كلا الأخوين...

نشر في 18-09-2018
آخر تحديث 18-09-2018 | 00:16
 حسن العيسى الخصخصة هنا لا تعني نقل ملكية خدمة وإدارتها من القطاع العام إلى الخاص، بل تعني في مثل دولة الريع الفاسدة: نقل القمامة وسوء الخدمة من الجهاز العام إلى الخاص، فالفساد والمحسوبية اللذان كانا مكرسين في معظم أجهزة القطاع الحكومي يتم تحويلهما كاملين إلى مؤسسات متنفذة في القطاع الخاص، وتكون تلك الشركات والمؤسسات بدورها قبضت سلفاً "المعلوم" (في الغالب) من المناقصة أو الممارسة، التي من المرجح أن تكون مُفصَّلة على مقاس "المحاسيب" من جماعات مافيا "إن حبتك عيني...".

تلك المؤسسات المحتكرة للخدمة العامة، حسب "تفويض" الدولة لها، لا يهمها، ولن تكترث لنوعية الخدمة وسوء إدارتها، فلا توجد إدارات محاسبة يمكنها أن تنقل شكوى المواطن والمقيم إلى تلك المؤسسات الخاصة، وإنْ وُجدت -مثل "حماية المستهلك"- فهي عادة ما تكون أضعف من أن تتخذ إجراءً حاسماً تجاه تلك المؤسسات الخاصة لسوء خدمتها، فتلك بدورها، وبحكم حالة الاحتكار التي فوضتها الدولة لها، تمارس نوعاً من أعمال "السيادة" غير القابلة للمساءلة بصفة عامة، وبالتالي يكاد يكون ضرباً من المستحيل مساءلتها قانوناً، فإثبات شرطي الضرر أو المصلحة أمام المحاكم لمَن يفكر في رفع دعوى المسؤولية على تلك المؤسسات يعد شبه مستحيل؛ لصعوبة الإثبات، أو قد يمتد الزمان في نظر الدعوى عقوداً طويلة، يَرحَل خلالها صاحب الشكوى إلى عالم الفناء، والدعوى مازالت في مرحلة الإعلان القضائي!

قبل سنتين تقريباً، حسب ما أذكر، طرق بابَ منزلنا في منطقة مشرف عمال شركة خاصة، وقالوا إنه سيتم تركيب خدمة الفايبر للإنترنت، ولا بد من تكسير "بوكس التلفون" الخارجي، ففرحنا ببشرى تركيب "الفايبر"، للتخلص من سوء وبطء خدمة شركات الإنترنت، ويا فرحة ما تمت، كُسِر "البوكس"، وتُرِك على حاله مفتوحاً محطماً، مثل أنف أبي الهول في أهرامات الجيزة، شهوراً ممتدة.

قبل أيام، تم تكرار السيناريو الفائت، عمال يستأذنون لحفر الأرض، لأن "بايب التلفون وكيبل الفايبر" مغلقان بسبب فساد مقاول التركيب الأول، حسب قول مندوب الشركة، ويتم الحفر والتكسير وتركيب "بايب" جديد دون كيبل لنقل الخدمة، وتُترك الأمور لحالها ولزمن اليأس والنسيان!

اتصلت بتلفون خدمة الشركة، فيأتي رد الجهاز الآلي سريعاً: إذا كنت تريد الشكوى اضغط رقم 2 أو 3 أو صفراً إذا كنت صفراً مسبقاً في عالم الخدمات الكويتي، وتسمع موسيقى حالمة وقتاً طويلاً... لكن لا يوجد بشر يردون أو يكترثون، فأصحاب السيادة قبضوا المعلوم... وماذا يهم إن وصلت لك خدمة الفايبر أو لم تصل؟! ومَن يكترث، أيضاً، إن فُتِح مستشفى جابر أو مجمع الجهراء الطبي أو تُرِكا كمجمعات أسمنتية تشهد على مفهوم الحضارة الخليجي؟ ومَن يكترث إن قدمنا خطوة واحدة لخطة كويت 2035 أو حُفِظت الخطة في درج اللامبالاة؟ فهناك هموم كبرى لمؤسسات الدولة وملحقها التابع في القطاع الخاص، مثل أوراق تائهة في روايات محرمة تنقض وضوء الصالحين، أو مجسدات "3 دايمنشن" التي تنافس في ربوبيتها الصنمية اللات والعزى، ولا عزاء في النهاية لمستقبل الأجيال ولأحلامنا التي قبرت بمعاول إدارة الحصافة في الدولة... وتظل تتأمل طويلاً في مثل "كلا الأخوين..."، لكنك لا تستطيع أن تحدد ذات شهاب الدين، هل كان هو الأب في القطاع العام... أم كان من ذريته وورثته الطالحين في القطاع الخاص؟!

back to top