كويت اللحظة الراهنة!

نشر في 17-10-2018
آخر تحديث 17-10-2018 | 00:05
 طالب الرفاعي تصلني بين فترة وأخرى رسائل أو لقطات أو أفلام قصيرة، من أصدقاء، ليُشار إليها بعبارة "الماضي الجميل"، أو "الماضي الذهبي" أو "أيام السبعينيات" أو "الثمانينيات الجميلة"، أو أي عبارة تحمل المعنى بأن الماضي هو الأجمل، وأن ما نعيشه اليوم هو ظلال باهتة لما كنا نحيا.

ويأخذ الأمر بُعداً مؤلماً، حين يكون استحضار الماضي في بلد مثل مصر أو العراق أو سورية أو اليمن أو ليبيا، وذلك بعقد مقارنة بين حال هذه البلدان اليوم، وكيف كان العيش فيها قبل عقود من الزمن.

مأزق الحياة الإنسانية، أن لحظة الزمن تسير في اتجاه واحد، وفي خطوٍ ثابت، وليس من قوة على الأرض تستطيع إرجاع لحظة انقضت، وأن صيرورة الزمن سائرة في درب الحياة لا يستوقفها حدث؛ كبُرَ أو صغر.

لذا، فإن التأسي على الماضي لن يجدي نفعاً، بقدر ما يكون سبباً لألم وتأسُّف يهبِّطان الهمة، ويبعثان على اليأس من اللحظة الماثلة. وإذا كان الواقع المعيش اليوم في بعض البلدان العربية قاسياً ومضطرباً ودامياً، وأي مقارنة مع الماضي تظهر إشراقة لوحة الماضي وحلو أيامها أمام توحش وقتامة لوحة الحاضر، فإن الوضع في الكويت يختلف... يختلف بأنها تعيش وتيرة حياة اجتماعية طبيعية، وأنها، والحمد لله، لا تعيش حرباً أهلية طاحنة تأكل الأخضر واليابس، وتضطر البعض إلى الهروب والهجرة، وحتى الموت، بحثاً عن ملجأ آمن.

أفهم تماماً تغني مجاميع من أهل الكويت بماضي الستينيات والسبعينيات، وحتى الثمانينيات، ولحين لحظة التاريخ الأسود يوم الثاني من أغسطس 1990، لحظة الغزو البربري، الذي كان وسيبقى يشكل غدراً ومنعطفاً مؤلماً وكبيراً، لا على الكويت وأهلها فقط، لكن على عموم أقطار الوطن العربي وشعوبه، لهول النتائج السياسية والعسكرية والاجتماعية التي ترتبت عليه.

بلدي الكويت بخير، الكويت مشرقة، الكويت ولادة، هكذا أردد مع نفسي كل يوم، فأنا أدرك تماماً أن هناك أوضاعاً سياسية واقتصادية واجتماعية ليست كما ينبغي أن تكون، وأن هناك اختلالات فظيعة وكبيرة في مختلف مناحي العمل يجب معالجتها. لكني أدرك تماماً أن الإنسان يعيش لحظته الراهنة، ووحده فعله في هذه اللحظة هو ما يؤسس ويرسم ويلوِّن لوحة الواقع، ويشكل تاريخاً للحظة قادمة.

أدرك تماماً أن كويت اليوم ليست كويت الأمس، أياً كان الفرق بينهما، لكني متأكد أيضا أن كويت اليوم هي بذرة كويت الغد، وأن هناك مجاميع رائعة من أبناء الوطن في كل مناحي العمل الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والإبداعية والثقافية والرياضية والعمل الإنساني وغيرها، مجاميع من مختلف الأعمار، تعمل بهمة وإخلاص وتفانٍ. ومؤكد أن فعل هؤلاء سيكون بالضرورة واجهة مشرقة نفخر بها في القادم من الأيام.

لا أظنه مجدياً تكرار القول إن كويت الأمس أجمل من كويت اليوم، وخاصة أن أجيالا من الأطفال والناشئة والشباب تتشكل في كويت اليوم، ويلامس سمعها ووعيها، أنها تعيش في فترة بائسة، وأنهم غير محظوظين، لأنهم لم يعيشوا فترات سابقة.

ومن المؤكد أن هذا يشكل عنصر إحباط كبيرا أمام الشباب، وهذا العنصر لا يساهم، بأي شكل من الأشكال، في دفعهم لتحدي ذواتهم والعمل على رسم صورة جديدة للكويت تكون أفضل مما كانت.

إن الإصرار على أن كويت الأمس، وتحديداً في الفكر والإبداع والثقافة والآداب والفنون والإعلام والصحافة، أفضل من كويت اليوم، فيه من الصدق بقدر ما فيه من التجني على اللحظة الماثلة. فصحيح أن هناك قامات إبداعية وثقافية كبيرة عبرت سماء الكويت في العقود الماضية، لكن الصحيح أيضاً أن بيننا قامات شبابية تتخلق لتأخذ مكانها ومكانتها في كويت اليوم.

كل إنسان يأتي في ظرفه وبيئته، لذا مَن وُلد في كويت الأربعينيات والخمسينيات، وحتى الستينيات، هو بالضرورة مختلف عمن وُلد في التسعينيات، وما تبعها. كلاهما عاش حياة تخصه، وترك بصمته عليها. ومثلما أن لجيل الرواد بصمة، فمؤكد أن لأجيال اليوم البصمة التي ستبقى بعدهم... البصمتان لا تتشابهان، وهذا من بديهيات الحياة البشرية، لكنهما تتجاوران، وأبداً ستبقيان هكذا، وفي كل الأزمان.

كويت اليوم تتشكل وفق "رتم" اللحظة البشرية الماثلة، وهي تركن إلى إرث الأمس، وترنو لغدٍ مشرق!

back to top