شاكر خزعل: اكتشفتُ هويتي كروائيّ في «حكاية تالا»

• أصدر روايته بالعربية من «ترشيحا» الفلسطينية متحدّياً إسرائيل

نشر في 21-09-2018
آخر تحديث 21-09-2018 | 00:00
شاكر خزعل
شاكر خزعل
هو مؤلّف فلسطيني- كندي ولد في لبنان لينطلق من مخيم برج البراجنة الفلسطيني نحو العالمية في رحلة نجاح تصاعدي أقلّ ما يقال فيها إنها مدهشة. حصد أكثر من جائزة ونال لقب «رجل العام» من مجلة اسكواير البريطانية. صدرت روايته الجديدة «حكاية تالا» أخيراً بالعربية وأطلقها من «ترشيحا» تحيةً لروح جدّه وقضيته التي لا تنام. يمقتُ العنصرية ويعشقُ فنّ النقاش والاستماع الى الآخر ويؤمن بالتكنولوجيا سنداً للكاتب، أما طموحه فلا يعرف الوهن. «الجريدة» التقت الروائي الصاعد ودار معه الحوار التالي.
بعد ثلاثية اعترافات طفل حرب عام 2013 أصدرت روايتك الجديدة «حكاية تالا» واخترت ترشيحا الفلسطينية لإطلاقها مترجمة الى العربية. أخبرنا عن الرواية والفرق بينها والثلاثية وعن زيارتك إلى القرى المهجورة.

«حكاية تالا» مبنية على قصة فتاة سورية، لكنّي غيرت جنسيتها، وتحكي قصّة لاجئة فلسطينية تقوم بهجرةٍ غير شرعية نحو أوروبا، تحديداً ألمانيا، فتقصد تركيا مع زوجها حيث تفقده لتكمل رحلتها وحدها فتقع ضحية الاتجار بالبشر وتصبح فتاة هوى. موضوع يستحق الإضاءة عليه لأنّه جريمة فاللاجئ بالغ الضعف ويصعب استغلاله كضحية. والرواية تظهر تشابه حياة اللاجئين، فاللاجئ الفلسطيني أو العراقي أو السوري يعيش الأهوال نفسها. اللجوء إذاً قضية إنسانية وليس حكراً على شعب دون آخر. واخترت ترشيحا تحيةً لروح جدي الذي عجز عن الرجوع إليها، فيما أعود إليها اليوم لحملي الجنسية الكندية، ثم لرمزية إطلاق رواية عربية من الأراضي المهجورة، في وقت تسعى فيه إسرائيل لإلغاء الهوية العربية. أما الفرق بين الثلاثية والرواية الحالية فهو أنّ الأولى جنحت نحو العمومية بينما اخترت في «تالا» قضيةً واحدة، أي الاتجار بالبشر، وسلّطت الضوء عليها. بالتالي ثمّة نضج ورغبة منّي بانتاج تفاعلٍ عالميّ حول المسألة بطريقة السهل الممتنع. وككاتب في ربيعي الواحد والثلاثين أجزم أنني اكتشفت هويتي الروائية عبر «حكاية تالا».

لماذا تكتب بالانكليزية وليس العربية؟

درست في جامعة يورك الكندية باللغة الانكليزية وكانت قراءاتي حكماً باللغة هذه، كما أنني أسكن في نيويورك. أتمنى طبعاً الكتابة بالعربية ولكن لا أجدني حالياً على قدر المسؤولية تلك. أرتاح بالانكليزية أكثر، وأريد ايصال رسالتي إلى العالم وذلك أسهل بالانكليزية وحين تُرجم كتابي إلى العربية شعرتُ بسعادةٍ لا توصف كوني كنت أقرأ أفكاري بلغتي الأم.

لماذا اخترت هذه الرواية بالذات للترجمة؟

بسبب الاقبال الكبير عليها في الغرب، فقد احتلت المركز الثاني مبيعاً على متجر أمازون وعُرضت في البرلمان البريطاني، وبسبب الطلب المتزايد لتوفيرها بالعربية، ولتواجدي في العالم العربي بشكل أكبر في السنتين الماضيتين، وليقيني بضرورة لفت نظر مجتمعنا العربي- المُصدِّر لظاهرة اللجوء للأسف بسبب حروبه اللامتناهية- بأنّ رحلة اللجوء ليست سهلة بل هي دربٌ شاقّة ومحفوفة بالمخاطر والجرائم.

