ديليسبس... من النجاح إلى السجن!

نشر في 20-10-2018
آخر تحديث 20-10-2018 | 00:20
 د.نجم عبدالكريم كتب إليه ابنه: "فِيمَ ذهابك إلى بنما يا أبي؟ عمَّ تبحث هناك؟! عن المال؟! عندك ما يكفيك ويكفينا، بعد أن حققت نجاحاً تاريخياً في قناة السويس.

لقد بلغت القمة يا أبي حين غدوت أشهر فرنسي في العالم كله، وأنت الآن عضو في البرلمان، ولو طلبت رئاسة الوزارة لسعت إليك.

مشروع "بنما" ضخم وعظيم، لكنه لن يترك لك ساعة واحدة من الهدوء والراحة، وأنت يا والدي في سنٍ تحتاج إلى الراحة... ثم، هل تضمن ألا يتخلى عنك الحظ في بنما، مثلما ضحك لك في السويس؟

أبي، إذا قررت العمل في هذا المشروع الخيالي، وأردت أن أذهب معك، فثق بأنني سأتبعك مهما حدث، وأنا راضي النفس، فكل ما أملكه في حياتي هو ما أعطيتني إياه أنت، ومن حقك أن تسترده؛ عندما أعوضك بالسهر على راحتك".

***

• ذلك ما كتبه شارل ديليسبس لأبيه، الذي قرر العمل على شق قناة جديدة تربط بين المحيطين الهادئ والأطلسي.

لكن أباه رفض نصيحته، ولم يملك الابن سوى أن يرحل مع أبيه من باريس إلى بنما... ومن بنما إلى السجن!

• وكان فرديناند ديليسبس قد أسس شركة باعتباره رئيساً للمشروع، مستغلاً نجاحه المدوي في شركة قناة السويس، وإذا طرحت الشركة الجديدة أسهمها في أسواق بورصات المال فسيكون النجاح حليفها، وكان لابد له لكي تُسهل أمور إشهار الشركة من دفع بعض الرشاوى لكبار المسؤولين في الحكومة الفرنسية، وكذلك لابد من موافقة البرلمان على إنشائها، فكتب شيكاً بمبلغ 300 ألف فرنك لوزير الأشغال، كما كتب شيكات تجاوزت الملايين من الفرنكات لـ 120 عضواً في البرلمان، للموافقة على مشروع الأسهم لشركة مضمونة النجاح، لأن ديليسبس يتمتع بشهرة عالمية، وسترتفع أثمان هذه الأسهم في العالم، وقد تبزّ في نجاحها أسهم قناة السويس!

***

• وتم لديليسبس ما أراد، وذهب إلى بنما، وشرع في تنفيذ المشروع، لكنه تعرض لصعوبات بالغة أثناء عملية تنفيذ شق القناة، ومات الكثير من العمال، ورُفعت عليه العديد من القضايا، إلى أن تعثر المشروع تماماً وفشل.

***

• وفي باريس زكمت فضيحة الرشاوى الأنوف، وقُدِّم ديليسبس وابنه إلى المحاكمة، وسأله القاضي:

- هل كنت تدرك حين كتبت الشيكات أنك ترتكب جريمة الرشوة؟

- هذه ليست رشوة، إنها لإزالة السكين عن رقبتي.

- ولماذا لم تلجأ إلى القانون لحمايتك؟

- سيدي القاضي، تريد مني أن ألجأ إلى القانون عند من بيدهم القانون؟

***

• وكان التحقيق مطولاً، وقد صدر الحكم بالسجن على كل من:

• فرديناند ديليسبس خمس سنوات.

• شارل ديليسبس خمس سنوات.

• أندري بهيو (وزير الأشغال) خمس سنوات وغرامة 750 ألف فرنك.

• وأحكام أخرى وغرامات شملت أكثر من مئة نائب، بعد أن رُفعت عنهم الحصانة والحكم بعدم أهليتهم للعمل السياسي إلى الأبد.

back to top