د. سليمان الشطي: الحداثة تتطلب «الانقطاع»

نشر في 27-09-2018
آخر تحديث 27-09-2018 | 00:10
دعونا نتساءل: هل الرؤية اليوم، عام 2018، بعد أكثر من عشرين عاماً، لملامح الحداثة أكثر وضوحاً؟ وهل عمقت الحداثة في الثقافة والأدب الكويتي، وكذلك المجتمع عموماً، تجارب الشعر والنثر والنقد والمسرح، وأوجه التطور القانوني والتعليمي، أم كان التأثير أقل من المتوقع بكثير؟
 خليل علي حيدر هناك كثير من اللبس في قضية الأدب والفن والحداثة، "فمشكلة الحداثة ذات شقين: مفهوم الحداثة وواقع الحداثة"، قال الأديب د. سليمان الشطي للأستاذ جمال بخيت، إجابة عن سؤاله "هل هناك ملامح للحداثة في الثقافة الكويتية؟: "الحداثة كحدث ثقافي قائم"، وأضاف د. الشطي: "الحداثة كواقع قديمة وليست وليدة الأمس، فهي موجودة منذ مئة عام، بعض الذين يقولون إن المدرسة الرمزية في القرن الماضي- القرن التاسع عشر- هي البداية الحقيقية للحداثة، فكل محاولة خروج على القاعدة السابقة وطرح قواعد جديدة ومستمرة حتى الآن، وتطرح ما هو غير معهود وغير مألوف، سمي حداثة".

ماذا عن الحداثة في الشعر الكويتي؟

قال د. الشطي إنها بدأت مع خمسينيات القرن (1950) وما بعدها عندما بدأت القصيدة الحديثة.

أحد شعراء الكويت الذين عايشوا بعض أبرز روادها كان الشاعر "علي السبتي" منذ عام 1955. وقال د. الشطي إن تجربته- أي السبتي- "تكاد تكون مواكبة لصلاح عبد الصبور والبياتي ومجازاً بدر شاكر السياب، وكذلك محمد المشاري الذي بدأ حداثياً منذ عام 1958، وبعد ذلك وجد هذا التيار عند أحمد العدواني في قصائده وخاصة قصيدة (مدينة الأموات) وما تلاها، ومحمد الفايز بتجربته (مذكرات بحار)"، وأضاف د. الشطي، أعتقد أن القضية حسمت في الستينيات، "واستمرت الحداثة الشعرية على هذا الأساس".

ماذا عن الفنون النثرية من قصة ومسرح؟

قال د. الشطي إن إسماعيل فهد إسماعيل كان حداثياً في "كانت السماء زرقاء"، وسليمان الخليفي" في القصة القصيرة "حداثي بطريقة معينة".

وحاول د. الشطي استكشاف خصائص الحداثة وسماتها، فقال "إن الحداثة تعني في الشكل الشعري "الانقطاع" عن السابق! فالحداثة، كما قالت النقاشات المحتدمة، ليست في الشكل الشعري، ولكن في المفهوم الفكري". قصيدة علي السبتي كشاعر كويتي ومحمد المشاري ومحمد الفايز"منقطعة عن قصيدة صقر الشبيب"، وهذه ملاحظة قيمة، إلا أن د. الشطي لم يوضح الفكرة بأمثلة أخرى، وقال: "نحن أمام أمرين يجب ألا نخلط بينهما بين الحداثة كواقع في الأدب".

ولم يذكر د. الشطي الأمر الثاني في الحداثة!! وقال "إذا أخذنا التيار الشبابي الآن نجد أن الحداثة لديه متوافرة شكلا وموضوعاً، بحيث إنه إذا مثل أدب "ليلى العثمان" في مرحلة معينة جانباً من الحداثة، فالدكتورة عالية شعيب لها هذا الجانب، إذاً الحداثة موجودة".

وطالب د. الشطي بالتمييز بين الحداثة الموجودة أو المشاهدة في بعض الأعمال الأدبية... والحداثة المطلوبة، وقال: "إذا كنا نتكلم عن الواقع الثقافي، فالحداثة موجودة في كثير من النصوص، تغيير في الشعر، في القصة، في المسرح، ولكن فلسفة هذا التغيير لا ترتبط بهياكل أخرى، فقط خروج على ما كان مألوفاً، الطرح الجديد الآن يراد منه وضع هذا السؤال الذي هو (لماذا الحداثة؟). الحداثة تمثل الانقطاع، والانقطاع أنك ترفض كل ما هو قديم، وتؤكد ما هو جديد، أنك تنقطع وأنا ألح على كلمة الانقطاع "فكرياً" وليس فقط فنياً، من هذه الزاوية أصبحت الحداثة مشكلة قائمة ومحل نقاش".