كفلسطينيّ عاش في مخيم برج البراجنة كيف تقيّم التجربة الفلسطينية بلبنان وهل كانت معاملة اللبنانيين لبني شعبك منصفة؟

اللجوء وضع مأساوي فاللاجئ يعيش في المجهول. وفي حالة الفلسطيني لا يستطيع العودة إلى أرضه، لا بل يعيش في منفى منذ 70 سنة، وفي ظروف صعبة، فهو ممنوع من قصد المدرسة الرسمية أو ممارسة بعض المهن. لا يمكننا لوم اللبناني على ذلك، فقد ترعرعت بين لبنانيين وفي مدارس لبنانية وجدّتي لبنانية واعتزّ بلبنانيتي بقدر اعتزازي بهويّتي الفلسطينية، ولقيتُ أفضل معاملة في هذا البلد الذي لا نستطيع لومه خصوصاً أنّ ظروفه كانت مأساوية: حرب أهلية ومشاكل اجتماعية وما الى ذلك. أكره حين يلوم شخصٌ لبنان على مصائب الفلسطينيين، فلكلّ طرفٍ ظروفه ونظرتنا الى القضايا قد تختلف. ما أكرهه فعلاً هو العنصرية. أشفق على العنصري إلى أيّ طرفٍ انتمى، ولكنّها حالاتٌ فردية لا ينفع معها التعميم. ولن أكذب على حالي بقولي إنّ الفلسطيني لم يخطئ خلال مشاركته في الحرب الأهلية اللبنانية، فهو أخطأ تماماً مثل اللبناني، والاثنان ضحية الحروب والمؤامرات السياسية وتجارة الحرب. وأتمنى اليوم أن نعود إلى روحية الشعب الواحد في بلاد الشام، وأن أشهد معاملة أخرى للفلسطينيّ عبر تفعيل مشاركته في المجتمع، كأن يسمح للأم اللبنانية المتزوجة من فلسطيني إعطاء الجنسية لطفلها، وأن يكون للفلسطيني حقّ التملّك، خصوصاً أنّ القضية الفلسطينية لن تُحَلّ بين ليلة وضحايا، فحرامٌ أن يدفع اللاجئ الفلسطيني ثمن أخطاء سابقة.

فيلم «القضية 23» لزياد دويري يتناول وقوع اللبنانيّ والفلسطينيّ ضحيّةً للمؤامرات السياسيّة كما ذكرت، هل رأيته؟

للأسف لم أره بعد ولكني سمعت آراء طيبة عنه وأنا أحترم أيّ رأي حتى لو كان مناقضاً لرأيي، فأنا مُتيّم بفنّ النقاش وبالاستماع إلى وجهة نظر الآخر.

هل تؤيّد الدعوات الرافضة للتطبيع؟ «القضية 23» مثلاً مُنع من المشاركة بمهرجان الأفلام الفلسطينية لاتهامه بالتطبيع.

سؤال مهمّ. أولاً أمقتُ الفوضى العاطفية في موضوع القضية الفلسطينية. فلنُعرِّف أولاً ما هو التطبيع. اتّهمتُ بالتطبيع لتنظيمي حفلات توقيع في ترشيحا وحيفا وعكا. كيف يتّهمونني بذلك فيما أنا متشبّث بجذوري؟ ثم إنّ مصطلح التطبيع بحدّ ذاته غامض. فليَشرَح لي أيّ قانونيّ أو مثقّف أو سياسيّ الجُرم الذي ارتكبتُه. ثمّ كيف يتّهمون زياد دويري بالتطبيع؟ هذا فنّ وليس جريمة! شخصياً، لا أسمح لأيّ كان بأن يعطيني دروساً في القومية والوطنيّة، فقد تشربت القضية منذ نعومة أظفاري من جدي وتجربتي كفلسطينيّ عاش اللجوء. تخيّلي أن البعض دعاني لإلغاء حفلات توقيعي في المناطق التي ذكرتها لأنّها ضمن الأراضي المحتلة، ولكن البعض هذا نفسه لا يتوانى عن حضور مهرجانات في واشنطن القيّمون عليها اسرائيليون!

صدام الحضارات والغرب

من برج البراجنة إلى تورونتو هل لمست صدام الحضارات الذي تحدّث عنه سامويل هانتنغتون؟ وما الذي وجدته في الغرب وتفتقر إليه في الشرق؟

أجمل ما في المخيّمات الفلسطينية بلبنان استقبالها لمتطوّعين من مختلف الجنسيات، كما أنّ أجدادنا مّروا بأكثر من حضارة فكانوا تحت الاحتلال العثماني، ثم البريطاني، ثم انتقلوا الى لبنان، وبالتالي كنّا على احتكاكٍ بحضاراتٍ مختلفة، لذا لم أشعر بصراع حضارات بقدر ما كان لديّ عطشٌ لفهم المجتمع الذي انتقلت إليه. ما أحبّه في الغرب هو تقبله للرأي الآخر واحترامه للمرأة بمنحها حق اعطاء الجنسية وللطفل بعدم تسجيل مفردة «لقيط» على هويّته مثلاً.

عندك تجارب في التمثيل في بيروت وبفيلم «سكر يافا». هل يستهويك الإنتاج السينمائي؟

التمثيل فنّ جميل وله عالمه وأصوله. أحبّ تجاربي في المضمارين وسأرجع إلى المجال السينمائي لاحقاً، ولكني لا أريد التركيز عليه حالياً. سأوظّف شغفي بالتمثيل لاحقاً، وأنا شخص يدرس خطواته بتأنّ وأصبّ تركيزي كلّه على الكتابة راهناً.

