التعليم في الدول الهشة

نشر في 19-09-2018
آخر تحديث 19-09-2018 | 00:00
في البلدان المحدودة الدخل فإن تسعة من بين كل عشرة شباب يفتقدون المستوى الأساسي من الكفاءة المرتبطة بالتعليم الثانوي، وذلك فيما يتعلق بمجموعة واسعة من المهارات الأساسية، والتي تمتد من معرفة القراءة والكتابة والتفكير النقدي إلى الرياضيات وحل المشاكل.
 بروجيكت سنديكيت في وقت لاحق من هذا الشهر، ستقوم مؤسسة بيل وميليندا غيتس بنشر تقريرها السنوي المتعلق بتقييم التقدم الذي تم إحرازه تجاه تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ومن النتائج المتوقعة للتقرير ترجيح أنه بحلول سنة 2050 فإن 90 في المئة من الفقر العالمي تقريبا سيكون مُركزا في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى وأن ثلثي الناس الأكثر فقرا في العالم سيعيشون في عشرة بلدان فقط.

إن القدرة على تحديد مناطق التنمية البشرية الساخنة – والتي نطلق عليها البلدان التي تخلفت جدا عن الركب- يجب نظريا أن تسهل عملية تطبيق الحلول، ولكن لسوء الحظ فإن بعض وكالات المساعدات عادة ما تتجنب الدول الهشة بسبب الخوف من تضييع مواردها وحاليا فإن أقل من ربع برامج التنمية لدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية مخصصة للبلدان التي تخلفت جدا عن الركب.

لكن تصور أن الضعف ينذر بالفشل هو تصور خاطئ فمع وجود تخطيط كاف، فإنه من الممكن تنفيذ المشاريع حتى في الأماكن التي تنطوي على أكبر قدر من المخاطرة، والأفضل من ذلك كله هو أننا نعرف أين نبدأ وهو الاستثمار في المزيد من رأس المال البشري لاسيما في التعليم.

طبقا لتقرير تقييم التقدم الذي تم إحرازه تجاه تحقيق اهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة فإن عدد الأطفال الذين التحقوا بالمدارس الابتدائية في إفريقيا زاد من 60 مليون سنة 2000 الى حوالي 250 مليون اليوم، ومعدل النمو كان متساويا بين الأولاد والبنات ولكن بينما هناك المزيد من الأطفال يذهبون للمدرسة فإن جودة التعليم ما تزال غير متساوية، والتحدي الآن هو التحقق من أن جميع الأطفال بما في ذلك اولئك الذين التحقوا بالمدارس وفي جميع الصفوف يتعلمون كامل نطاق المهارات التي يحتاجون اليها حتى يحققوا النجاح في المستقبل.

حتى نعطي الشباب أفضل فرصة للنجاح يجب أن تكون بداية ونهاية التعليم الابتدائي – التعليم المبكر للأطفال والتعليم الثانوي – قوية فالتعليم المبكر للأطفال يساهم في إعداد الأطفال للتعليم الابتدائي عن طريق تعليمهم التعاون والمثابرة وضبط النفس وغيرها من المهارات الضرورية. إن سنوات التكوين تلك هي حيوية جدا لتعليم الأطفال وذلك لأنه طبقا لليونسكو فإن اكثر من نصف الأطفال والمراهقين على مستوى العالم لم يطوروا المهارات التأسيسية اللازمة لاكتساب العلوم طوال حياتهم.

وعلى الجانب الآخر فإن التعليم الثانوي يساعد المراهقين على الاستعداد لسوق العمل ومن أجل النجاح على هذا المستوى، ينبغي على الطلاب تحقيق الحد الأدنى من الكفاءة في القراءة والرياضيات والعديد من المهارات غير المعرفية ولكن حتى في هذا الجانب أيضا فإن النتائج التعليمية مخيبة للآمال وفي البلدان محدودة الدخل فإن تسعة من بين كل عشرة شباب يفتقدون للمستوى الأساسي من الكفاءة المرتبطة بالتعليم الثانوي وذلك فيما يتعلق بمجموعة واسعة من المهارات الاساسية والتي تمتد من معرفة القراءة والكتابة والتفكير النقدي إلى الرياضيات وحل المشاكل وفي منطقة جنوب الصحراء الإفريقية وحدها فإِن هناك ما يقدر بمئتي مليون شاب (حوالي 90 في المئة من أعداد الطلبة في المرحلة الابتدائية والمرحلة الثانوية الدنيا) غير قادرين على قراءة نصوص أساسية.

