الثقافة، الموسيقى والأصنام

نشر في 18-09-2018
آخر تحديث 18-09-2018 | 00:05
 ناصر الظفيري المشهد الأول:

تنشر صحيفة محلية أو أكثر تفاصيل اغتصاب طفلة ما من قبل وحوش بشرية في إحدى مناطق الكويت. تستمر الصحيفة بمتابعة القضية، ونشر اعترافات المتهمين مفصلة عن كيفية عملية الاغتصاب على مدى فترة محاكمة هذه الوحوش البشرية، وربما يتخلل ذلك لقاءات مع ذوي الطفلة.

المشهد الثاني:

يستغل كاتب قصة قصيرة هذه الحادثة، ويقوم باقتباسها في عمل أدبي، ربما أقل في تفاصيله عن تلك التي نشرتها الصحيفة. يستخدم الكاتب في عمله لغة أدبية ووصفا خياليا للحادثة، على العكس من الصحيفة، التي تعتمد على المباشرة والتقريرية.

ما يحدث هو أن يسمح للصحيفة بنشر عملها دون أن تتعرَّض للمساءلة من وزارة الإعلام وإدارة الرقابة فيها، في حين يتم منع قصة الكاتب، ورفع قضية عليه، بحجة خدش الحياء العام، وأعذار أخرى تعرِّضه للمحاكمة والغرامة والسجن أحيانا.

تلك ليست قصة خيالية، بل حادثة حقيقية حصلت للسيدة ليلى العثمان، التي حُوكمت في قضية مشابهة، وتمَّت إدانتها وتغريمها.

في كثير من الأحيان ما يفعله الأديب هو جمع تفاصيل حوادث متفرقة تنشرها وسائل الإعلام، فيتعرَّض هو للعقاب، بمنع كتابه، أو محاكمته على جمع تلك التفاصيل والأحداث في عمل واحد.

لا يوجد مبرر يقنعنا بأن منع الكتب، المحلية بالذات، هو خوف على أخلاقيات المجتمع وعلى وحدته الوطنية، في الوقت الذي تنشر وسائل مختلفة اليوم تفاصيل أكثر حدة مما ينشر في الكتب. تقوم الرقابة بمنع أي كتاب أو رواية تجد فيه كلمة "بدون" أو معاناتهم، رغم ما يُنشر كل يوم عن هذه المعاناة وتفاصيلها.

السؤال المهم هو لماذا كل هذا الخوف من كتاب ورقي يشبه في محتواه ما يُنشر من تفاصيل يومية عن أحداث يعيشها المجتمع؟ لا أملك سوى إجابة واحدة: إنه الخوف من التاريخ. فالكتاب سيبقى شاهدا على عصره، وذلك هو ما تخافه الأنظمة.

***

هناك أصوات تطالب اليوم بمنع حصة الموسيقى، كما طالبت من قبل بمنع حصص الفلسفة، فالأولى تهذب النفس، والثانية تشحذ العقل وتثير الأسئلة. وهما عملان لا يجدان مساحة في الفكر المتشدد، والذي يصر على نوع واحد من التفكير والقراءات. لم نعرف في يوم ما أن طالبا موهوبا في الموسيقى ارتكب عملا انتحاريا في مسجد يصلي فيه الناس، معتبرا ما يقومون به يعارض عقيدته الموسيقية، لكننا شاهدنا الكثير من الشباب الذين تربوا تحت كنف دعاة التكفير والتشدد قاموا بذلك وأكثر من ذلك بشاعة.

الموسيقى، بالإضافة إلى كونها علما، هي مادة تتعلق بمشاعر الناس وأحاسيسهم، وتبعث في النفس رقة ومحبة. الذين يطالبون بمنع الموسيقى عليهم أن يطالبوا وزيرهم، المتعاطف جدا معهم، بإلغاء جميع برامج الإذاعة والتلفزيون التي تقدم فنونا شتى، ابتداء من الربابة، وانتهاء بصوت السيدة.

***

قام الفنان التشكيلي سامي محمد بجهد كبير في صناعة تمثال نصفي للشيخ عبدالله السالم، وبعد اعتباره صنما تم منعه من أن يوضع في أي ميدان عام. بقي التمثال في مبنى جريدة الرأي العام القديم، ولا أعرف ماذا حلَّ به. في زمن سابق كانت تفرض علينا محرمات، كالتصوير مثلا، ويقتنع الناس بالتحريم، ويلتزم الكثير منهم به، ثم يفاجأ الناس بتحليل ما حرم سابقا، ويلتزمون به، دون أن يعرفوا سبب التحريم والتحليل.

المطالبة اليوم بمنع صنع تماثيل شخصية تقع تحت هذا المقياس، فالكل يعلم أن هذه التماثيل ليست أصناما، طالما أنها لم تُصنع لغرض عبادتها. لقد عثر المسلمون الأوائل منذ عهد عمر بن الخطاب على تماثيل كثيرة لم يتم هدمها، فهل أنتم أكثر حرصا منه؟

back to top