تحلم بتحويل رواياتك إلى عملٍ سينمائي ومَن تختار كممثلين؟

ثمة مفاوضات حول «حكاية تالا». لا أستطيع الإفصاح عن التفاصيل، ولكن الممثل الاميركي ادريان برودي يشبه كثيراً شخصية الكاتب هنري في الرواية، والسوري قيس الشيخ نجيب يشبه زوج «تالا»، وهو صديقٌ عزيز وألهمني كثيراً في رسم روح الشخصية أثناء كتابتي للرواية.

تجول بكتابك بين البلدان العربية وصولاً إلى الباراغوي والاوروغواي واعتمدت «برومو» له بالتعاون مع أستاذ الموسيقى خليل ابو عبيد هل تؤمن بسطوة التسويق والتكنولوجيا؟

التسويق لغة العصر وجسرُ عبور إلى القارئ، وككاتب عليّ إتقانه مثلما أتقن الكتابة، فمن حق كتابي عليّ أن أسوّق له بالشكل المناسب. وعندما يُقال بأنّنا شعبٌ لا يقرأ، أود بكل جوارحي برهنة العكس. كيف أفعل ذلك إن لم أوفّر الكتاب أولاً؟ أما التكنولوجيا فأعشقها حين تُوَظَّف للوصول إلى القارئ. والتعاون مع الاستاذ خليل إضافةٌ للترويج لكتابي الذي هو ابني وسأدلّله قدر المستطاع، وحبّذا لو ألهم أترابي الروائيين العرب على اعتماد أسلوبي.

ماذا تعني لك الجوائز كونك حصلت على «جائزة يورك للتفوق الأكاديمي». هل تحلم بجائزة عربية وممّن تريد استلامها؟

بصراحة أنا احب الجوائز فهي تسوّق العمل، وتبعث فيّ سعادة شبيهة بتلقيّ هدية يوم عيد ميلادي. لا أجمل من التقدير. والجائزة من الوطن ألذّ طعماً. ولي وطنان: لبنان وفلسطين. أيّ جائزة منهما ستُثلج صدري. أما مَن أحبّ بأن يسلّمني الجائزة، فطفلٌ فلسطينيّ لاجئ، فبذلك أعطي أملاً لطفلٍ كنتُ مثله ذات يوم.

روايتك الجديدة خارج دوامة الحرب واللجوء أم انّك أسير هذين الموضوعين؟

استوحي رواياتي من الواقع لأنّي ابن عصري. سأعطيك سبقاً صحافياً لأنّ سؤالك استفزّني إيجاباً وأنا لم أطلع حتى أشدّ المقرّبين إليّ على موضوع روايتي الأخيرة. رواياتي الجديدة خارج ملعبي المعهود، وتدور حول التجنيد الالكتروني لصالح أجهزة المخابرات. لا تدفعيني للإفشاء بمزيد من التفاصيل.

طقوس وهوايات

هل عندك طقوس للكتابة؟

أعشقُ الكتابة في الليل، حين يكون الكل نياماً باستثناء شخصياتي، وأحبّ أحياناً وضع موسيقى خفيفة. أحبّ الموسيقار محلم بركات واليسا ودون ماكلين، كذلك يعني لي المكان الذي أكتُب فيه فمعظم حكاية «تالا» كتبتُها في أريحا، أما كتابي الجديد فأكتبه هنا في ترشيحا وبالتالي الزمان والمكان هما الأهم بالنسبة إليّ.

أحبّ الروائيين الى قلبك؟

قطعاً باولو كويللو فأنا متأثّرٌ بأسلوبه في السرد ورحلة الشخصيات، وأحبُّ ادوارد سعيد وكتابه الأخير Out of Place (خارج المكان).

برنامج تلفزيوني تتابعه باستمرار.

House of Cards وأحب بيار رباط ومنى أبو حمزة عربياً واجنبياً اتابع Late Night Show، وقد أتابع برنامجاً لاهتمامي بالضيف ليس إلا.

ما هي هواياتك غير الكتابة؟

أهوى جمع الطوابع وقيادة السيارة والسفر والمُطالعة، خصوصاً الروايات الصغيرة والسير الذاتية. أحبّ كذلك اكتشاف أماكن جديدة، والنوم والقيلولة، طبعاً حين لا يكون عندي عمل!

غرضٌ وحيد تحمله معك إلى جزيرة مهجورة؟

هاتفي لأنّه قادر على ربطي بالعالم وأستطيع قراءة ومشاهدة ما أشاء عليه، وهو أداةٌ مهمة.

لو لم تكن روائياً ما هي المهنة التي كنت لتمتهنها؟

عالم فضاء فأنا أحبّ اكتشاف عوالم أخرى!

back to top