إن المختصين في التنمية يعلمون أن التعليم الجيد هو بمثابة نقطة تحول للطلاب والعائلات والمجتمعات والبلدان حيث وجدت احدى الدراسات سنة 2008 أن جودة النظام التعليمي في بلد ما – والقدرات المعرفية لخريجي ذلك النظام التعليمي – تؤثر بشكل إيجابي على النمو الاقتصادي، وهذه الحقيقة وحدها يجب أن تكون كافية لإقناع الدول الهشة والجهات المانحة لها على الاستثمار في توسيع إمكانية الحصول على تعليم جيد.

لكن هناك المزيد من الفوائد غير المباشرة، وخاصة بالنسبة للنساء والفتيات، فبادئ ذي بدء فإن النساء الأكثر تعليما يقمن بتأخير الحمل وعادة ما يخترن أن يكون حجم العائلة لديهن أصغر. إن خبراء التنمية والسكان وأنصار التعليم يقرون بأنه في العديد من أجزاء العالم فإن تمكين المرأة يتناسب مع حجم العائلة، فعلى سبيل المثال وجدت أبحاثنا أن النساء اللاتي لم يذهبن الى المدرسة على الاطلاق سينجبن في المعدل 4-5 أطفال مقارنة بالنساء اللاتي أمضين في المدارس ما لا يقل عن 12 سنة.

إن زيادة الفرص التعليمية للبنات ستفيد أيضا الكوكب، فلقد توقع تحليل المعهد الدولي للأنظمة التطبيقية أنه لو أكملت كل فتاة في العالم التعليم الثانوي فإن معدلات الخصوبة ستهبط وسيتباطأ النمو العالمي للسكان بشكل كبير وذلك بمقدار ملياري شخص بحلول سنة 2045 وأكثر من خمسة مليارات إنسان بحلول سنة 2100. إن هذا التباطؤ سيكون أكبر لو كان باستطاعة ما يصل الى 214 مليون امرأة على مستوى العالم، واللاتي يردن تجنب الحمل ولكن لا يستطعن الحصول على وسائل منع الحمل أن يحصلن على خدمات تنظيم الأسرة علما أنه ليس من المصادفة في شيء أن العديد من هؤلاء النسوة يعشن في بلدان تلتحق فيها أعداد أقل من الفتيات بالمدرسة مقارنة بالأولاد.

إن التعليم وتنظيم الأسرة معا يمكن أن يترجما إلى تخفيض بمقدار 120 جيجاتون في انبعاثات ثاني اكسيد الكربون خلال العقود الثلاثة المقبلة حيث هناك أعداد أقل من البشر يستهلكون موارد أقل، وعليه لم يكن من المفاجئ أن يعتقد علماء البيئة مثل بول هاوكن ان التعليم- وخاصة تعليم الفتيات على وجه الخصوص – هو من بين الخطوات الأكثر تأثيرا التي يمكن أن يتخذها العالم لمكافحة التغير المناخي.

إن التقرير السنوي لتقييم التقدم الذي تم إحرازه تجاه تحقيق اهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة يذكرنا بأن العالم سيبتلى بقضايا مثل انعدام المساواة بين الجنسين وسوء التغذية والعنف وانعدام الاستقرار السياسي لعقود قادمة. لا توجد حلول تمتاز بنفس فعالية حل التعليم الجيد ولو وجهت الدول الهشة والجهات المانحة الدولية المزيد من الموارد لتعزيز الأركان الثلاثة للتعليم –المبكر والابتدائي والثانوي- فإن البلدان التي تخلفت جدا عن الركب ستحظى أخيرا بفرصة ان تلتحق بالركب مجددا.

* هومي خاراس وربيكا وينثروب

* خاراس نائب الرئيس والمدير المؤقت لبرنامج الاقتصاد العالمي والتنمية في معهد بروكنغز، أما وينثروب فهي زميلة تنفيذية ومديرة مركز التعليم العالمي في "بروكنغز".

"بروجيكت سينديكيت، 2018" بالاتفاق مع "الجريدة".

في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية وحدها هناك نحو ـ200 مليون شاب غير قادرين على قراءة نصوص أساسية
back to top