حزب لينكولن يوشك أن يغرق

نشر في 27-09-2018
آخر تحديث 27-09-2018 | 00:07
 ريل كلير في كتاب بوب وودوارد القاتم غير الخيالي عن أخبار البيت الأبيض Fear (الخوف)، ينتشر الرعب في مكتب الرئيس ويتملك كل مَن يجرؤ على الاقتراب مما يُدعى، في مفارقة كبيرة، طاولة مكتب روزولوت (الحزم). يرتعدون كلهم أمام ترامب لأنهم يخشون نوبات غضبه، وجهله الخاطئ والمعقد، وهوسه، وغشه المهول، ولكن في الصفحة 248 نعثر على سبب قد يجعل الحزب الجمهوري يخسر الكونغرس ويغرق بحق في انعدام الترابط السياسي، وإليكم بول ريان وميتش ماكونيل الجبانين.

وضع رئيس مجلس النواب وزعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ عموماً كرههما لترامب جانباً واكتفيا بدلاً من ذلك بمراقبة الرياح السياسية في حزبهما، متخلين بالتالي عن اعتراضاتهما وكبريائهما، إذ لم يبديا أي معارضة حتى في الحالات النادرة، لكن هذا الجهد استنفد محزونهما الضحل من النزاهة، حتى إننا ما عدنا نسمع اليوم إلا طنين ضميرين فارغين.

وهكذا نصل إلى يومَي الحادي عشر والثاني عشر من أغسطس عام 2017 حين سارت مجموعة موحدة من المتعصبين (المعادين للسود، والمعادين للمسلمين، والمعادين للسامية) في تظاهرة في شارلوتسفيل بفرجينيا، فتصدى لهم متظاهرون في مسيرة مضادة، وفي المعمعة التي نشأت دهس أحد أنصار القومية البيضاء متظاهرة وقتلها، فرد ترامب بقول أمر ثم نقيضه، وانتهى به المطاف إلى الإشارة إلى "أناس أخيار من كلا الطرفين"، ولا شك أن الأخيار من النازيين، وأنصار القومية البيضاء، وأعضاء "كو كلوكس كلان" كانوا ممتنين له كثيراً، ومن المؤكد أن سائر البلد تملكه الذعر.

ينتمي ريان وماكونيل إلى المجموعة الثانية، حيث يبدو الحزب الجمهوري في حالة سيئة، ولا تُعتبر حظوظه في انتخابات منتصف الولاية جيدة، ولا شك أن الاقتصاد مزدهر، وقد بلغت البطالة أدنى مستوياتها. كذلك يبقى التضخم محدوداً جداً، ورغم ذلك لا يبدو كل هذا كافياً. أولاً، نرى أن مدمن التغريد في البيت الأبيض عاقد العزم على تركيز الانتباه على نفسه وعلى قدارته الأخلاقية والإثنية، إذ لا يمكنه التمسك برسالة ما لم تكن عن نفسه، وبالنسبة إلى الحزب الجمهوري هذا سيئ، فترامب هارفي وأنشتاين السياسة الأميركية.

اخترت عملاق هوليوود السيئ السمعة هذا، الذي شكل نقطة انطلاق حركة "أنا أيضاً"، لسبب، حيث تتخلى النساء عن الحزب الجمهوري لتبجيله ترامب، وإصراره على أن جسم المرأة ليس ملكها، وتقبله شخصيات ثقافية متعصبة، وينطبق الأمر عينه على السود، الذين يملكون نظرة سلبية إلى أعضاء كو كلوكس كلان "الأخيار"، والمتحدرين من أصول لاتينية والذين يعتقدون أن المكسيكيين ليسوا جميعاً مغتصبين، فقد بلغت شعبية ترامب بين النساء 29% فقط في آخر استطلاع للرأي أجرته شبكة "سي إن إن"، وتنخفض النسبة إلى 19% بين النساء من غير البيض.

تنطبق أرقام استطلاعات الرأي المتدنية هذه على ترامب لا الحزب الجمهوري عموماً، لكن ترامب أصبح الحزب، فقد حل محل فيل توماس ناست كرمز له، وبات هذا الحزب يقلد خصال الرئيس البشعة، وصاروا اليوم جميعاً يداً واحدة بشأن الهجرة، والتجارة، وفوائد الضرائب للأثرياء، والعدائية تجاه الأقليات، فضلاً عن تبني مقاربة متساهلة إلى التحرش في المسائل المرتبطة بالمرأة والإعراب عن ضعف تجاه نظريات المؤامرة: مولد باراك أوباما الأجنبي، والخيانة في بنغازي، وكل ما له علاقة بالزوجين كلينتون، اللذين تحولا إلى الزوجين الأكثر إجراماً بعد بوني وكلايد.

واجه الحزب الديمقراطي في الماضي معضلة مماثلة: جناح جنوبي متعصب جداً بشأن العرق، حتى إنه رفص اعتبار الإعدام من دون محاكمة جريمة فدرالية، لكن هذا الحزب كان يضم أيضاً الليبراليين الشماليين والتقدميين في الغرب الأوسط، لذلك كان بإمكان الشخص أن يظل ديمقراطياً من دون أن يخسر كبرياءه، وفي المقابل يقدّم الحزب الجمهوري وجهاً واحداً للناخبين: وجه ترامب، إذ يبدو هذا الحزب موحداً على غرار مجموعة من حيوانات اللاموس التي توشك أن ترمي نفسها في البحر.

* ريتشارد كوهين

*«ريل كلير»

back to top