ما قــل ودل: تعديل قانون المحكمة الدستورية الحاضن للعوار الدستوري للضريبة العقارية

نشر في 30-09-2018
آخر تحديث 30-09-2018 | 00:10
لاقى مشروع قانون الضريبة العقارية عند تقديمه إلى مجلس الشعب انتقادات شديدة من كل رجال القانون، كما لاقى استياءً عاما من كل الطبقات الاجتماعية في مصر لفرضه ضريبة على السكن الخاص، ولعدم معقولية هذا القانون، وشبهات عدم الدستورية التي تحيط به من كل النواحي.
 المستشار شفيق إمام البيئة التشريعية للقوانين

في سياق ما تناولته في مقالي المنشور على هذه الصفحة في 9/ 9/ 2018 حول البيئة التشريعية لقانون ضريبة العقارات المبنية، وأن هذا القانون ينفصل عن بيئته التشريعية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ذلك أن القانون وهو ينظم الحياة في الجماعة، لا بد أن يتماشى مع ظروفها وحاجياتها، وأن يكون متجاوبا مع نوع الحياة التي تعيشها، ليكون بحق أداة لرقيها وتقدمها، وإلا أصبح عقبة أمام سير الحياة في سبيلها إلى مدارج التقدم.

تآكل الطبقة الوسطى

ولا ريب في أن الاستياء العام من قانون الضريبة العقارية والغليان الذي ينتاب الطبقة الوسطى في الشارع المصري من هذه الضريبة، التي فرضها القانون رقم 191 لسنة 2008 إنما يرجع إلى افتقاد هذا القانون للبيئة التشريعية الاجتماعية والاقتصادية، وللبيئة التنفيذية الصالحة والقادرة على تطبيقه، خصوصاً وقد بدأت هذه الطبقة تتآكل وينزل بعضها إلى خط الفقر بعد الإجراءات الاستثنائية الكثيرة من رفع الدعم عن الخدمات والحاجات الضرورية للمواطن، تحت فزاعة سقوط الدولة.

إلا أن قانون الضريبة العقارية قد وجد ضالته وحضانته الشرعية في القانون الحاضن للقوانين سيئة السمعة وهو القرار الجمهوري بقانون رقم 168 لسنة 1998.

الأكفان ليس لها جيوب

وللأمانة فإن كلا القانونين قد صدر في فترة حكم الرئيس حسني مبارك، سواء القانون الحاضن لكل القوانين السيئة السمعة أو قانون الضريبة العقارية السيئة السمعة المشار إليه، وأن القانونين لا يزالان على قيد الحياة ولم يلغهما المشرع بعد ثورة 25 يناير رغم الشعارات التي رفعتها هذه الثورة "عيش، عدالة، حرية" والتي ذهبت هباءً منثورا كغيرها من شعارات هذه الثورة التي أصبحت أثرا بعد عين، وكل ما كان من حصاد هذه الثورة تعديل القانون سنة 2012 ليكون فاتحة تطبيق القانون هو 1/ 7 /2013 ولإعفاء الجبّانات والمقابر من الخضوع لهذه الضريبة، لأن المشرع تنبه بعد هذه الثورة إلى أن الأكفان ليس لها جيوب، وأن مصلحة الضرائب العقارية ستواجه صعوبات عملية في توقيع الحجز الإداري على الجبانات والمقابر.

وسنتناول كلا القانونين تباعا فيما يلي:

قانون الضريبة العقارية السيئة السمعة

وقد لاقى مشروع هذا القانون عند تقديمه إلى مجلس الشعب انتقادات شديدة من كل رجال القانون، كما لاقى استياءً عاما من كل الطبقات الاجتماعية في مصر لفرضه ضريبة على السكن الخاص،

ولعدم معقولية هذا القانون، وشبهات عدم الدستورية التي تحيط به من كل النواحي، وتراخي تطبيقه في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولم يطبق في الفترة التي تولى المجلس الأعلى للقوات المسلحة فيها حكم البلاد، ولم يطبق كذلك في فترة رئاسة الدكتور محمد مرسي أو في الفترة الرئاسية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسي، بالرغم من التعديلات المتتالية للقانون في السنوات 2010 و2012 و2014 والتي لم تنجح في إصلاح عواره الدستوري.

