حفتر والجزائر... اختبار الأوضاع

نشر في 28-10-2018
آخر تحديث 28-10-2018 | 00:00
في ظل تعليق جلسات الحوار الوطني، وتجدد أعمال العنف في طرابلس، وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار بين الفصائل المتنازعة، وعدم تحديد موعد للانتخابات فإن عمر الأزمة الليبية سيطول، وستشكل الأوضاع تهديداً حقيقياً لدول الجوار، في ظل انتشار السلاح في المنطقة، وتدفّق موجات المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا.
 معهد واشنطن خلال لقائه مع أعيان محليين في ليبيا في سبتمبر الماضي، اتهم المشير خليفة حفتر الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب للدخول إلى الأراضي الليبية، وزعم حفتر أنه نقل للسلطات الجزائرية احتجاجه على ذلك، وأن "سلوك الجزائر ليس سلوك إخوة لأنها تستغل الحرب لانتهاك السيادة الليبية"، وبعث مع المبعوث رسالة مفادها أنه "قادر على تحويل الحرب من ليبيا نحو الجزائر في لحظات"، وكشف حفتر أن "السلطات الجزائرية اعتبرت ذلك فعلاً معزولاً ولن يتكرر".

التهديدات التي نقلتها قناة "الجزيرة" القطرية تسبّبت في موجة من الغضب الواسع بالجزائر، وطالب سياسيون جزائريون من سلطات بلادهم توضيح ما حدث، واعتبروا أن ما قام به حفتر يعدُ "جرأة غير مسبوقة". وقد تسببت تصريحات حفتر التي نقلتها قناة الجزيرة في ردود فعل شعبية عاصفة بالجزائر، التصريحات وإن تجاهلتها الحكومة الجزائرية، إلا أنها أثارت موجة من النقاش بشأن دلالاتها، وأهدافها، وتوقيتها، ومن يقف وراءها، وهناك نظرية تسلمّ بأن حفتر يسعى من وراء تلك التصريحات إلى اختبار ما إذا كان تصوّر الدولة الجزائرية قد تغيّر.

دفعت ردود الفعل الغاضبة بالخارجية الليبية إلى التدخل لاحتواء أزمة في الأفق عبر التبرؤ من تصريحات حفتر، وفي مكالمة هاتفية بين وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل ووزير الخارجية الليبي محمد الطاهر سيالة أكد الأخير "التبرؤ من التصريحات غير اللائقة لخليفة حفتر"، وجاء في بيان للخارجية الجزائرية أن "سيالة جددّ تمسك السلطات الليبية بالحفاظ على العلاقات الأخوية والتاريخية القائمة بين البلدين والشعبين وتعزيزها. ورغم ذلك تمّ اختبار العلاقات المستقرّة بين ليبيا والجزائر اثناء الحرب الأهلية، حيث ظلّت الحدود الجزائرية الليبية مغلقة منذ مايو 2014 بسبب مخاوف من انتشار الأسلحة والاضطرابات عبر الحدود من ليبيا.

يمثل الشقاق بين حفتر الجزائر أحد الأوجه الرئيسة لتلك الديناميكيات المتغيرة، ففي 18 ديسمبر 2016 مُنع من دخول الجزائر ببزته العسكرية كون الجزائر لا تعترف به قائدا للجيش الليبي، وتعترف بسلطة المجلس الرئاسي فقط، وبعد ذلك بعام تحديداً في مايو 2017 انتقد وزير الخارجية الجزائري عبدالقادر مساهل بسبب زيارته لعدة مناطق ليبية التقى خلالها قيادات سياسية وعسكرية ومدنية وأعيان القبائل. حينها دفع حفتر رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان الليبي إلى إصدار بيان وصف فيه جولة مساهل على أنها "تجاوز وانتهاك فاضح لسيادة الدولة الليبية".

ورغم احتواء الأزمة الأخيرة فإن النقاش في الجزائر بشأن ما أقدم عليه حفتر استمر، والسبب أن غالبية الجزائريين يعتقدون أن حفتر أراد من خلال تصريحه تمرير رسائل سياسية لأطراف إقليمية وعربية يزعجها ما تقوم به الجزائر من جهود لحلّ الأزمة الليبية سياسياً ورفضها لأيّ تدخل عسكري.

والواقع أن الشعور السابق له ما يبررّه لعدة أسباب وعوامل، أولها أنّ حفتر يسعى من خلال تصريحه إلى انتزاع رد رسمي من الحكومة الجزائرية، مما يعني الاعتراف به كمتحدث رسمي باسم الدولة الليبية، وهو الأمر الذي ترفضه الجزائر، مما يفسر رفضها الردّ على تهديده وعدم منحه شرعية لا يمتلكها، والجزائر كمبدأ لا تتحدّث في المسائل المرتبطة بالتعاون والتنسيق الأمني والحدود إلا مع طرف رسمي يمثّل سلطة الشعب الليبي ومعترف به دولياً وهو الأمر الذي لا يحوزه حفتر.

