لولا «انهيار ليمان» براذرز لما تطورت صناعة «الكاتش أب»

«نورتون» و«رمضان» يهزان عرش «هاينز» العالمية من مقاعد الدراسة

نشر في 22-09-2018
آخر تحديث 22-09-2018 | 00:02
نورتون (يمين الصورة) ورمضان يهزان عرش هاينز
نورتون (يمين الصورة) ورمضان يهزان عرش هاينز
عندما تقدم بنك الاستثمار ليمان براذرز بطلب إشهار إفلاسه، قبل عشر سنوات، كان أحد أحدث موظفي الشركة، وهو سكوت نورتون، 32 سنة الآن، يجلس خلف مكتب تداول إلكتروني في طوكيو، وهو يفكر في كيفية التصرف إزاء ما حدث. وكان نورتون، وهو من سكان كاليفورنيا، قد التحق بعمليات ليمان التجارية في اليابان في صيف عام 2008، وذلك بعد وقت قصير من تخرجه من جامعة براون، وكان يسعى الى المغامرة بتمضية أوائل العشرينيات من عمره في آسيا، في حين كان ينتقل من جامعته المرموقة الى العمل المصرفي.

في يوم الاثنين الخامس عشر من شهر سبتمبر توجه الى المكتب قبل بدء عمل السوق الآسيوية، وكان يتوقع يوماً حافلاً بالتداول. وكان سهم ليمان يتراجع طوال أشهر، وكان الأمل الأخير للشركة يتمثل في عملية إنقاذ في عطلة نهاية الأسبوع. لكن ذلك لم يتحقق. ويستذكر نورتون أن ""أول مبادلات لعملنا كانت في نيوزيلندا وأستراليا، والتفت أحد الأشخاص نحوي وقال تداولاتنا تهوي في نيوزيلندا، وتم الغاء تراخيص تداولنا".

طلب إشهار الإفلاس

أصاب طلب إشهار إفلاس ليمان، مساء يوم الأحد، في نيويورك، وقبل بدء التداول في آسيا- أصاب نورتون وبقية العاملين في الشركة بذهول تام، فقد كان ذلك يعني تعرض كبار موظفي الشركة والعاملين العاديين فيها، على حد سواء، لخسارة بمليارات الدولارات في أسهم البنك، ومن المحتمل أن يعقب ذلك خسارتهم لوظائفهم.

وفي نيويورك، أعيد ترتيب وضع وول ستريت خلال ساعات، وخلال أسابيع حدث انهيار غير مسبوق في الائتمان، ووضعت حتى أكثر شركات العالم قوة أمام خطر نفاد النقد. ثم فقد أكثر من مليون أميركي منازلهم بسبب الحجز، وتحول الملايين غيرهم الى عاطلين عن العمل.

ولكن بالنسبة الى أشخاص مثل نورتون الذي كان مجرد شاب متفرج على الأزمة المالية، فقد كان ذلك فرصة للراحة. ويقول نورتون: "لم أكن مثل البعض الذين أمضوا 20 سنة في الخدمة مع ليمان، وكان ذلك مدمراً لهم. وقد حصلت على فرصة حقيقية لأن أصبح مراقباً، وأن أقول لنفسي: "كل شيء يحدث لسبب. وتلك حياتي في القصة، وهي نقطة محورية وسوف أتعلم من هذه التجربة. والتغيير شيء جيد".

وقبل توجهه الى طوكيو، كان نورتون ورفيق غرفته في الجامعة مارك رمضان يدرسان فكرة عمل تجاري صغير، خلال الأشهر الأخيرة في جامعة براون، بعيدا عن عالم المال والتداول. لقد أرادا صنع نوعية أفضل من الكاتش أب.

ويقول نورتون: "كان نصف السنة الدراسية الثاني لسنتنا في الجامعة، وكنا نتحدث عن وجود الكثير من أنواع الخردل، بينما هناك نوع واحد فقط من الكاتش أب. وأدركنا أن الطعام في أميركا كان يتغير نحو الأفضل، وكل فئة طعام في الأسواق المركزية، سواء كانت الخبز الكامل أو الألبان العضوية، أو في المطاعم مع شعار من المزرعة الى الطاولة، كانت تتحسن. ولكن التوابل، وخاصة الكاتش أب لم تتطور على مدى 70 عاماً".

ثم بدأ نورتون ورمضان مع اثنين آخرين من أصدقاء جامعة براون تجارب منزلية في بروفيدنس في رود آيلاند، وجربوا عشرات الوصفات وأقاموا حفلات تذوق للكاتش أب لزملاء الدراسة. وفي نهاية المطاف، قرروا وجود فرصة سوقية. ويقول نورتون: "كانت صناعة الكاتش أب تخضع لهيمنة احتكار بدا جاهزاً للتغيير". ولكن مع اقتراب التخرج لم يفكر نورتون ورمضان في امكانية تحويل الفكرة الى عمل تجاري حقيقي. ويقول نورتون إنها كانت "نوعاً من البدع". وبمجرد وصوله الى طوكيو أمضى عطلات نهاية الأسبوع في التحدث مع رمضان، الذي كان حصل على وظيفة بضائع مستهلكين في ماكينزي بنيويورك، وعمل على صياغة فكرة العمل بما في ذلك استراتيجية التوجه الى السوق وخطة تمويل. ثم حدث إفلاس ليمان الذي هز صعود نورتون.

