«أوبك»... قليلة الحيلة!

نشر في 29-09-2018
آخر تحديث 29-09-2018 | 00:09
 د. محمد بن عصّام السبيعي شهدت الأيام القليلة الماضية فتح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لجبهة عداء جديدة، فهو في هذه المرة يوجه الاتهام إلى منظمة "أوبك" بالتدخل المقصود لتأجيج سعر النفط، محملاً إياها ضرورة الكف عن ذلك وضخ المزيد من النفط. وردت تلك الرسالة في سياق غير معهود في تاريخ الرئاسة الأميركية، أي عبر رسائل إلكترونية مباشرة، موجهة نحو العالم، أفراداً ووحدات سياسية وغيرها. ولقد أكد فحوى ذلك في حديث لاحق أمام الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة. ورغم ما لمثل هذه الرسائل من تأثير يعاند مقصدها، أي أنها تساهم في الواقع في إلهاب أسعار النفط، إلا أن الواقعة تثير تساؤلاً حول مدى سيطرة "أوبك" على السوق النفطية، ومنها إلى التحكم في سعر النفط.

الحق أن "أوبك" لم تخبر طوال عمرها، الذي يناهز اليوم ستة عقود، سيطرة مطلقة على المعروض النفطي يمكنها دون عناء من التحكم في سعر النفط، فمنذ بلغ نفط "أوبك" في منتصف السبعينيات حصة تقارب 48 في المئة من إنتاج العالم، ما جاء في حينه تبعة لتصعيد الإنتاج لتمويل خطط تنمية طموحة وانخراط أعضاء في المنظمة، وحيث لم يكن مبدأ الحفاظ على مورد النفط غير المتجدد همّاً ملحاً للأعضاء، فمنذ ذلك الحين لم تعرف حصة "أوبك" سوى التناقص المطرد. فمنذ النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي وحتى اليوم راوحت حصة أوبك في حدود ثلث المعروض العالمي. هذا مع الأخذ في الاعتبار هبوطها في منتصف تلك الثمانينيات حتى الربع، ما قاد إلى ما عُرِف في حينه بحرب الأسعار بين أعضاء المنظمة.

ورغم أن من شأن أوبك، نظريا، أن تعوض تدني حصتها حيال حصة تبلغ الثلثين للمنتجين من غير الأعضاء، بوجود الجسم التنسيقي الدائم إلا أن هذا لم يجدها الكثير، سواء في تعظيم حصتها في السوق أو في تطويع سعر النفط، فحصتها من السوق مكثت كما رأينا كما لو أن طلب العالم قد فرض عليها حدودا لا تتعداها، أي جعل من الطلب على نفط أوبك طلبا لاحقا بعد استنفاد معروض النفط من غير أوبك؛ ففي حين تجاوز نمو الطلب العالمي على النفط الخام منذ الثمانينيات بأكثر من 50 في المئة، فقد تجاوز نمو حصة أوبك لذات الفترة بالكاد 20 في المئة.

أما ما يخص إنعاش سعر النفط، فباستثناء موجة صعود الأسعار في ستينيات وحتى منتصف سبعينيات القرن الماضي التي جاءت انفعالا على التبدل في علاقات الامتياز وتصحيحها، أكثر منها مجهودا موجها نحو السعر ذاته، فإنه يصعب على المراقب رصد أمثلة جلية لقدرة أوبك الذاتية على التأثير بنجاح على سعر النفط. فأما ما أعقب ذلك، نحو ما حدث في منتصف الثمانينيات وأواخر التسعينيات القرن الماضي ومؤخرا أيضا، فقد جاء ثمرة تضافر جهود بعض أعضاء المنظمة من ذوي الطاقة الإنتاجية الفائضة كما العربية السعودية مع آخرين من خارج المنظمة، كما روسيا. أما دعوة الرئيس الأميركي لأعضاء أوبك لزيادة إنتاجهم فتلك تلفت الانتباه إلى شأن مرونة مستويات الإنتاج وإمكانية النهوض بها. الحق أنه ما خلا استثناءات قليلة فقد كانت سجية أعضاء المنظمة هي الإنتاج عند الطاقة القصوى، مما لا يجدي معه طلب ضخ المزيد من النفط. والجدير بالذكر أن مبتدأ تاريخ نظام حصص "أوبك" كان اعترافاً بمستويات الإنتاج السائدة في حينها كأمر واقع، واعتبارها حصصاً للأعضاء.

ولا ريب أن جانباً لا يستهان به من إخفاق نظام الحصص في التأثير على أسعار النفط ولجوء المنظمة إلى التنسيق مع المنتجين الخارجيين يعود إلى تصلب الأعضاء حيال طلب المنظمة الالتزام بنظام حصص تجاوزته مع مرور الوقت طاقات الإنتاج لأسباب تعود إلى اعتمادهم المتزايد على إيرادات مبيع النفط. هنا لا بد أيضا من استثناء كبير منتجي أوبك، أي العربية السعودية، والتي تتمتع بطاقة إنتاجية فائضة تناهز المليون ونصف إلى مليوني برميل يوميا، وبمرونة إنتاجية قائمة على بنية تحتية واسعة من مصادر الإنتاج، تمكنها من التأثير براحة على مستوى المعروض العالمي من النفط. ولقد أبلت المملكة في عقود مضت في توظيف تلك المزية في دعم أسعار النفط المستهدفة من قبل المنظمة، فغني عن البيان انحسار إنتاج العربية السعودية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي إلى حدود 3 ملايين برميل يوميا، رغم طاقتها التي تتجاوز في حينها 10 ملايين برميل، لكن يبدو لي أنه مع بلوغ عرض العالم من النفط 90 مليون برميل يوميا، مقارنة بنحو 62 مليونا عند بداية ثمانينيات القرن الماضي وزيادة نصيب منتجي النفط خارج المنظمة منذ ذلك الحين، لم تعد "أوبك" ممثلة بالعربية السعودية، العضو صاحب الطاقة والمرونة الإنتاجية الفائضة، بقادرة على تأثير فعال وقريب الأمد على سعر النفط، ولذا كان لا محيص في أكثر من مرة كما أشرنا، من التنسيق مع ذوي الطاقات الفائضة من غير منتجي أوبك، لا سيما مع روسيا.

حيال طلب الرئيس ترامب تقف أوبك قليلة الحيلة، فإذا أرادت المنظمة تلبية ذلك، رغبة أو رهبة، فلن يتسنى لها الأمر بقدراتها الذاتية فحسب، فهي لا هيمنة لها على معروض النفط، كما أن أعضاءها أحوج ما يكونون إلى إيرادات المبيع، وعليه فليس من طاقات إنتاج عاطلة يمكن استغلالها. لم يبق إذن إلا أن يكف الرئيس عن رسائله لعل سعر النفط يثوب إلى مستوى مريح للسوق كافة.

back to top