وأضاف "الذين كتبوا القصيدة الحديثة استخدموا الصور الجديدة والرمز الجديد والشكل الجديد، وانتقلوا من شكل إلى شكل مغاير. في مرحلة حافظوا على إيقاع الوزن وبعضهم جعل النثرية بصورة أو بأخرى كامتداد معين أو طعّم قصيدته الحديثة بجانب نثري".

وقال د. الشطي إن في الساحة الكويتية كما في الساحة العربية "هناك متجاورات"، بمعنى أنك تجد من ينظم على طريقة القصيدة القديمة في الشكل، وفي الهيكل، "وقد استفاد من آخر الاتجاهات".

وما لاحظه د. الشطي في مجال الشعر الكويتي والعربي من أخذ وترك، وانتقاء والتقاط، وجمع بين المتناقضات وعدم اكتراث بالأسس الفلسفية والمبدئية للأشياء، مسلك واسع الانتشار في الثقافة العربية، وكذا في السياسة والتدين عندنا.

في شعر يعقوب السبيعي، يقول د. الشطي، جمع بين هيكل القصيدة القديمة في الشكل مع الاستفادة من آخر الاتجاهات، "لم يقفز إليها قفزاً مباشراً، ولكن أخذ صورها وبعض ملامحها ووضعها في قصيدته". الأستاذ خالد سعود الزيد وغيره من الأدباء يحافظون كذلك على الشكل القديم، ولكن يطعمون عالمهم ببعض من هذا الجديد، إنما هيكلية القصيدة هي النظام القديم. الدكتور خليفة الوقيان حداثي في روحه وصوره وبنائه، ولكنه يحافظ على إيقاع الوزن.

ويتساءل د. الشطي "هذه متجاورات، فهل من الضروري أن تكون بين المتجاورين "خناقة" أو حرب؟ قد يقول البعض جواباً بحتمية الصراع بين الماضي والحاضر، والقديم والجديد، والحالة (أ) والحالة (ب) كي تظهر الحالة (ج).

ولكن د. الشطي يتجنب هذه الأنشوطة الهيجلية، مقترحاً حلا توفيقياً للمشكلة فيقول، "إذا كان مفهوم الانقطاع هو انقطاع عن الماضي وعن ما يمثل الماضي الآن، فهذه "خناقة"، ولكن إذا كان هناك ما هو مقبول أن تتجاور هذه مع قيام الحداثة، أعتقد أن هذا جانب صحي ومطلوب، فقبول الآخر خاصية موجودة في الكويت، بحكم أن المجتمع صغير".

وقارن د. الشطي ظروف الحداثة في الكويت مع ما هو موجود في دول عربية أخرى، وقال "هناك حداثة موجودة في مصر ولبنان، وهناك صراع بين الحداثة وبين ما هو غير حداثي، لكن في الكويت مثلا الحداثة موجودة، وموجود من يأخذ جزءا ويترك أجزاء أو لا يحقق مقولة الانقطاع التام، لكن يتجاور مع الآخر، وهذه إشكالية تحتاج إلى أن نتبينها في حديثنا عن الحداثة".

حتى في الحداثة... «الكويت غير»!

يلاحظ أن المشاركين في الإجابة عن سؤال مجلة "الزمن" أو "الاستطلاع"، كما سمته المجلة، اقتصر حديثهم على "الأدب الكويتي" لا "الثقافة الكويتية"، كما طلب منهم السؤال "هل هناك ملامح للحداثة في الثقافة الكويتية؟" والثقافة بالطبع أوسع من مجال الأدب شعراً ونثراً، فالثقافة تشمل القوانين والعادات والقيم والتربية والأمثال الشعبية والخبرات المختلفة والقيم والتربية والأمثال الشعبية والخبرات المختلفة التراكمة وثوابت ومتغيرات المجتمع، وغير ذلك.

ونتساءل: هل الرؤية اليوم، عام 2018، بعد أكثر من عشرين عاماً، لملامح الحداثة أكثر وضوحاً؟ وهل عمقت الحداثة في الثقافة والأدب الكويتي، وكذلك المجتمع عموماً، تجارب الشعر والنثر والنقد والمسرح، وأوجه التطور القانوني والتعليمي، أم كان التأثير أقل من المتوقع بكثير؟

هل يفكر الكويتيون بشكل حديث أم تقليدي؟

ألا نرى مثلا أن الجماعات المتشددة تفوز بسهولة حتى في الجامعة بعد عشرين سنة من التعليم لكل طالب؟ أليست الانتخابات البرلمانية بعيدة كذلك عن "مقاييس الحداثة"؟

ربما كنا بحاجة اليوم لأن نوجه سؤال مجلة "الزمن" من جديد إلى أنفسنا... وإلى أدباء وكتّاب الكويت!

يلاحظ أن المشاركين في الإجابة عن سؤال مجلة «الزمن» أو «الاستطلاع» كما سمته المجلة اقتصر حديثهم على «الأدب الكويتي» لا «الثقافة الكويتية»
back to top