ويسعى حفتر إلى إحباط دور الجزائر في ليبيا ومحاولة التأثير على رؤيتها للحل السياسي للأزمة، وتدعو الجزائر إلى تقريب وجهات نظر الفرقاء الليبيين، وتشجيع الحوار الشامل والمصالحة الوطنية بينهم، مما أزعج حفتر الذي يعمل على تكريس الرؤية المصرية والإماراتية والفرنسية للأزمة بإقصاء الإسلاميين وحكومة طرابلس من جهود الحوار والمصالحة الوطنية، وهو أمر ترفضه بشدّة الجزائر كما ترفض الحلّ العسكري للأزمة الليبيّة، لذلك، ليس غريباً أن يطلق حفتر في كلّ مناسبة بالون اختبار الموقف الجزائري ومدى تحوّله.

لا تعدُ تهديدات حفتر جدية لسببٍ مهم وهو أن الجيش الذي يمتلكه بعيد جغرافياً، وليس في إمكانه الوصول مطلقاً إلى الحدود الجزائرية، وتعوقه عن ذلك عوامل عديدة ليس أقلها عدم قدرته الفعلية على التقدّم داخل الأراضي الليبية، فما بالك بالوصول إلى مناطق الحدود، فالميليشيا التابعة له بعيدة عن الجزائر بنحو 1600 كيلومتر، وهو في بنغازي والمنطقة الشرقية غير خاضعة لنفوذه، وعجز حتى عن دخول طرابلس.

علاوة على ذلك، فإن مزاعم حفتر ضدّ الجيش الجزائري لا تزال غير موثقة، فالجيش ملتزم بالدستور الذي يمنعه من القيام بأيّ عمل عسكري خارج الحدود الترابية للجزائر، كما يحترم الجيش الجزائري سيادة جيرانه. وفيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية يقوم الجيش الجزائري بالتنسيق مع أعيان القبائل الليبية ومسؤولي البلديات الليبية الواقعة على الحدود بين البلدين لتوفير المساعدات الغذائية والتموين والعلاج، وتعلن السلطات الجزائرية ذلك بشكل رسمي، مما يسهم في التعاون والتفاهم في مجال تأمين الحدود ومنع تسلل المجموعات الإرهابية وتجار السلاح، وينبغي التذكير هنا أن قائد أركان الجيش الجزائري الفريق قايد أحمد صالح ورئيس الحكومة أحمد أويحيى، ردا في وقت سابق برفض المطالبات الإقليمية الداعية إلى مشاركة الجيش الجزائري في ملاحقة المجموعات الإرهابية في شمال مالي وليبيا.

لكن يبدو أن خروج حفتر خيّب آمال من يقف وراءه، واتضح لهؤلاء أن الموقف الجزائري في المسألة الليبية ثابت لا يتحول، لذلك سارع العميد أحمد المسماري الناطق الرسمي باسم كتيبة حفتر إلى القول بأنّ ما روج من تهديد لحفتر باجتياح الجزائر مجرد إشاعات متهماً قطر وقناة الجزيرة بمحاولة إحلال الوقيعة بين ليبيا والجزائر، لكن هذا التوضيح مجرّد محاولة للتملّص من تداعيات تصريح حفتر الذي نقلته الجزيرة بالصوت والصورة.

وفي ظل تعليق جلسات الحوار الوطني، وتجدد أعمال العنف في طرابلس، وعدم الالتزام بوقف إطلاق النار بين الفصائل المتنازعة، وعدم تحديد موعد للانتخابات فإن عمر الأزمة الليبية سيطول، وستشكل الأوضاع تهديداً حقيقياً لدول الجوار، في ظل انتشار السلاح في المنطقة، وتدفّق موجات المهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا، وفي ظل هذا الوضع فإن للجزائر دوراً محورياً في حلّ الأزمة المتفاقمة وليس من مصلحة حفتر ولا باقي الفرقاء أو الدول التي لها نفوذ في المشهد الليبي استعداؤها أو محاولة إقصائها من أي حلّ للأزمة.

فشلت جهود حفتر لدفع الحكومة الجزائرية في أن تؤتي ثمارها، وإذا كان الجنرال مهتماً بالانخراط، فعليه التركيز على الأعمال التصالحية لا التصريحات العدائية.

* «أحمد مرواني»

خليفة حفتر اتهم الجيش الجزائري باستغلال وضع الحرب لدخول الأراضي الليبية

مزاعم حفتر ضدّ الجيش الجزائري غير موثقة فالجيش ملتزم بالدستور الذي يمنعه من القيام بأيّ عمل عسكري خارج حدوده
back to top