الأديبة ليلى العثمان... والحداثة

نشر في 20-09-2018
آخر تحديث 20-09-2018 | 00:09
لا شك في أن الكثير منا يشارك الأديبة القديرة ليلى العثمان استياءها من التسطيح والتعجل والارتجال في الكتابة، وكذلك تزاحم غير المؤهلين على موائد الأدب ومجالات النشر، ولكن ألم يُبدِ الأدباء والشعراء والفنانون في فرنسا وإيطاليا وغيرهما نفس الانتقادات ومشاعر الاستياء مع ظهور الفن والأدب الحديث في أواخر القرن التاسع عشر وما بعده، كالتكعيبية والتجريدية والدادية والسريالية واللامعقول؟
 خليل علي حيدر الحداثة، قالت الأديبة ليلى العثمان، "ليست بالشيء الطارئ القادم الآن، فإذا كانت هي الرفض لكل ما هو سائد والخروج على التقليد والتقاليد، فهنا أمثلة عديدة أذكر منها الصعاليك، كانوا كجماعة ضد واقعهم المعيش، والمتصوفة أيضاً رفضوا السلطة الدينية واختاروا العلاقة المباشرة مع الله".

وتساءلت الأديبة: "أي نوع من الحداثة نريد؟ باسم الحداثة أصبح الشعر مشوهاً، والقصة، وانفتح الباب أمام محدودي الموهبة، وحولوا الشعر إلى هلوسات بليدة، لا تمت إلى أدبية وقدسية الشعر بشيء. هناك محاولات غير مكتملة ولا تستند إلى أي أساس متين، عند البعض هي ابتكارات ـ جنونيات، فجّر البعض من خلالها عقده النفسية، فلم يعد الشعر يعبر عن تجربة أو حالة أو موقف، أصبح ممارسة لغوية بحتة، وهناك إصرار على القطيعة مع الماضي، وكأن هناك تصفية حساب ما، فأصبحت الكتابات تفتقر إلى الحرارة والمعاناة".

ما المخرج من هذا كله؟ الحل، قالت السيدة ليلى العثمان، "لابد أن يكون هناك تلاقح بين القديم والحديث، ولابد أن يعبر الأدب عن حالة المجتمع وظروفه، والتعمق في قضاياه، وليس باللجوء إلى الغموض المفتعل، وإلى أشكال فنية مسطحة. عندما عرف هيغل الأدب الرائع الرفيع، عرفه بقوله إنه الواضح العميق والبسيط".

وحذرت من الاكتفاء بالابتكارات والمظاهر اللغوية، ذلك أنه، كما نبهت، "ليس كافياً الاعتماد على اللغة وحدها، فهي مهما كانت مبتكرة وجميلة، ليست العنصر الوحيد الذي يقوم عليه العمل الإبداعي".

هذا عن الحداثة العربية عموماً، ومشاكل البدائية والفجاجة فيها، فماذا عن الحداثة في الثقافة الكويتية؟

أجابت العثمان: "في أدبنا الآن اتجاه كبير إلى الحداثة. هناك حداثة المتمكن وحداثة المتسطح... بعد العدواني والفايز".

بدأت العثمان بالأمثلة الشعرية: "أمثلة أشعار جنة، نجمة، غنيمة، خليفة، دخيل الخليفة، إبراهيم الخالدي، سعدية مفرح، وغيرهم من الشباب خاصة. هناك فكر، قضية، لغة، تصوير لواقع معيش، وعندما أضرب مثلا بالقصة، آخذ وليد الرجيب كنموذج حين كتب القصة القصيرة جداً "اللقطة"، تجد نفسك أمام عمل إبداعي حديث، لكنه بلا تركيبات معقدة أو غموض موحش أو عبث باللغة.

وأجملت العثمان تقييمها للحداثة بالقول: "إن كانت الحداثة تعني الهلوسة فأنا أرفضها، هذه كتابات لن تعيش طويلاً، ولن يكون لها مكان في ثقافتنا".

