سدانيات: بَرَز الثعلبُ!

نشر في 20-10-2018
آخر تحديث 20-10-2018 | 00:06
نحن في القرن الحادي والعشرين ومازالت هناك بعض الأنظمة تعتقل شخصاً بسبب تغريدة أو بسبب رأي سياسي أو ديني، أو بسبب مناصرته لقضية أخلاقية أو إنسانية، متى تعي الأنظمة التي عاش فيها شوقي وغير شوقي أن الشعوب وإن طال كبتها وقمعها ستثور في وجه أغلال التجهيل والاستبداد؟! ومهما امتلكت الأنظمة من أدوات قمعية وموارد مالية فلن تستطيع محو التاريخ أو إسكات الآخر.
 محمد السداني عندما كنا صغاراً كنا نعتقد أن شوقي في قصيدته المشهورة: «برزَ الثعلبُ يوماً في ثيابِ الواعظينا»، والتي درسناها ونحن أطفال لم نتجاوز العاشرة من عمرنا، كان يحكي عن الحيوانات وعن الثعلب المرتدي ثياب الواعظين، ولم نكن نعلم أن تلك القصيدة مليئة بالرمزية والإسقاطات الفكرية والسياسية.

كنت أتساءل: لماذا يلجأ شاعر مثل أحمد شوقي إلى كتابة قصيدة بلغة رمزية؟ ولماذا توغل في رمزيته حتى صار نصه مثالاً يحاكيه الشعراء في النص الرمزي والإسقاطات السياسية؟!

بنظرة فاحصة عن الوضع السياسي السابق تعلم جيداً أن شيئاً لم يتغير، فقد رحلت الطرابيش وجاءت القبعات وذهبت القبعات وجاءت العمائم، وذهبت العمائم وجاءت الغترة والعقال والبشوت، أشكال وهياكل تتبدل ولكن في صلب المضمون لا شيء تَغيَّر، فما كان يخافه شوقي سابقاً مازال موجوداً، ولكن بشكله الحداثي، فأي شاعر أو كاتب يريد أن يتحدث عن هموم وطنه ومشاكله التي تحيطه وتحفه من كل جانب فلابد أن يبدأ بخلق قصة من نسيج الخيال فيسقطها مرة على حمار، ومرة على ثعلب، ومرة على أسد، وهَلُمَّ جرا.

أتساءل بيني وبين نفسي: عندما لا أرغب في إسقاط سؤال على لسان حمار أو ثعلب أو أحد الحيوانات التي طالما تحدثت بهموم المواطن، التي لم ولن يستطيع التحدث بها مادام يعيش في مستنقعات الجهل والتخلف، أتساءل: هل كُتِب علينا ألا نستطيع البوح بما نشعر به إلا على لسان البهائم! وهل قدر علينا أن نكتم ما نؤمن به أو نعتقد أنه حق في نفوسنا كي لا نُغيَّب في سجن لا يعلم مكانه إلا الله؟! أشعر بخيبة أمل وأنا أرى مستوى الحريات في الإعلام وفي غيره من القطاعات يتراجع عاماً بعد عام.

نحن في القرن الحادي والعشرين ومازالت هناك بعض الأنظمة تعتقل شخصاً بسبب تغريدة أو بسبب رأي سياسي أو ديني، أو بسبب مناصرته لقضية أخلاقية أو إنسانية، متى تعي الأنظمة التي عاش فيها شوقي وعاش فيها غير شوقي أن الشعوب وإن طال كبتها وقمعها ستثور في وجه أغلال التجهيل والاستبداد، ومهما امتلكت الأنظمة من أدوات قمعية وموارد مالية فلن تستطيع محو التاريخ أو إسكات الآخر، والخاسر الأكبر بكل تأكيد لن يكون إلا هذا النظام الذي سيلعنه التاريخ وتلعنه الشعوب ويلعنه الحمار والثعلب والكلب، التي حملت ما لم تكن مجبرة على حمله من صفات البشر، والتي شوهت صورها في الأدب العربي، فإذا قيل يوماً «برز الثعلب» فاعلم جيداً أن ثعلباً مرتدياً لباسك ويتحدث لسانك هو الذي برز وسطا وحرف حقاً وأشعل فتنة، وأما ثعلبنا فأكبر همه دجاجة يأكلها ولا يريد غيرها.

خارج النص:

- أشكر جريدة «الجريدة» على إتاحتها الفرصة لي لكتابة مقالاتي، ولا أتمنى أن يختلف نمط ما أكتب باختلاف مكان الكتابة، ولكني أسعى أن أذهب إلى قراء مختلفين أفيدهم وأستفيد منهم.

back to top