ملتقى الشارقة للسرد

نشر في 01-10-2018
آخر تحديث 01-10-2018 | 00:05
 فوزية شويش السالم ملتقى الشارقة للسرد، الدورة الـ15، في العاصمة المغربية (الرباط)، كان من الأجمل والأفضل والأكثر انضباطا من كل الملتقيات والمؤتمرات التي حضرتها وشاركت بها في حياتي، وهذا القول حقيقي وليس مجاملة، فعادة ينفضُّ الحضور بانتهاء الافتتاح الرسمي، أو عندما تُقرأ ورقة البحث، وبعدها تصبح الصالة شبه فارغة، والحضور يُعد على الأصابع، وتمر الندوة مرور الكرام.

أما في ملتقى السرد بالرباط، فكان الانضباط في حضور الجلسات والاستماع والنقاشات وطرح الأسئلة على أشده، مما خلق جوا من التفاعل الفكري الجدي والحوارات المفيدة الممتعة.

هذا الملتقى كان تنفيذا لتوجهات الشيخ د. سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وتحقيقا لرؤيته لفائدة أشمل وأعمّ للأدباء والكُتاب، وسهولة تواصلهم وتعارفهم من خلاله، وبذات الوقت تقوية التعاون الثقافي بين البلاد العربية.

وحقيقة، كان هذا التواصل في أرقى وأعلى مستوى للبحث الثقافي، وتعميق الاتصال الإنساني بين الأدباء والمثقفين من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وهذا كان كسرا لقاعدة الثقافة التي كانت محدودة بالوسط.

أعجبتني فكرة الشيخ د. سلطان القاسمي بعبور الملتقيات الثقافية من الخليج إلى مواقع البلاد العربية الأخرى، ففيها تبادل وتوزيع وانتشار أكبر للثقافات، وللفكر المختلف بألوان أطياف البلاد الآتي منها، وهذا تيسير ما كان له أن يتوافر ما لم يكن هناك مَن يملك رؤية قومية وإيمانا بتقارب وتماسك الإنسان العربي، عن طريق دعم وربط ورفع ثقافاته بتقارب أوصالها وتوحيدها، وهذا يحتاج إلى قائد مثقف يؤمن بدور الثقافة الإيجابي في تطوير فكر الإنسان العربي، ولا يتأنى في سبيل إنجاح أهدافه ببذل المال والطاقة والجهد الكبير، لتحقيق المرجو من رؤية ناجحة بعيدة المدى.

دورة الرباط شهدت مشاركة 60 أديبا وأديبة من دول عربية وأجنبية، منهم كُتاب السرد الروائي، وعدد كبير من خيرة نقاد العالم العربي المتميزين، إضافة إلى مستعربين متخصصين في الأدب والفقه العربي.

افتتح عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ومحمد الأعرج وزير الثقافة والاتصال المغربي، أعمال الدورة الخامسة عشرة لملتقى الشارقة للسرد، في المكتبة الوطنية بالرباط، تحت استضافة وحفاوة المملكة المغربية، التي يسَّرت وسهلت كل الوسائل لإنجاح هذا الملتقى.

النقاش في هذه الدورة يدور حول "تحولات وجماليات الشكل الروائي"، وتندرج تحت هذا العنوان محاور متعددة، مثل:

المحور الأول: الرواية والخصوصية الثقافية، المحور الثاني: تطور التقنيات الروائية، المحور الثالث: تقنيات الشكل الروائي، المحور الرابع: الرواية بين حدود النوع والفنون الأخرى، المحور الخامس: الرواية التفاعلية، المحور السادس: الظواهر الجديدة في الرواية العربية.

الدراسات التي قُدمت كانت في معظمها تطرح أسئلة أكثر من أن تقدم أجوبة، فالفن الروائي يصعب حكره في صنف أو شكل أو نوع، أو حتى زمان أو مكان.

الرواية لها قدرة هائلة على ابتلاع كل التصنيفات، ومحو كل الحدود، ولها قدرة فذة أيضا في التغير والتشكل ومداهمة الكاتب وزمنه ومحيطه بمفاجآت غير متوقعة، وهذا ما ينقلها إلى محطات جديدة لم تُدشن من قبل، فمثلا حين كتب الروائي الأميركي وليام فوكنر روايته (الصخب والعنف) لم يتوقع هو بذاته تلك النقلة التي نقلتها له الرواية، فاجأته بشكلها وبشكل تقنياتها التي لم يكتبها أحد من قبله، حتى إنه لم يدرك هذه النقلة، التي نقلت الأدب الروائي العالمي كله.

إذن، نحن لا نتوقع بما ستأتي به الرواية في أزمنتها المقبلة، من حيث إنها فن جبار قادر على استقطاب الفنون كلها في عجينته، لذا كانت مناقشات البحوث تطرح أسئلة لا يمكن أن نتفق على إيجاد أجوبة ثابتة يقينية محددة لفن مراوغ متزحلق سري متغير واسع أخاذ.

لفت نظري سماع البحوث التي كانت عن "الرواية التفاعلية"، وهو نوع من الرواية الجديدة على مستوى العالم كله، وعلى مستوى العالم العربي بالخصوص. ربما هناك كاتب أردني واحد فقط مَن كتبها، وهي رواية تعتمد كتابتها على الإنترنت وتداخل فنون صورية معها، مثل: الفيديوهات أو السينما أو مقاطع صوتية، يشترك في كتابتها مجموعة من متابعيها على الإنترنت، وبما أنها فن جديد، فلا يمكن دراستها وتقييمها وتطبيقها على روايات غير موجودة أصلا، محتاجة إلى زمن تراكمي يقيمها ويرصدها.

back to top