عُباد المال

نشر في 27-10-2018
آخر تحديث 27-10-2018 | 00:04
 الشوادفي عبد الرحمن لا شك أن المال عصب الحياة، وهو الوسيلة التي من خلالها يستطيع الإنسان أن يحقق أهدافه وطموحاته التي تساعده في عيش حياة كريمة مستقرة، لكن البعض يجعل المال غايته وهدفه السامي ومبتغاه المنشود التي يبذل الغالي والنفيس للحصول عليه، وتراه يلهث وراءه بكل وسيلة متجاهلاً مصدره، وهل هو من حلال أو حرام بزعم أن ذلك شطارة أو "فهلوة" كما يقولون، وكل شغله الشاغل كيفية جمعه وتحصيله، فيفني حياته وزهرة شبابه في جمعه، معللاً ذلك بأنه يؤمّن مستقبله ومستقبل أولاده، مع أنه لا أحد يعرف هذا المستقبل إلا الله "وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ".

وتراه ينقاد للمال حتى يصير عبداً له، وعندما ينتهي من تحصيله، هذا إن استطاع، يجد العمر أوشك على نهايته، فهل يملك الإنسان وقتاً وعمراً ليستمتع بذلك المال ويتمتع بما جمع، فهو يجمع ولا يدري لمن يجمع؟!

والناس متفاوتون في مقدار حصولهم على المال، فمنهم من يرزقه الله المال الكثير دون تعب أو عناء لدرجة أنه قد لا يعرف كم يمتلك، وكم بلغت أرصدته، وقد لا يكون في حاجة ماسة إليه، لكنه مشغول دائما وحريص عليه، وقد يظن أنما جمع هذه الأموال باجتهاده وعلمه، كما قال قارون "قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي"، ونسي أن من أعطاه إياه قادر على أن يسلبه منه، ونسي أن هذا المال رزق من الله لجميع البشر، المسلم والكافر والمطيع والعاصي حتى الدابة، كما قال ربنا "وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا"، فيجب أن تتحرى فيه الحلال الطيب كما قال ربنا "يأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبا".

ولو ملكت من الأموال الكثير فليس لك منها إلا ثلاث: ما أكلتَ فأفنيتَ، أو لبستَ فأبليتَ، أو تصدَّقْتَ فأمضيتَ، وما عدا ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس، فهل فكرت في كيفية مقابلة هذه النعمة بالعطاء والشكر والسخاء، كما أمرنا الله تعالى بالإنفاق والتصدق لدرجة أن الإنسان عندما يأتي أجله يتمنى لو يرجع للدنيا لكي يتصدق "فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ".

ومن الناس من يكون في حاجة ماسة للمال ويجد صعوبة في تحصيله، وينتظر راتبه نهاية كل شهر كي يستطيع العيش ويوفي متطلبات الحياة اليومية له ولأولاده، فلا تظنن أن من يملك الأموال الكثيرة يعيش حياة سعيدة منعماً مرفهاً في حياته، فقد يكون معكر صفو الحياة بسبب مرض لعين أو أبناء فاشلين منحرفين أو زوجة غير صالحة، فالأموال لا تستطيع أن تشتري سعادة أو تشفي مريضا أو تقوّم أبناء، فنرى أبناء فقراء بسطاء أصبحوا علماء ومشاهير وأبناء أغنياء صاروا منحرفين فاشلين.

فليس بالمال ترقى أو بالمال تبقى، فالرضا والقناعة ومساعدة المحتاجين والاستقامة على طريق الخير والتربية السليمة إرث كبير لك ولأبنائك، فاجعل مالك جسراً تعبر به إلى جنة الخلد في الآخرة وذكرى حسنة في الدنيا.

back to top