 31-10-2018
آخر تحديث 31-10-2018 | 00:20
 أ.د. غانم النجار عشت في مدينة بتسبرغ الأميركية للدراسة عدة سنوات في أواخر سبعينيات القرن الماضي، وكانت حينها رمزاً للتلوث، فهي مدينة قديمة تركزت فيها مصانع الحديد وغيرها، وصارت أنهارها الثلاثة مكباً منذ بدايات الجمهورية الأميركية، حتى أصبحت السماء فيها داكنة، وانتشرت فيها أمراض التلوث، إلا أن المدينة حققت ما يشبه المعجزة، ونفذت خطة حقيقية، لا كالخطط عندنا، واستطاعت القضاء على التلوث في فترة قياسية، لتصبح واحدة من أكثر المدن الأميركية نظافة.

تمكنت بتسبرغ من أن تصبح مدينة متنوعة، بوجود جاليات مهاجرة من أكثر من 100 إثنية وعرقية ودين، أما جامعتها العريقة، التي تحمل اسمها وجارتها الصغيرة جامعة كارنيغي ميلون، فقد كانتا من المفاخر العلمية للمدينة.

وتعد منطقة "سكويرل هل" أو "تل السنجاب" المنطقة الثرية في بتسبرغ، ناعمة وهادئة ومريحة التضاريس، ولا يمكنك أن تتجاهل السناجب التي تتقاذف على الشجر بأمان واطمئنان، ففي هذه المنطقة هدوء مركب لا يأتيه الضجيج والإزعاج من أي مكان.

في هذا المكان الموصوف أعلاه، حدثت جريمة غير عادية الأحد الماضي، إذ دخل روبرت بورز، وهو رجل أميركي أبيض، ليس مسلماً أو عربياً، ولكنه متطرف، إلى كنيس يهودي، وفتح سلاحه على الحضور، وقتل 11 شخصاً، وألقي القبض عليه.

الإرهاب باعتباره ترويعاً للناس، الآمنين، العزل، المدنيين، مرفوض أياً كان مصدره، وكائناً ما كان هدفه. وبالذات على دور العبادة، من أي ملة أو دين. وإحدى إشكاليات الإرهاب كمصطلح هي أن له أكثر من 90 تعريفاً، وكل تعريف له قصة وحكاية من حكايا شهرزاد ومسارات ألف ليلة وليلة.

ومنذ أحداث 11 سبتمبر 2001 صار الإرهاب صفة لصيقة بالمسلمين وربما العرب معهم. الحقيقة هي أن مَن ارتكب ذلك هم مسلمون متطرفون، وتم تحميل كل المسلمين وزرهم، فأصبح كلهم إرهابيين.

الملاحظ هو أنه عندما يرتكب أحد من غير المسلمين جريمة قتل جماعي ترويعية لا يوصف بالإرهابي. وهذه حالة تتكرر، كحالة روبرت بورز، وكما حدث قبل أشهر عندما قنص ستيفن بادوك 58 شخصاً في لاس فيغاس، ووُصِف بعدة صفات إلا صفة الإرهابي.

واقع الحال هو أن الغربيين يتصدرون الأرقام القياسية في ارتكاب أفراد لجرائم قتل جماعي، وعلى رأسهم أندريه بريفيك النرويجي، الذي قتل بمفرده 77 نرويجياً في 2011، وبعده ستيفين بادوك الأميركي، ومع ذلك لم يوصفوا بالإرهابيين.

إن لم يوصف "بورز" و"بريفيك" و"بادوك" و"تم ماكفيه"، الذي فجّر المبنى الفدرالي في أوكلاهوما، وقتل عدداً كبيراً من الناس الأبرياء، بالإرهابيين فمَن يا ترى يوصف بالإرهابي؟ اللافت هنا أن مجموعتين مسلمتين جمعتا تبرعات لدعم ضحايا جريمة بتسبرغ، وشارك في حملة التبرعات تلك أشخاص من كل الملل والنحل.

ألا يطرح ذلك سؤالاً مشروعاً حول ذهنية التعميم، ووصم الناس بالإرهاب من سحنات مغايرة لسحنة بورز أو بادوك أو ماكفيه أو غيرهم؟ ألا يطرح ذلك سؤالاً حول أن الإرهاب غير مقتصر على فئة أو عرق أو دين، وأن الإرهاب لا دين له؟... وسؤال مشروع آخر: ماذا يا ترى إن كان روبرت بورز مسلماً أو عربياً؟ كيف كانت التغطية الإعلامية؟ وكيف كان سيوصف؟

back to top