ويقول نورتون: "لم أكن على مسار سريع للتحول الى عضو منتدب في هذا البنك الاستثماري العالمي. وبحكم وجوده في آسيا قرر أن الأزمة كانت فرصة للاختبار والمجازفة، وأجرى اتصالات مع وسطاء في آسيا، وأوجد مسكناً لكل شخص في شركة ميزيوهو الصغيرة المنافسة. وانضم نورتون لسنة، ثم هجر المال ليبدأ عملاً لا يهدف الى الربح يدعى "آسيا ويلنغ"، قام خلاله مع صديق له بالسفر الى شتى أنحاء القارة، على دراجات هوائية واستكشف نحو دستين من الدول، وأقاما أعمالاً اعلامية مزدهرة عبر عملهما. وبحلول عام 2010 عاد نورتون الى نيويورك، وانضم الى رمضان واثنين من رفاق الصف، وانطلقوا نحو فكرة الكاتش أب.

ثم أطلقوا "السير كنسنغتون"، وهي شركة توابل سميت تيمناً بالتاجر الانكليزي في القرن الثامن عشر، الذي قدم المشورة الى شركة الهند الشرقية البريطانية حول تجارة التوابل، وكان عضواً في الجمعية الوطنية الجغرافية و"نقابة الفلفل". وعندما عاد السير كنسنغتون الى انكلترا ألّف ما دعاه نورتون ورمضان أطروحة دكتوراة "مزلزلة" في جامعة كامبريدج، بعنوان "اتحاد أكثر ملاءمة: فن الأكل البيزنطي والتزاوج المبهج بين النفوذين اليوناني والروماني، 330-453". وبهذا الاسم المميز، اضافة الى وصفة كاتش أب طبيعية غنية بالتوابل قررا مواجهة هاينز، وهي واحدة من أكثر الماركات ربحية في أميركا.

ومن مجرد بداية صغيرة في سنة 2010 تطور "سير كنسنغتون" الى واحد من أفضل الماركات الجديدة في صناعة الغذاء. وجمع نورتون ورمضان مبلغاً اجماليا وصل الى عشرين مليون دولار من مستثمرين، بمن فيهم المستثمر المشهور فيرلينفست. وتمت تسميتهما في قائمة فوربس لسنة 2012 لأشهر الشخصيات في صناعة الطعام، تحت 30 سنة. وبعد وقت قصير انتشرت منتجات كنسغتون من الكاتش أب والتوابل الاخرى مثل الخردل والمايونيز على صعيد البلاد، واقتحمت المطاعم والأسواق المركزية.

وبحلول عام 2017، أصبحت هذه الشركة على الشكل الناجح الذي تصوره نورتون تماماً. ثم استحوذت يونيليفر، وهي منافسة ماركة السير كنسنغتون غولايث في كرافت هاينز، على الشركة، في مقابل 140 مليون دولار.

ويعمل نورتون ورمضان الآن على تحويل فكرتهما، التي انطلقت في مهاجع الدراسة، الى ظاهرة عالمية بدعم من 160 مليار دولار من شركة أم احتضنت نمو ماركات الطعام الرائدة، مثل بن آند جيري.

قصة نجاح نورتون الصاخبة في الكاتش أب ما كانت لتحدث لو لم يتعرض بنك ليمان براذرز للانهيار. ويقول نورتون عن الأزمة: "كنت أعلم أنني ما كنت لأحصل على قدر أقل من المسؤوليات القانونية مما نلته عندما كنت في الثالثة والعشرين من العمر. وكان الخطر الأكبر هو ألا أتحمل احدى تلك المسؤوليات، وكنت سوف أعيش حياتي كما رسمها آخرون وليس كما أردت أنا".

وبالنسبة الى نورتون كانت رؤية أكبر عملية افلاس في تاريخ الولايات المتحدة وعواقبها جزءاً من السبب الذي دفعه مع رمضان، الى اتخاذ قرار بيع الشركة الى يونيليفر. ويقول نورتون: "قصة التمويل تدور حول عرض وطلب الائتمان، وهو بشكل تقريبي عرض وطلب المخاطرة، وأظن أن تجربتي عند بداية عملي المهني في بنك ليمان أعطتني منظوراً يقيم الابداع والاستقرار، بقدر يفوق تجميع الثروة".

وليس ثمة شك في أن الأشخاص الذين كانوا يتخذون قرارات الاستثمار في بنك ليمان براذرز كانوا من المتهورين، والشركات جمعيات مهمة جداً في المجتمع بالنسبة الى المساهمين والموظفين والعملاء. وتعرض ذلك الاستقرار للخطر يمثل تخلياً عن مسؤوليتك ازاء المجتمع.

back to top