ما قــل ودل: تأخير إحالة مشروع التقاعد المبكر إلى الحكومة قرار حكيم ومنصف

نشر في 28-10-2018
آخر تحديث 28-10-2018 | 00:10
تأخير إحالة مشروع التقاعد المبكر إلى الحكومة كان قراراً حكيما ومنصفا وعادلاً، لأن التأخير كان تفعيلاً لنصوص الدستور ولمصلحة عامة أولى بالاعتبار من إقرار مشروع القانون بعد رده في عجالة وتسرع.
 المستشار شفيق إمام التقاعد المبكر في استجواب الخرافي

كان هذا هو العنوان الرئيسي في أول صفحة من صفحات "الجريدة" في عددها الصادر يوم الخميس 25 أكتوبر، وتحته أعلن النائب رياض العدساني تضمين قانون التقاعد المبكر محاور استجوابه المقدم إلى وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، لافتاً إلى أن الوزير شريك مع رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم في التقاعس عن إحالة مشروع قانون التقاعد المبكر الذي أقره مجلس الأمة في 15 مايو عندما أحاله إلى الحكومة في 4 يونيو.

وكان العمل يجري على إحالة مشروعات القوانين إلى الحكومة في اليوم التالي لإقرارها من المجلس، ليمارس الأمير سلطته الدستورية في التصديق على هذه المشروعات أو طلب إعادة النظر فيها خلال ثلاثين يوما من تاريخ رفعها إليه إعمالاً للمادتين (65 و66) من الدستور.

أسباب يحمل عليها التراخي

وقد كان متوقعاً استخدام الأمير سلطته الدستورية في رد المشروع لإصرار الحكومة على رفضه في اللجنة والمجلس لقناعتها بأنه خروج على مفهوم الـتأمين الاجتماعي الذي كلفت السلطة التشريعية بحمل أمانة تنظيمه بموجب المادة (11) من الدستور التي نصت على أن تتولى الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي، ولم تلزمها هذه المادة بكفالته، كما فعلت بالنسبة إلى المساعدات العامة.

وأغلب الظن في الأسباب التي يحمل عليها التراخي في إحالة مشروع القانون إلى الحكومة، دون العمل بما كانت هذه الإحالة تجري عليه في السابق بإحالته في اليوم التالي مباشرة، والذي يوافق 16 مايو، أن ذلك لم يكن ليتيح لكل الأعضاء في الفترة المتبقية لفض دور الانعقاد الفرصة الكافية لكي يتبوأ طلب الأمير إعادة النظر في المشروع مكانه اللائق به من حيث مناقشة الأسباب والمبررات التي يقوم عليها هذا الطلب، وقبل أيام عمل معدودة من فض دور الانعقاد في 28/ 6 نظراً لأن هذه الفترة تخللتها تسعة أيام هي إجازة عطلة العيد، ولانشغال مجلس الأمة خلالها بمناقشة الميزانية العامة للدولة والميزانيات الملحقة والمستقلة فضلاً عن التصويت عليها في اجتماعات يفتقد في أغلبها النصاب، وقد أوشكت الأيام العشرة الأخيرة من شهر رمضان الكريم على الانتهاء، والتي يسافر خلالها بعض أعضاء مجلس الأمة بل ربما أغلبهم لأداء العمرة.

