ترويض الفيلة

نشر في 28-09-2018
آخر تحديث 28-09-2018 | 00:08
مع كل المآسي التي يمر بها الفيل المسكين إلا أنه ينتظر الفرصة للانتصار لكرامته وليثأر لنفسه ولإخوانه، ورغم حقه في الثورة والانتقام فإن الضمير الإنساني لا يقف معه بانتفاضته المستحقة، فيصوره بصورة الفيل الهائج الخارج عن طريق الطاعة والقانون ليلاقي مصيره المحتوم برصاصة تنهي حياته بعد رحلة عذاب طويلة.
 أ. د. فيصل الشريفي قصة ترويض الفيلة قد تكون الأكثر مأساوية من بين جنس الحيوانات إذا ما نظرنا إلى حجم المعاناة التي يتعرض لها منذ اللحظة الأولى بعد وقوعه بالأسر محبوساً بقفص أو حفرة لا يستطيع التحرك أو الانحراف إلى أي جهة، وهو مقيد بسلاسل ضخمة، وكما يتعرض لعذاب وضرب مبرح وحرمان من الأكل والشرب يستمر لأيام طويلة تزيد من مرارة الأسر دون أن يعرف لذلك سببا.

رحلة العذاب تبدأ بحفلة من الضرب المتواصل على الأرجل والخرطوم بعصا غليظة وإلى نقر على الرأس بمسمار ينغرس في جبهته، وهو يئن من الألم دون إعطائه أي أوامر، ومن كثرة الألم يطأطئ رأسه ويرفع رجليه وكأنه يقول لقد استسلمت، ولَم أعد قادراً على فهم ما تريدون مني، فافعلوا بي ما تشاؤون.

بعد مسيرة التعذيب الطويلة وظهور علامات الانكسار يتم إخراجه من القفص أو الحفرة ويعطى الشيء القليل من الأكل والماء، وهو مقيد بالسلاسل لمدة طويلة، مع الاستمرار بإهانته بالضرب لينكسر لديه ما تبقى من كرامة، وهو الحيوان الذكي الذي يعرف أن ليس هناك وسيلة للفرار من يد سجانه، وعليه أن يطيعه طاعةً عمياء.

أما في حالة ترويض صغار الفيلة فالقضية أكثر إيلاماً، فعند عمر سنتين أو ثلاث سنوات يتم فطمه وفصله عن أمه، حيث تبدأ مأساة أخرى من العذاب، فحفلة الضرب والربط بالسلاسل من أربع جهات والنقر بالمسمار التي يمر بها الفيل البالغ يمر بها طفله الرضيع، وكل هذا يجري على مرمى أمتار قليلة من أمه التي تسمع صياحه وبكاءه، لكن لا حول لها ولا قوة، فالمطلوب من طفلها أكبر بكثير من كبار الفيلة، حيث الحركات التي عليه أن يؤديها تتطلب الكثير من الطاعة.

من سوء طالع الفيل تغيير العمل الذي تعوّد على القيام به، حيث تنتظره رحلة جديدة من العذاب تبدأ من الصفر، وفِي مشهد أكثر إذلالاً من ذي قبل، وكل هذا وهو الذي يمني النفس بحياة كريمة أو على الأقل أن تنتهي رحلة العذاب بعد أن أطاع سيده طاعة عمياء، لكن هيهات فغرور السجان أكبر من خيال الفيل.

مع كل هذه المآسي التي يمر بها الفيل المسكين إلا أنه ينتظر الفرصة للانتصار لكرامته وليثأر لنفسه ولإخوانه، منتظرا الفرصة المناسبة ليقتص مما يقع تحت يديه، ورغم حقه في الثورة والانتقام فإن الضمير الإنساني لا يقف معه بانتفاضته المستحقة، فيصوره بصورة الفيل الهائج الخارج عن طريق الطاعة والقانون ليلاقي مصيره المحتوم برصاصة تنهي حياته بعد رحلة عذاب طويلة.

قصة ترويض الفيلة شعرت بمرارتها وعشت أحداثها، لذلك لن أزيد عليها وسأترك بقية تفاصيلها لخيالك عزيزي القارئ ولعل العبرة في الخواتيم.

ودمتم سالمين.

back to top