إصلاحات العبادي تُخرج «الدعوة» من الحسابات

دعوات لحماية رئيس الوزراء بعد ترك منصبه من بطش إيران وفصائلها الموالية

نشر في 22-09-2018
آخر تحديث 22-09-2018 | 00:03
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يؤم المصلين بمسجد الكوفة أمس (رويترز)
زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يؤم المصلين بمسجد الكوفة أمس (رويترز)
تشيع في العراق اليوم عبارة أثيرة، هي أن سقوط الموصل، ثاني أكبر المدن، بيد تنظيم «داعش» قبل 4 أعوام، كان عاملاً أساسياً في إطاحة رئيس الحكومة السابق نوري المالكي. وفي الوقت نفسه، فإن تظاهرات البصرة العارمة، وهي عاصمة الاقتصاد العراقي، أطاحت خليفته حيدر العبادي المنتمي إلى حزب الدعوة نفسه.

ورغم أن «الدعوة» لا يزال قادراً على التمسك بحكومة العراق للمرة الخامسة على التوالي، بحكم انهيار التحالفات التقليدية وخلط الأوراق داخل المكونين الكردي والسنّي، فإن الأوساط السياسية في بغداد تتعامل مع هذا الحزب -الذي أكمل عقده السابع كواحد من أقدم التنظيمات الناشطة في العراق- باعتباره تشكيلاً سياسياً يتعرض لأزمة تصل إلى حد الانهيار المؤلم، ولو في الوقت الحالي.

ومنذ عام ٢٠٠٥ انتزع هذا الحزب رئاسة الحكومة من الزعيم الشيعي العلماني أياد علاوي، مكتسحاً، في الوقت ذاته، منافسين شيعة بارزين. وعام ٢٠٠٦ أجمع العراقيون على رفض التجديد لمرشح الحزب إبراهيم الجعفري، وتسلّم القيادي الآخر نوري المالكي دفة السلطة لثمانية أعوام دراماتيكية، شهدت أعتى النزاعات، مما أدى إلى رفض واسع له عام ٢٠١٤، وتقديم حيدر العبادي من الحزب ذاته كرئيس وزراء، بوصفه خطوة مراجعة وإصلاح، لا في إدارة البلاد فحسب، بل في إطلاق حركة تصحيح داخل الحزب العتيد نفسه.

وتجاوز الأمر حد التخمينات، حين أصدر أبرز قياديي الحزب هذا الأسبوع بياناً مطولاً يحاول تفسير التراجع الذي لحق بـ «الدعوة» في انتخابات مايو، ثم مفاوضات الصيف لتشكيل الحكومة الجديدة، وكان مفادها تحميل رئيس الحكومة الإصلاحي حيدر العبادي، وهو رئيس المكتب السياسي للحزب، تبعات ما حصل، لأنه رفض العمل مع سلفه المالكي، الذي يشغل منصب الأمين العام.

أما العبادي فقد رد بكلام تفصيلي على قيادة حزب الدعوة، قائلاً بوضوح إنه لم يكن مرشح التنظيم، بل كان يقود كتلة الدولة التي تمثّل كل العراقيين، متمسكاً بخطوات الإصلاح التي لم يكن بإمكانه تحقيقها لولا خروجه عن نهج المالكي.

وخلافاً للمالكي الذي تمسّك -بتعسّف- برئاسة الحكومة عام ٢٠١٠ ثم عام ٢٠١٤، قبل أن يضطر إلى الانسحاب، فإن العبادي بقي يمثّل الوجه المرن الذي ينسجب بهدوء من المنافسة ويتمسك بالتفاهمات الداخلية ورأي بقية الأطراف ومرجعية النجف الدينية، التي تريد تغيير الوجوه القديمة، استجابة لغضب متصاعد في الشارع على الطبقة السياسية.

لكن خروج حزب الدعوة من رئاسة الحكومة، لو تأكد خلال حوارات الشهر المقبل المطولة، لن يكون بلا تبعات على المشهد السياسي في العراق، فالحزب يمتلك آلاف المسؤولين التنفيذيين الذين زرعهم كتنظيم دقيق وذي خبرة، في مختلف مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والدبلوماسية، كما أن شتات نوابه يمكن أن يجتمع ليشكل كتلة قوية في البرلمان تعرقل أي حكومة مقبلة بشتى الأساليب.

وفي الوقت نفسه، فإن أصواتاً عراقية من مختلف الأطراف تدعو إلى توفير حماية للعبادي، لو خرج نهائياً من سباق المناصب، إذ سيكون معرّضاً لعقوبة حزبية تجعله بلا غطاء أو حماية، في وقت يحتاج إلى ذلك أيّما حاجة، وهو الذي واجه، في لحظات كثيرة، نفوذ إيران والفصائل المسلحة الموالية لها، وقام بخطوات وصفت بالشجاعة في نزع التوتر، خصوصاً مع المحيط العربي، وانسحب من المنافسة بمرونة، في إشارة إلى أنه راغب في البقاء ضمن الجناح المؤمن بالمراجعة وعقلنة السياسة العراقية المنفعلة، مما يرشحه ليعمل بشكل متسق مع رئيس الحكومة المقبل، الذي ستحسم مرجعية النجف اختياره بين مؤيدي الإصلاحات، حسبما تتداول الأوساط السياسية.

back to top