في رايات الجزيرة

نشر في 13-10-2018
آخر تحديث 13-10-2018 | 00:09
 د. محمد بن عصّام السبيعي رايات بلدان جزيرة العرب على نوعين، الأول يضم كلاً من السعودية والبحرين وقطر وإلى حد ما سلطنة عمان؛ فرايات هذه المجموعة تتسم بالتجذر في التاريخ أو التقليدية، والبساطة، ولا أقل من ذلك الابتكار الذي طالما كان صنواً للبساطة؛ فعلم البحرين الذي لم يتبدل إلا نزراً منذ فتح آل خليفة للجزر في نهاية القرن الثامن عشر يجمع إلى جانب البساطة فرادة في التصميم، فهو ثنائي اللون حيث يشغل الأبيض الثلث الأيسر في حين يملأ الأحمر المشرق الثلثين على الميمنة. ويتلاقى اللونان على شكل أسنان أو زوايا خمس حادة، يقال إنها تشير إلى أركان الإسلام الخمسة.

وبذات البساطة والابتكار أيضاً راية قطر الخفاقة منذ الثلث الأول من القرن الماضي. وهو كما علم البحرين، إلا أن اللون العنابي المائل إلى الأرجواني يشغل المساحة اليمنى كما يتداخل مع الأبيض في الميسرة في تسع أسنان عوضا عن خمس.

كذلك راية السعودية التي تمثل أغلب مساحة جزيرة العرب. ورغم أنها نسخت عديداً من الرايات، كراية الحجاز وإمارة حائل وغيرهما، إلا أنها حافظت على تصميم ثنائي اللون، الأخضر والأبيض وعبارة الشهادة الموروثة عن علم الدولة عند بعثها في بداية القرن الماضي، أي قبل إلحاق الحجاز وغيره. وبذا فقد ظل متخلصا من شكل وتعدد ألوان علم الثورة العربية التي اندلعت في الحجاز في العقد الثاني من القرن الماضي وطبع كثيراً من رايات بلدان العالم العربي بطابعه. وبإضافة الحسام منذ إعلان وحدة الدولة في ثلاثينيات القرن الماضي تكون المملكة قد صرفت النظر عن رمز الهلال وهو الرسم الوحيد الذي توسط علم الدولتين السعوديتين الأولي والثانية، ووسم أيضا إلى جانب نجمة ثمانية الرؤوس علم إمارة حائل، ولا يزال إلى اليوم يزين علم إمارة أم القيوين في اتحاد الإمارات وأعلام المغرب العربي.

وعلم سلطنة عمان، وإن أتى مزاوجة بين رايتي كل من سلطنة مسقط، حمراء، وإمامة عمان، بيضاء، إلا أن الشرائط الأفقية ومنها الأخضر تذكر بعلم الثورة العربية، وذلك رغم بُعد السلطنة جغرافياً وأيديولوجياً عن تداعيات الثورة.

أما المجموعة الأخرى فتكشف عن خروج جلي عن الصورة التقليدية لراياتها وثنائية اللونين. فالقاسم المشترك لهذه المجموعة هو استعمال رسم علم الثورة العربية بشرائطه الأفقية وقاعدته وثلاثة من ألوانه على الأقل. ورغم ذلك فلا نجزم بتأثير مباشر، فراية اليمن التي خبرت تبسيطا موفقا بعد الوحدة في تسعينيات القرن الماضي تعكس ألوان الثورة، دون الأخضر الذي كان لون نجمة اليمن الشمالي قبل اتفاق الوحدة. وكما قلنا فالموضع ليس موضع جزم باستعارة مباشرة لألوان الثورة. فراية اليمن الموحد وقبلها راية الجمهوريتين أتت وريثة لرايات عديدة سابقة؛ لدولة الأئمة، وإمارات اتحاد الجنوب العربي والمحميات البريطانية في عدن، والتي يشاطر كثير منها الخطوط الأفقية لعلم الثورة وألوانه.

أما علما الإمارات والكويت فيمثلان تبنياً لشكل وألوان علم الثورة. على أن علم دولة اتحاد الإمارات لربما قد أتى حلاً لتعدد أعلام أعضاء الدولة السبعة، تلك الأعلام المتشابهة إلى حد التطابق والتي لا تخرج عن ثنائية اللونين الأحمر والأبيض ببعض التنويع، وهي ثنائية كما رأينا تسود إمارات ساحل الخليج. ورغم قاعدة العلم الحمراء التقليدية بين أعلام الإمارة فإن إدخال اللونين الأخضر والأسود واتخاذ الشكل الحالي للعلم في سبعينيات القرن الماضي يؤكد التأثير القومي العربي عند وضع العلم.

أما العلم الحالي لدولة الكويت فإنه يضرب أنصع مثال على التخلي التام عن التقليدية في رسم الراية. فالعلم قبل الاستقلال حمل سمات أعلام المنطقة: لون أحمر مشرق تتوسطه كلمة "كويت"، متطابقا تماما في الرسم واللون للعلم الحالي لإمارة الفجيرة في اتحاد الإمارات، كما حوى علم الكويت في رسم أسبق عبارة الشهادة كما في أعلام الدولة السعودية. أما العلم الحالي فيهمل كل ذلك ويتبنى إلى حد كبير رسم وألوان علم الثورة العربية. ولعل الفارق البسيط الذي يميزه عن أمثلة رايات أخرى في المشرق العربي خارج الجزيرة، هو الرأس المكسور لمثلت القاعدة، حالة فريدة لا نجد لها مثيلاً إلا في علم المملكة العراقية المطاح بها في نهاية خمسينيات القرن الماضي.

back to top