بارزاني يعاند النجف وواشنطن في اختيار رئيس العراق

نشر في 29-09-2018
آخر تحديث 29-09-2018 | 00:05
عناصر «البشمركة» يصوتون بالانتخابات النيابية في أربيل أمس (رويترز)
عناصر «البشمركة» يصوتون بالانتخابات النيابية في أربيل أمس (رويترز)
ينظم إقليم كردستان العراق انتخابات نيابية لمنطقة شمال العراق غداً، بالتزامن مع انقسام القوى الكردية غير المسبوق في عملية اختيار مرشحها لرئاسة الجمهورية، إذ تنقسم بين مؤيدي النجف وحلفاء طهران، ويدور تنافس حاد بين برهم صالح مرشح مدينة السليمانية، وفؤاد حسين مرشح أربيل عاصمة الإقليم.

ولا يقتصر الأمر على وضع الأكراد، فقد دخل العراق فيما بعد الحرب ضد تنظيم داعش مرحلة مغايرة للمألوف، ولعل معظم الخطوات الرئيسية التي تلت انتخابات مايو، انتظاراً لتشكيل حكومة جديدة، حصلت بشكل لا يماثل القاعدة والعرف المتبعين، لا في إعلان كتلة نيابية أكبر، ولا في طريقة اختيار رئيس البرلمان، ولا في مصالح الصفقات التي أُبرِمت.

وتحالفت القوى الكردية والسُّنية أيضاً، على غير العادة، مع الجناح الشيعي المتشدد لترجح كفته، بعد أن كانت تعاديه على طول الخط، وقالوا إن ذلك يرجع إلى أن الجناح المعتدل المقرب من النجف أهمل الحوار الوطني بذريعة الحرب على «داعش»، ولم يقدم ضمانات لمعالجة مسائل الخلاف.

إلا أن أسباباً أكثر عمقاً تقف وراء انقسام الأكراد هذه المرة حول مرشحهم لمنصب الرئيس، وعادة ما كان الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني في أربيل يفترض أن حصته هي إدارة حكومة الإقليم الكردي، بينما يبقى منصب رئاسة الجمهورية في العراق من حصة حزب الاتحاد الوطني، الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل جلال طالباني، أما هذه المرة فإن أربيل تقول إن بإمكانها احتكار المنصبين، الحكومة في كردستان، والرئاسة في العراق، وذلك بتشجيع من العرب السُّنة والميليشيات الشيعية الموالية لطهران، وخلافاً لرغبة النجف وواشنطن الداعمتين لمرشح مرن ومعتدل هو السياسي البارز برهم صالح.

ويعود جزء من الخلافات إلى تمزق واضح في حزب الاتحاد الوطني، وتراجع حجمه الانتخابي، خصوصاً بعد رحيل زعيمه جلال طالباني، كما يعود أيضاً إلى تداعيات الاستفتاء الكردي على تحقيق المصير، الذي سبّب، في أكتوبر الماضي، دخول قوات رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى كركوك الغنية بالنفط، وانسحاب المسلحين الأكراد منها.

وأدى ذلك إلى تخريب التوازن الاقتصادي والسياسي في المناطق الكردية، ففي كركوك كان حزب السليمانية يدير المدينة المؤيدة له تقليدياً، بينما يسيطر حزب أربيل على حقول نفطها الكبيرة، أما اليوم فإن المدينة يمكن أن تعود إلى نفوذ «السليمانية» بتفاهم مع بغداد، بينما لا مجال لعودة حقول النفط التي استثمرتها شركة بريتيش بتروليوم عملاق النفط البريطاني في صفقة تمتد سنوات طويلة.

ورغم وساطات مستمرة طوال الأيام الماضية، فإن الصف الكردي لم يتوحد هذه المرة في مفاوضاته مع بغداد، ويزيد من حدة ذلك أن أربيل غاضبة على واشنطن التي لم تساندها في الاستفتاء على تقرير المصير، ولم تمنع قوات العبادي من دخول مناطق النفوذ الكردي العام الماضي، ولذلك لم تحقق ضغوط الإدارة الأميركية نتيجة تُذكَر رغم تدخل متكرر لوزير الخارجية مارك بومبيو، الذي نادراً ما يتصل بالقادة العراقيين.

ومن جهة أخرى، فإن أربيل كانت داعماً كبيراً لمواقف النجف، ويصعب اليوم تعويض غيابها خاصة في ملف اختيار رئيس الحكومة، الذي سيخلف العبادي، كما أن إيران نفسها حائرة بين دعمها التقليدي لأحزاب السليمانية، ووجود فرصة نادرة لاستثمار التقارب القسري بين حزب أربيل والفصائل الموالية لطهران، وسط تأكيدات أن الإيرانيين قرروا التنازل لجزء من رغبة النجف وميول أميركا في الملف العراقي، ودعم مرشحين معتدلين في هذا الإطار هما برهم صالح رئيساً للجمهورية، وعادل عبدالمهدي، السياسي المخضرم المستقل، لرئاسة الحكومة، مما يعني ضرورة تعويض حزب بارزاني بحزمة ضمانات تدعم تفوقه في أي حوار مرتقب مع الحكومة المركزية.

back to top