«الجالية المخفية»... فصول مجهولة من حياة الألبان

محمد الأرناؤوط يكشف أسرار الجالية في مصر

نشر في 24-10-2018
آخر تحديث 24-10-2018 | 00:02
No Image Caption
صدر أخيراً عن دار «الشروق» في القاهرة كتاب بعنوان «الجالية المخفية» للباحث والأكاديمي محمد الأرناؤوط، يكشف فيه النقاب عن أهمية وجود الجالية الألبانية في مصر خلال نحو قرنين من الزمن.
لم تذكر الكتب التي تناولت الجاليات الأجنبية في مصر الجالية الألبانية، بدءاً من «في أصول المسألة المصرية» (1950) لصبحي وحيدة إلى «شبرا – إسكندرية» (2016) لمحمد عفيفي.

أما كتاب «الجالية المخفية» للباحث والأكاديمي محمد الأرناؤوط فيتضمن فصولاً مجهولة من العلاقات التاريخية بين ألبانيا ومصر، والظروف التي أدت إلى توافد الألبان إلى المحروسة ودورهم المتزايد فيها بحكم إسهامهم الملحوظ في الحياة السياسية والثقافية، وخطواتهم في نشوء ألبانيا المستقلة.

يكشف الكتاب أن الجالية الألبانية نمت منذ وصول محمد علي باشا إلى الحكم في عام 1805 حتى أصبحت في ثلاثينات القرن الماضي الجالية الخامسة في العدد والمكانتين الاقتصادية والاجتماعية بمصر، مستعرضاً حوادث عدة في هذا المجال من بينها ترشح الأمير فؤاد لتولي عرش ألبانيا قبل أن يصبح ملكاً على مصر، وصولاً إلى سنوات إقامة ملك ألبانيا أحمد زوغو في مصر بدعوة من الملك فاروق، تزامنا مع انطلاق الحرب الباردة، وإطلاق «العمليات الخاصة» بتنسيق من الملك زوغو وأجهزة غربية لإسقاط النظام الشيوعي في ألبانيا، كاشفاً عن فصل مثير في العلاقات الألبانية المصرية.

عائلات ومشاهير

رغم عدم وجود إحصاء دقيق لألبان مصر، فإن ثلاثينات هذا القرن شهدت آخر إحصاء لهم وقدر بـ 50 ألفاً، تزايد حتى وصل في الخمسينات إلى نحو 250 ألف نسمة، ثم شهد تناقصاً بعد ذلك ليصل بحسب غالبية التقديرات إلى 100 ألف ألباني مصري، لا يعرف منهم اللغة الألبانية إلا العشرات، إذ هاجر معظمهم خارج مصر في مطلع الستينات، خصوصاً الذين كانوا يعملون في الحرس الملكي، والقصر الملكي، بالإضافة إلى الذين لا يحملون الجنسية المصرية، ومن تبقى منهم انشغل بالتجارة.

السلسلة الشهيرة التي تحمل اسم «متاجر عمر أفندي»، وقد تأسست عام 1870، كان مالكها ألبانياً ويدعى عمر أفندي أرناؤوط، وبعد وفاته باع أحد أبنائه المتاجر لأسرة أوردزباك اليهودية، وأتمّ الصفقة المحامي محمد فريد الزعيم الوطني المعروف. ويقال إن أبناء عمر أفندي تنازلوا عن الاسم التجاري «عمر أفندي» بمبلغ ضخم قياساً لذاك العصر.

