فرط الخيارات... لمَ تبدو عملية اتخاذ القرار صعبة؟

نشر في 20-10-2018
آخر تحديث 20-10-2018 | 00:00
No Image Caption
هل تواجه صعوبة في حسم أمرك عندما تقف إزاء خيارات متشابهة كثيرة، أثناء التبضع في متجر البقالة، مثلاً، أو عند انتقاء الأطباق في المطعم؟ تُدعى هذه الحالة «فرط الخيارات»، توضح دراسة جديدة كيفية عملها ولمَ تحدث.
عندما تواجه خيارات عدة، خصوصاً إذا كانت متشابهة، مثل مجموعة من الصابون من علامات تجارية مختلفة، يصعب عليك الاختيار، حتى أنك تستسلم أحياناً وتغادر من دون أن تنتقي أي شيء البتة.

أثارت الآليات التي تؤدي دوراً في هذا النوع من الحالات اهتمام الباحثين، بما أننا نستمتع فطرياً بإحساس الحرية الذي يترافق مع كثرة الخيارات المتوافرة أمامنا والتي يمكننا انتقاء أحدها.

رغم ذلك، يبقى تأثير «التجمّد» الذي يتملكنا عندما نواجه كماً كبيراً من الخيارات حقيقياً بالتأكيد، وأعطاه الخبراء اسماً: «تأثير فرط الخيارات».

أظهرت دراسة بارزة عام 2000 ماهية تأثير فرط الخيارات. أجرى باحثان، البروفسوران شينا ليينغار ومارك ليبر، تجربة وضعا خلالها طاولة مليئة بعينات المربى في متجر بقالة.

في إحدى نسخ هذه التجربة، قدّم الفريق نحو 24 خياراً للزبائن كي يتذوقوها. وفي نسخة أخرى، لم يعرض على الزبائن إلا ستة أنواع من عينات المربى.

اكتشف البروفسوران ليينغار وليبر بعد ذلك أمراً محيراً: مع أن الناس كانوا أكثر ميلاً إلى التوقف عند طاولتهما وتذوق المربى عندما قدما مجموعة أكبر من الخيارات، إلا أنهم كانوا أقل ميلاً إلى شراء أي منها.

ولكن عندما قلّت الخيارات، تراجع عدد الزبائن الذين توقفوا عند طاولتهما، إلا أن الأشخاص كانوا أكثر ميلاً بعشرة أضعاف إلى شراء المربى.

ماذا يحدث في الدماغ؟

نشر أخيراً البروفسور كولن كاميرر وزملاؤه من معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا في باسادينا نتائج دراسة غاصت على نحو أعمق في كيفية تجلي تأثير فرط الخيارات داخل الدماغ وما قد يُعتبر العدد الأمثل من الخيارات.

نشر هؤلاء الباحثون تقريرهم أخيراً في مجلة «السلوك البشري الطبيعي». في هذه الدراسة، عرضوا على المشاركين صور مشاهد طبيعية جميلة يستطيعون الاختيار منها لإعداد كوب خاص بهم أو أي غرض آخر.

كان على المشاركين اختيار صورة من مجموعات تشمل ستة خيارات، أو 12 خياراً، أو 24 خياراً. وقد خضع كل المشاركين لتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي بغية مسح دماغهم أثناء عملية الاختيار.

تشير عمليات المسح إلى أن المشاركين أعربوا عن ارتفاع في نشاط الدماغ في منطقتين محددتين أثناء عملية الاختيار، هما القشرة الحزامية الأمامية، التي ترتبط باتخاذ القرارات، والجسم المخطط، الذي يرتبط بتحديد القيمة.

بالإضافة إلى ذلك، لاحظ الباحثون أن منطقتي الدماغ هاتين كانتا الأكثر نشاطاً في حالة المشاركين الذين اختاروا من مجموعة الصور الاثنتي عشرة، وأنهما كانتا الأقل نشاطاً في حالة المشاركين الذين اختاروا من مجموعتَي الصور الست أو الصور الأربع والعشرين.

يعتقد البروفسور كاميرر أن هذا الأمر قد يعود إلى التفاعل بين الجسم المخطط وبين القشرة الحزامية الأمامية أثناء تقييمهما احتمال المكافأة (صورة جميلة لاستعمالها في إعداد غرض شخصي)، فضلاً عن مقدار الجهد الذي يبذله الدماغ لتقييم النتائج المحتملة في حالة كل خيار يُعرض عليه.

كلما كثرت الخيارات، تراجعت المكافأة المحتملة، شأنها في ذلك شأن الجهد المستثمر في هذه العملية، ما قد يحدّ من قيمة تلك المكافأة النهائية.

يوضح البروفسور كاميرر: «تقوم الفكرة الرئيسة على أن الأفضل من ضمن 12 خياراً جيد على الأرجح، في حين أن القفز إلى الأفضل من ضمن 24 خياراً لا يشكّل تحسناً كبيراً».

ما عدد الخيارات الأفضل؟

بغية تفادي تأثير فرط الخيارات، يشير البروفسور كاميرر إلى ضرورة التوصّل إلى توازن جيد بين المكافأة المحتملة وبين مقدار الجهد المطلوب للحصول عليها.

يعتقد الباحث أن أفضل عدد يستطيع الإنسان الاختيار منه يتراوح على الأرجح بين ثمانية و15، وذلك وفق قيمة المكافأة الظاهرة، والجهد الضروري لتقييم الخيارات، ووصفات كل إنسان الشخصية.

ولكن إذا كان الدماغ يشعر براحة أكبر عند تقييم عدد أقل من الخيارات، فلمَ نفضل إذاً امتلاك مقدار أكبر من الخيارات لننتقي منها؟ على سبيل المثال، لمَ نميل إلى تقييم أهمية متجر البقالة بالاستناد إلى وفرة الخيارات التي يقدّمها؟

يجيب البروفسور كاميرر: «يعود ذلك خصوصاً إلى واقع أن عينينا أكبر من معدتنا. عندما نفكر في عدد الخيارات الذي نرغب فيه، قد لا نعكس فكرياً الاستياء الذي نشعر به خلال عملية اتخاذ القرار».

تشمل الخطوة التالية بعد هذه الدراسة محاولة تقييم الكلفة الفكرية الفعلية التي تتضمنها عملية اتخاذ القرار، وفق الباحث. يختم: «ما هو الجهد الفكري، وما كلفة التفكير؟ لا نملك معلومات وافية عن هذه المسألة».

back to top