فقد أراد رئيس المجلس- في اعتقادنا- أن يتيح لكل الأعضاء المشاركة في النقاش في الأسباب والمبررات التي سيقوم عليها طلب الرد، بالرغم من أنه كان قد صوّت على مشروع القانون بالموافقة، لأنه في الموقف الذي اتخذه كان يمارس مسؤولياته الدستورية كرئيس لمجلس الأمة، ذلك أن الأمير شريك أصيل في السلطة التشريعية، وهو ما تنص عليه المادة (51) من الدستور بأن "السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور". ولذلك فإن ما يملكه الأمير من صلاحيات في اقتراح القوانين والتصديق عليها وإصدارها (مادة 65) وما يملكه من طلب إعادة النظر فيها بعد إقرار مجلس الأمة لها إنما هو تجسيد لكون الأمير شريكا أصيلا في السلطة التشريعية، لذلك يجب أن يفسح كل الأعضاء صدورهم الرحبة لمناقشة اعتراضات رئيس الدولة على مشروع القانون، بلغة حوار رفيعة جديرة بأمة هي خير أمة أخرجت للناس، حوار يحترم فيه كل نائب فكر الآخرين، سواء اتفق معهم في الرأي أو اختلف، حوار في ظل الشرعية الدستورية، بالأسلوب المتحضر اللائق بالجواب على خطاب أميري.

الأخطر هو التصويت بلا نقاش في الدور القادم

والأخطر من ذلك كله إذا لم تتحقق في الدور الحالي أغلبية الثلثين قبل فضه- وهو ما كان متوقعاً للأسباب المتقدمة- وعاد مجلس الأمة إلى نظره في دور الانعقاد القادم أن يقترح أحد أعضاء المجلس التصويت على المشروع دون نقاش، ويوافقه المجلس على ذلك، فتصبح إعادة النظر شكلا بغير مضمون، بما ينطوي ذلك على مخالفة لأحكام الدستور، لعدم حصول مناقشة للأسباب والمبررات التي قام عليها طلب الرد في الدورين اللذين نظر فيهما.

وكان الأستاذ د. محمد عبدالمحسن المقاطع في مقال له نشر على صفحات "القبس" في عددها الصادر في 4/ 11/ 2002 تحت عنوان "إعادة النظر تختلف عن حق الاعتراض المطلق"، قد طرح هذا الرأي بأن مناقشة أسباب ومبررات طلب إعادة النظر في مشروع قانون تم رده لا تكون إلا عند نظره أول مرة، فإن لم تتحقق أغلبية الثلثين، فإن إعادة النظر فيه بعد ذلك تكون تصويتا بغير مناقشة.

ورأيت وقتئذ في مقال نشر لي على صفحات "الأنباء" أنه لا يجوز أن تقتصر المناقشة على إعادة النظر في المشروع أول مرة، بل تجب هذه المناقشة عند إعادة النظر في المشروع في دور الانعقاد الآخر، وإلا أصبح امتناع النظر في المشروع في دور الانعقاد نفسه الذي لم يحصل فيه المشروع على أغلبية الثلثين لغواً ينزه عنه المشرع الدستوري، إذ لم يكن الهدف من ذلك التأني والتروي وإعادة البحث والدراسة والمناقشة بعيدا عن التأثر بما تم من مناقشة هذه الأسباب في المرة الأولى.

وكان بعض الأعضاء قد تبنوا رأي د. محمد عبدالمحسن المقاطع وقدموا اقتراحا بأن يتم النقاش دون تصويت على مشروع قانون بتعديل قانون التأمينات الاجتماعية، كان صاحب السمو الأمير قد طلب إعادة النظر فيه بالمرسوم في أبريل لسنة 2002، وبعد تصويت المجلس على هذا الاقتراح برفضه فتح الرئيس باب المناقشة فيه، وفي مشروع قانون آخر قدمته الحكومة بديلاً عنه، وأقر المجلس هذا المشروع الأخير.

لذلك فإن قرار التأخير كان حكيما ومنصفا وعادلا، لأن التأخير كان تفعيلا لنصوص الدستور ولمصلحة عامة أولى بالاعتبار من إقرار مشروع القانون بعد رده في عجالة وتسرع، خصوصا مع ما قد يتعرض له مشروع القانون من طعن بعدم دستوريته.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

طلب سمو الأمير إعادة النظر في المشروع يجب أن يتبوأ مكانه اللائق به لمناقشة الأسباب والمبررات التي يقوم عليها
back to top