ولا تزال عائلة عمر أفندي تعيش في مصر حتى الآن، فضلاً عن الآلاف ممن لا يعرفون أصولهم الألبانية، والتحق بعضهم بجامعة الأزهر. من هؤلاء الشيخ توفيق إسلام الذي تخرج في الأزهر، وعمل مستشاراً لوزير الأوقاف، وبُعث إلى الصومال والجزائر، وعمل أستاذاً في الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، وتزوجت ابنته من أستاذ بكلية الحقوق بجامعة القاهرة. ومن الشخصيات الألبانية المصرية الشهيرة «أيروموش» الذي كان صاحب «استوديو الأهرام للسينما»، وخليل برشكي صاحب «أوبرج الفيوم»... ومن هذه الشخصيات ذات الأصول الألبانية أيضاً، الشاعر أحمد رامي الذي ولد في جزيرة «قولة» اليونانية، والفنانة ليلى فوزي، والفنان أحمد مظهر، وعثمان كامل أرناؤوط الذي عمل سفيراً لمصر لدى غينيا، كذلك المحامي طلعت سليم عابدين، أحد أحفاد عابدين باشا. وكانت للجالية الألبانية في الأربعينات صحيفتان ومجلة باللغة الألبانية. وكان الألبان يلتقون في الأعياد والمناسبات في نوادي الجالية أو في مقر التكية البكباشية التي كان شيخها بابا سري، والد أحمد سري باشا، وهُدمت عام 1957.

أضواء كاشفة

أثار الكتاب اهتمام عدد من الكتاب والباحثين، فكتب وحيد عبد المحيد في صحيفة «الأهرام» المصرية أن انتماء أسرة محمد علي إلى مصر كان أقوى أثراً من أصلها الألباني الذي بقي معها بالتأكید، وأن الكتاب هو أقرب ما یكون إلى حصر لعلاقات أبناء الجالیة الألبانیة في مصر بوطنهم، وأدوار الشخصیات الكبیرة بینهم في العمل من أجل ما یسمیه النهضة القومیة الألبانیة، مشيراً إلى أن تفاعل الأمیر فؤاد مع فكرة ترشیحه لعرش ألبانیا صرف النظر عنه عندما أتاحت ظروف الحرب الأولى تنصیبه سلطاناً على مصر تحت الحمایة البریطانیة، وأن تصرفات أمراء الأسرة العلویة وأمیراتها تؤكد انتماءهم إلى مصر حیث كانت الثقافة الغالبة لدى معظمهم مصریة ممزوجة بقیم أوروبیة وتقالید تركیة بالأساس.

وذكر الكاتب أحمد عطية أن أول همزة وصل بين مصر وألبانيا كانت في القرن السادس عشر بعد خضوع مصر للحكم العثماني، وجاء الألبان إليها ضمن الحامية العثمانية وسكنوا في القاهرة والاسكندرية. وبعد خروج الحملة الفرنسية من مصر عام 1801 جاء محمد علي إلى مصر على رأس حامية عثمانية قوامها 5 آلاف جندي، واتخذ من الألبان حرساً خاصاً، وسار على النهج نفسه أبناؤه من بعده.

واستمر الأمر على هذا النسق حتى عام 1912، حين حصلت ألبانيا على استقلالها من العثمانيين، وبدأت دول الجوار الحرب عليها وعانى أبناؤها آنذاك تطهيراً عرقياً بشعاً ومذابح جماعية وهجرة واسعة إلى تركيا ومصر وبعض الدول الإسلامية. وتعتبر هذه الهجرة الموجة الثانية للنزوح الألباني إلى الخارج.

استقبلت مصر عدداً كبيراً من أولئك، وفي عام 1939 ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت الموجة الثالثة والأخيرة من هجرة الألبان إلى مصر، فبعد غزو إيطاليا ألبانيا، اضطر أحمد زوغو ملك ألبانيا إلى الهجرة إلى مصر ومعه أسرته وحاشيته، حيث بقي حتى قيام ثورة يوليو فرحل إلى فرنسا، ومعه نحو 200 من أفراد حاشيته. لكن شقيقه ظل في مدينة الإسكندرية وله أبناء وأحفاد تزوجوا من مصريات، واندمجوا في الشعب المصري.

ضاحية الزمالك

اتخذ محمد علي من الألبان حرساً خاصاً ومنحهم امتيازات وقصوراً وإقطاعيات كبيرة، وأنشأ لحرسه الخاص من الألبانيين جزيرة زملك (حي الزمالك) وسماها بهذا الاسم لأنها تشبه ضاحية جميلة في ألبانيا تحمل الاسم نفسه. ولا يزال للألبان آثارهم في حي الزمالك حتى الآن، أبرزها شارع محمد مظهر الألباني الذي عاش في حي الزمالك فترة ثم ترك أملاكه وعاد إلى ألبانيا.

back to top