كيف أثّر نشر المعلومات الخاطئة سلباً في استفتاء مقدونيا؟

نشر في 07-10-2018
آخر تحديث 07-10-2018 | 00:00
 جي ام اف أجرت مقدونيا يوم الأحد الماضي استفتاء لتبدّل اسمها، تنهي صراعاً عمره 27 عاماً مع اليونان، وتمهد الدرب أمام انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي. قبل أسابيع من التصويت، لم تعد المنصات الإعلامية مجرد قنوات لتبادل المواقف السياسية، بل أصبحت أيضاً أدوات للاستقطاب المتعمّد ونشر المحتوى المضلل.

ظهر هاشتاغ #Boycott (المقاطعة) بادئة الأمر على "تويتر" و"فيسبوك" بهدف مقاطعة عملية التصويت، فأدى على "تويتر" بسرعة إلى أكثر من 24 ألف ذكر ونحو عشرين ألف عملية إعادة تغريد. على نحو مماثل، ظهر في الأسابيع التي سبقت التصويت نحو 40 حساباً جديداً على "فيسبوك" كل يوم راحت تنشر مراراً رسالة المقاطعة، كذلك دعت مئات المواقع الإلكترونية الجديدة إلى المقاطعة مستخدمةً سلاح نشر المعلومات الخاطئة.

دفعت جهود نشر المعلومات المضللة هذه الكثير من المقدونيين إلى مقاطعة الاستفتاء وحدت من الإقبال على صناديق التصويت، صحيح أن 92% من الناخبين أجابوا بنعم على جعل الصفقة مع اليونان شرطاً للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، إلا أن نحو ثلثي السكان المؤهلين للتصويت لم يتوجهوا إلى مراكز الاقتراع، وهكذا، باستخدام رسائل مخادعة وغير صحيحة، تمكن #Boycott من ضخ مشاعر كاذبة في حملة الاستفتاء العامة، بناء عضب وسخط كاذبين، وتحريف الرأي عالم.

في الثامن من سبتمبر، يوم ذكرى استقلال مقدونيا، بلغت تغريدات #Boycott المناهضة للاستفتاء ذروتها مع 3900، في حين كانت أنجيلا ميركل تزور إسكوبية. على نحو مماثل، طغت رسائل المقاطعة على مواقع الإنترنت المقدونية التابعة لليمين المتطرف بعد زيارة الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ. بالإضافة إلى ذلك، ادعت البوابات الإلكترونية الوطنية المتطرفة في الشتات أن الاستفتاء غير مشروع وأن من الضروري مقاطعته. كذلك لاحظنا زيادة كبيرة في استخدام ميم الضفدع بيبي، الذي يشكّل رمز كره تستعمله المجموعات اليمينية المتطرفة في الولايات المتحدة وأخيراً في أوروبا. صُممت هذه الرسالة لاستهداف فرص الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي والناتو.

يصعب للوهلة الأولى تتبع دور القوى السياسية الخارجية في حملة #Boycott، بما أنها نجحت في توحيد مجموعات من الناس متنافرة جداً. فضلاً عن ذلك، لا يمكننا القول إن كل مَن يعارضون الاستفتاء يملكون مواقف موالية لروسيا. في المقابل، لا تُعتبر حملة المقاطعة هذه أصلية بالكامل ونتيجة تفاعلات سياسية محلية فحسب.

كانت يد روسيا في مقدونيا مخفية، لكن تدفق البوابات الإخبارية والحسابات الزائفة الموالية للأجندة الروسية في المنطقة على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكّد وجودها.

يشير الخبراء الأمنيون والإعلاميون إلى أن الحملة في مقدونيا تشكّل جزءاً من استراتيجية روسية أشمل هدفها مواجهة الغرب في البلقان، ويؤكد تقرير صدر عام 2017 عن مشروع تقارير الفساد والجريمة المنظمة أن الحملة الشاملة لنشر المعلومات الخاطئة المناهضة للناتو في غرب البلقان تشكّل أداة أساسية لمنع الدول في تلك المنطقة من الانضمام إلى هذا الائتلاف. كذلك تكشف بيانات إضافية تقدّمها وكالات وطنية استخباراتية وأمنية تورط جواسيس ودبلوماسيين، فضلاً عن استخدام أدوات غير تقليدية، مثل الدعاية المحوسبة والدعم الصريح للمجموعات السياسية المتطرفة التي تروّج للدعاية الموالية لروسيا في المنطقة.

لا تخفي روسيا رفضها انضمام مقدونيا إلى الناتو، وتنسجم محاولة الحؤول دون نجاح الاستفتاء مع المنطق الروسي الراسخ. رغم ذلك، تثير المعركة الجيو-سياسية، التي تجلت من خلال جهود الكرملين الضخمة لنشر المعلومات الخاطئة، أسئلة أكثر أهمية. منعت الرسائل العدائية المناهضة للناتو، التي باتت محور حملة #Boycott، المقترعين من التفاعل مع محتوى موضوعي يقوم على الحقائق، ثنت المواطنين عن المشاركة في عملية ديمقراطية، ولّدت الخوف، وقللت من عدد المقبلين على صناديق الاقتراع. صنّفت دراسة جديدة مقدونيا بين الدول الخمس والثلاثين الأخيرة من حيث الثقافة الإعلامية. ويُظهر هذا مدى تعرض هذا البلد لخطر المعلومات الخاطئة. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون لخطر مواجهة بيئة إعلامية ملوثة مليئة بالرسائل المضللة بدل الحجج السياسية الحقيقية انعكاسات طويلة الأمد على العملية الديمقراطية الهشة لا في مقدونيا فحسب، بل في المنطقة بأسرها. لذلك يجب أن نرفع الصوت: حملات نشر المعلومات الخاطئة سامة، بغض النظر عمن يموّلها.

* آسيا ميتودييفا*

back to top