بين استحقاق الضريبة وابتزاز الممول

فمأموريات الضرائب العقارية تتسابق في ماراثون تحصيل أكبر قدر من الضريبة، وترفض استلام الطعون في تقديراتها من الممولين، إلا بعد سداد كامل الضريبة عن السنوات الخمس السابقة، ومنها من تكتفي بالنصف أو البعض، ولكنها جميعا لا تناقش الممول فيما يراه- بحق- من أن تقدير المأمورية ليس قرارا بربط الضريبة، لأنه تقدير مبدئي قابل للمراجعة أمام اللجان الإدارية المختصة، يحدث هذا التعسف من المأموريات بابتزاز الممول لإلزامه بسداد الضريبة قبل موعد استحقاقها بالرغم من أن قانون الضريبة العقارية ذاته، لم يشترط لنظر الطعون المقدمة في تقديرات المأمورية إلا شرطاً واحداً نصّت عليه المادة 16 من هذا القانون، وهو أن يؤدي الطاعن مبلغا مقداره خمسون جنيها كتأمين لنظر طعنه، يرد إليه عند قبول الطعن موضوعا.

وهو ما يطرح أسئلة مشروعة هي: لماذا هذا الحماس الشديد في تطبيق القانون بعد التراخي في تطبيقه مدة عشر سنوت؟ ولماذا يتم تحصيل الضريبة العقارية دون إخطار الممول بالتقدير، حيث هرع الممولون إلى المأموريات لسدادها تحت فزاعة الغرامات؟! ولماذا تغلق مأموريات الضريبة العقارية باب الطعن أمام الممولين في تقديراتها والذي أتاحه قانون الضريبة ذاته للممول بموجب المادة (16) أمام لجان تشكل طبقا لهذه المادة بقرار من الوزير، وتمثل فيها المصلحة وحدها، ولا يشارك فيها الممول الطاعن ليصبح تقدير هذه اللجان هو وحده، الممول عليه والنهائي ومناط استحقاق الضريبة طبقا للمادة (17) من هذا القانون؟

«خذ الفلوس واجري»

وأستميح مسرحية "خذ الفلوس واجري"، في أن أستخدم عنوان المسرحية في الإجابة عن الأسئلة السابقة، ذلك أن تحصيل الضريبة وجبايتها لدى مصلحة الضرائب العقارية هو غاية في ذاته لعلم الجميع بشبهات عدم دستورية هذا القانون، والتي ستقضي المحكمة الدستورية لا محاله بعدم دستوريته، إذا أقيمت دعوى دستورية أمامها، وأيضا لأن الحكومة في مأمن من رد الضريبة لأن القوانين الضريبية في حمى وحصانة القانون رقم 168 لسنة 1998 سالفة الذكر، فيما تنص عليه مادته الأولى من أنه "يترتب على الحكم بعدم دستورية نص في قانون أو لائحة عدم جواز تطبيقه من اليوم التالي لنشر الحكم ما لم يحدد الحكم لذلك تاريخاً آخر أسبق، على أن "الحكم بعدم دستورية نص ضريبي لا يكون له في جميع الأحوال إلا أثر مباشر، وذلك دون إخلال استفادة المدعي من الحكم الصادر بعدم دستورية هذا النص".

فأصبح الحكم بعدم دستورية أي قانون ضريبي لا يستفيد منه عن الفترة السابقة على صدوره إلا رافع الدعوى بعدم الدستورية، الذي سوف يعفى من تطبيق هذا القانون عليه عن هذه الفترة، واسترداد ما حصل منه من هذه الضريبة، أما سائر الممولين الذين لم تتح لهم فرصة التداعي أمام المحكمة الدستورية، فإنهم لن يفيدوا من هذا الحكم بعدم دستورية القانون، إلا عن الفترة التالية لصدوره، وسوف تستمر مصلحة الضرائب العقارية في تحصيل الضريبة منهم عن السنوات السابقة، والتي قد تصل إلى سبع أو عشر سنوات اعتبارا من 1/ 7/ 2013 تاريخ تطبيق هذا القانون، إلى أن تصل القضية إلى المحكمة الدستورية، بعد صراع طويل في مختلف الدرجات في مجلس الدولة.

وأبشر بطول سلامة يا مربع، ومربع هنا هو مصلحة الضرائب العقارية.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top