الأزمة التركية نموذج تقليدي ومكرر لمعظم أزمات دول العالم

سياسات التحوط قد لا تكون شعبية لكنها ضرورة لحماية الشعب

نشر في 23-09-2018
آخر تحديث 23-09-2018 | 00:00
No Image Caption
ذكر تقرير «الشال» الأسبوعي، أنه «لسنا بصدد تحليل أزمة اقتصاد تركيا، فقد أُشبعت تحليلا، ومن جانب آخر، هناك مَن هو أقدر وأكثر اختصاصا منا في تحليلها».

وأضاف: «تركيزنا يتمحور على الدرس الذي يمكن الإفادة منه في تداعيات تلك الأزمة. فالأزمة التركية هي نموذج تقليدي ومكرر لمعظم أزمات دول العالم، فقد أتاحت أزمة العالم المالية في عام 2008 أموالا ضخمة ورخيصة على المدى القصير. ومن تحوط لعدم ديمومة ذلك الظرف، اندفعت تركيا؛ حكومة ومؤسسات، لاستقطاب تلك الأموال في تحويل استثمارات مباشرة وغير مباشرة».

وتابع التقرير: «قبل الدخول في بعض التفاصيل، لابد من التأكيد على أن تركيا حققت نموذجا تنمويا ناجحا جدا ومشابها لتجارب (نمور آسيا)، وفي زمن قياسي بدأ عام 2003 حين كان الوضع الاقتصادي للنمو والبطالة والتضخم مزريا. وبعد أزمة العالم المالية عام 2008 تعافت تركيا مبكرا، مقارنة بدول الاتحاد الأوروبي، ربما لأنها فشلت في الانضمام إليه، ما أتاح لها مرونة عالية لحركة سعر صرف الليرة، التي أدى انخفاضها إلى تحسن كبير في تنافسية الاقتصاد التركي».

وقال إن «الأزمة الحالية لن تؤدي إلى انهيارها، بل إلى معاناة قاسية سوف تنعكس سلبا على معدلات نموها ومعدلي التضخم والبطالة فيها قد تمتد على مدى سنتين أو نحوهما، أسوة بما حدث لاقتصادات (نمور آسيا)، بدءاً من أكتوبر 1997».

ولفت إلى أن خطأ تركيا الذي قاد إلى أزمتها الأخيرة من شقين؛ شق اقتصادي، وآخر سياسي، ففي الجانب الاقتصادي كان ذلك الخطأ التقليدي، وهو الإسراف في الاقتراض الخارجي، بدافع مغريات الفائدة الصفرية على عملات العالم الرئيسة.

وأضاف: «رغم أن سقف ذلك الاقتراض لم يصل إلى 60 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي، وهو السقف المقبول، فإنه كان مركزا في القطاع المالي والحكومي، وصاحبه اختلال كبير بين استحقاقات القروض قصيرة الأجل، واستخدامات حصيلتها طويلة الأجل، وهو ما جعل سدادها آنيا، مع تضخم كبير في حجمه كلما انخفض سعر صرف الليرة».

وأوضح أنه فاقم من حجم الضغوط هروب الأموال الأجنبية الساخنة المستثمرة في البورصة التركية المنتعشة بسبب وفرة السيولة الرخيصة لدى المستثمر الأجنبي، نتيجة توسع السياسات النقدية على الدولار واليورو منذ أزمة عام 2008.

ولفت التقرير إلى أنه في الجانب السياسي، وبعدما حقق الرئيس إردوغان حلمه في نظام رئاسي باستفتاء أثار حفيظة الغرب، ثم فوزه في انتخابات الصيف الفائت، لم يوفق في توظيف الأيديولوجية بالشأن الاقتصادي. فبعد توظيف صهره وزيراً للمالية، أعلن تصريحه الشهير حول ضرر ارتفاع أسعار الفائدة لاعتبارات دينية، ما أدى إلى تغذية حمى الهروب من الليرة. وفي مثل تلك الأوضاع، يصبح الهلع سيد الموقف.

وذكر أنه بمجرد إعلان الرئيس ترامب فرض رسوم على الواردات التركية، أصبح الموقف التفاوضي التركي في غاية الضعف، وازدادت أزمة الليرة. وخلافا لتصريحات إردوغان اضطر البنك المركزي التركي إلى تولي زمام القيادة، ورفع سعر الفائدة بـ6 نقاط مئوية إلى 24 في المئة، ما أعاد بعض الاستقرار إلى سعر صرف الليرة.

وأضاف: «ما نود التنبيه له، أن القرارات سليمة بتوقيتها السليم، وكان من الممكن لتركيا أن تتعلم من دروس الماضي لديها، ولكل ما عداها، وأن تتحوط في سياساتها، حتى لا تصل إلى المرحلة التي تفقد الكثير من القدرة على مواجهة ظروف اقتصادية متغيرة، مثل تلك التي بدأت مع التخلي عن الفائدة الصفرية على الدولار أو اليورو، وهو أمر حتمي».

وأكد أنه من المهم التنبه إلى أن التوقيت فقط هو مكان الخلاف حول أزمة قادته لاقتصادات النفط، فالمالية العامة، وهي عنصر الاستقرار الوحيد، غير مستدامة، والمخرج من الأزمة هو سياسات صارمة للتحوط، قد لا تكون شعبية، لكنها ضرورة لحماية الشعب.

back to top