ودعت الأديبة العثمان إلى توسيع مساحة ومفهوم الثقافة الكويتية "عندما نقول الثقافة الكويتية، فلا يجب أن نحصرها في حدود القُطر، الثقافة الكويتية جزء من الثقافة العربية، وما يطرأ على الثقافة العربية سواء إن كان هذا في سنوات الازدهار أو الانكسار، سيكون له انعكاس على ثقافتنا الكويتية، وكما بدأت الثقافة العربية برموزها الكبيرة بدأت في الكويت هكذا منذ إنشاء النادي الأدبي عام 1924، حينما بدأت رموز ثقافية، كما أن الأدب في الوطن العربي بدأ كلاسيكياً، كذلك بدأ في الكويت وكما تطورت جوانب الثقافة العربية في الوطن الممتد، فِإنها بالضرورة تتطور في الكويت وبالأحرى أدباء الكويت، كانوا أكثر احتكاكا بالثقافة العربية وساعد على ذلك وجود العنصر العربي الذي أتى للكويت منذ بداية عصر النفط. جاءت إلى هنا خبرات كبيرة من مثقفين ومبدعين وغيرهم. وكان لهؤلاء دور مهم وفعال في عملية تنشيط الأدب والحركة الثقافية بما أن الكويت بلد ديمقراطي انفتح منذ البعيد على معظم ثقافات العالم، كما أن الإنسان الكويتي يتمتع بسيرة جيدة في حبه وإقباله على الأسفار والرحلات واطلاعه واحتكاكه بكثير من الأجواء الثقافية العربية والأجنبية".

واستنتجت الأديبة العثمان من هذا التاريخ والانفتاح الثقافي والسياسي والسياحي أن الثقافة الكويتية ليست بعيدة عن الحداثة، فالشاعران العدواني ومحمد الفايز بدأ بهما الشعر الحداثي في الكويت، في مرحلة كان الشعر الكلاسيكي هو السائد، وكان المجتمع لا يتقبل أي جديد يطلق عليه الحداثة، وفي الرواية والقصة بدأ إسماعيل فهد إسماعيل، ولا ننس الدويري الذي استطاع كسر حدة السائد في ذلك الوقت من قص رومانسي وأساليب نمطية.

وأشارت الأديبة إلى مجال الفن التشكيلي في الكويت، وتعايش القديم والجديد فيه. "فبينما لا يزال للفنانين الكلاسيكيين حضورهم وعلى رأسهم الفنان أيوب حسين، إلا أن الفن التشكيلي تطور بسرعة مذهلة. في النهاية أود أن أقول إن الثقافة الكويتية ليست محنطة أو متحجرة، بل لها أقدام وأجنحة كما للثقافة العربية".

هل كانت الأديبة الكبيرة تخلط بين "المعاصرة" في هذه المداخلة الصحفية وبين "الحداثة"؟ وهل هما شيء واحد؟

ألا يؤكد الروائي إسماعيل فهد إسماعيل أن الحداثة "تيار فلسفي" بمعنى أنها مدرسة فكرية أو فلسفية، لا مجرد تطور أو تجديد وتنويع، أو جري للحاق بالعصر؟!

وقد نتساءل ونحن نستعرض عطاء الأدباء العرب والشعراء الكويتيين والفنانين، هل تبنوا كذلك قيم الحداثة، وهم يبدعون أعمالهم، أم أنهم انساقوا بعض الوقت لشيطان الشعر... وعفريت الرواية... دون "الشياطين" الأخرى؟!

ولا شك أن الكثير منا يشارك الأديبة القديرة استياءها من التسطيح والتعجل والارتجال في الكتابة، وكذلك تزاحم غير المؤهلين على موائد الأدب ومجالات النشر... ولكن ألم يُبدِ الأدباء والشعراء والفنانون في فرنسا وإيطاليا وغيرهما نفس الانتقادات ومشاعر الاستياء مع ظهور الفن والأدب الحديث في أواخر القرن التاسع عشر وما بعده، كالتكعيبية والتجريدية والدادية والسريالية واللامعقول؟

ومن منا نسي النكتة التي راجت عن "بيكاسو والحرامي" مثلاً، حيث قيل إن الرائد البارز للفن الحديث بيكاسو اشتكى للشرطة سرقة بعض لوحاته، واستجابت الشرطة، وطلبت منه صورة تقريبية للص بعد أن طمأنهم الفنان الكبير إلى أنه قام برسم صورة للحرامي. وكانت النتيجة، تقول النكتة، إلقاء القبض على الكثير من السلالم وعلب السردين والمفاتيح والصفائح المثقوبة واللمبات الكهربية!

ألم تكن الكثير من أعمال الأدب والفن الحديث وبعض اللوحات الخالدة اليوم مجرد أعمال غريبة لا علاقة لها بالفن والأدب؟

نحن في اعتقادي حائرون في مقاييس الإبداع والجمال والفن ربما أكثر بكثير مما نعتقد!

back to top