الاقتصاد العالمي بعد عشر سنوات من الأزمة المالية

نشر في 17-09-2018
آخر تحديث 17-09-2018 | 00:00
طبقاً لحساباتي فإن الصين ساهمت بشكل أكبر في النمو العالمي خلال هذا العقد مقارنة بالعقد الماضي، إذ تضاعف الناتج المحلي الإجمالي فيها ثلاث مرات تقريباً، من 4،6 تريليونات دولار في نهاية 2008 إلى نحو 13 تريليوناً اليوم، وهذا المبلغ الإضافي الذي يصل إلى 8 تريليونات يمثل أكثر من نصف الزيادة في ناتجها خلال العقد المنصرم.
 بروجيكت سنديكيت سوف يقال الكثير عن الذكرى العاشرة للأزمة المالية لسنة 2008 ولكني سوف أركز على الاقتصاد العالمي والذي لا يعد بالضعف الذي يظنه الكثيرون.

طبقا لصندوق النقد الدولي فإن معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي الحقيقي (والمعدل على اساس التضخم) كان حوالي 3.7 في المئة من سنة 2000 حتى 2010 وكان يمكن ان يصل الى حوالي 4 في المئة لولا ما يطلق عليه الركود العظيم، وعلى النقيض من ذلك فإن معدل النمو السنوي في هذا العقد حتى الآن وصل إلى نسبة 3.5 في المئة وهو أقل بقليل من المعدل المتوسط في العقد الماضي ولكن فوق معدل 3.3 في المئة في الثمانينيات والتسعينيات. طبقا لحساباتي فإن الصين ساهمت بشكل أكبر في النمو العالمي في هذا العقد مقارنة بالعقد الماضي حيث تضاعف الناتج المحلي الإجمالي فيها بمقدار ثلاث مرات تقريبا وذلك من 4.6 تريليونات دولار في نهاية سنة 2008 إلى حوالي 13 تريليوناً اليوم، وهذا المبلغ الإضافي الذي يصل إلى 8 تريليونات دولار يمثل أكثر من نصف الزيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي خلال العقد المنصرم.

لقد كنت ولفترة طويلة أعزو الأزمة إلى الاختلالات ضمن وبين الولايات المتحدة الأميركية والصين، وهما صاحبتا الاقتصادين الأكبر في العالم، وبينما كان عجز الحساب الجاري الأميركي يقترب من 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في 2008 (وقريباً من 7 في المئة في بعض الفترات من 2007) فلقد كانت الصين تحتفظ بفائض كبير في الحساب الجاري يصل الى ما يزيد على 9 في المئة.

بعد الأزمة، توقعت أن تستبدل الولايات المتحدة الأميركية والصين الأماكن إلى حد ما خلال العقد التالي فالصين كانت بحاجة إلى ان تدخر أموالا أقل وتنفق المزيد والولايات المتحدة الأميركية كانت بحاجة إلى أن تدخر أموالا أكثر وتنفق أموالا أقل، واليوم إذا نظرنا لحساباتهما الجارية فسنجد أن كلا البلدين قد حققا تقدما كبيرا، لقد انخفض الفائض الصيني سنة 2018 الى حوالي 5-1 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو رقم جيد، نظرا لان الناتج المحلي الإجمالي في الصين قد زاد بأكثر من الضعف منذ 2008، ومن المثير للإعجاب كذلك ان يصل العجز في الولايات المتحدة إلى 2،5-2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهي نسبة ضمن نطاق 3-2 في المئة والتي يعتبرها الكثير من الاقتصاديين قابلة للاستدامة.

لكن المؤشرات العالمية الأخرى ليست مشجعة، ففي سنة 2008 كان العجز في الحساب الجاري في منطقة اليورو 1.5 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي مع تسجيل ألمانيا لفائض يصل لحوالي 5.5 في المئة، ولكن الفائض الألماني الكبير كان يعود إلى حد كبير لحالات العجز الضخمة في دول منطقة اليورو الأخرى، وهذا الاختلال أدى إلى أزمة اليورو بعد 2009. إن ما يثير القلق أن فائض ألمانيا قد ارتفع بشكل كبير ليصل الى حوالي 8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وكنتيجة لذلك فإن منطقة اليورو الآن لديها فائض يصل إلى 3.5 في المئة، على الرغم، وربما بسبب سنوات من الطلب المحلي الضعيف في الدول الأعضاء المطلة على البحر الأبيض المتوسط. ومن المؤكد ان هذا مؤشر على مزيد من انعدام الاستقرار في المستقبل، وفي واقع الأمر فإن الأزمة التي تختمر بشكل بطيء في إيطاليا قد تنذر بما ينتظر هذه الكتلة في قادم الأيام.

كان من الملامح المهمة للاقتصاد قبل وقوع الأزمة المالية الفقاعة الإسكانية الأميركية والتي نتجت عن قيام القطاع المالي باختراع طرق معقدة (ومشبوهة) من أجل إعادة تدوير المدخرات العالمية، وبعد عقد من الزمان من الجدير ذكره أن أسعار المنازل في العديد من الأماكن مثل لندن ونيويورك وسيدني وهونغ كونغ هي اسعار لا تستطيع إلا أقلية صغيرة من سكانها الدائمين تحمل نفقاتها، وذلك بسبب زيادة الطلب من المستثمرين الأثرياء بالخارج.

لكن ابتداء من هذه السنة فإن هناك إشارات متزايدة على أن أسعار المنازل في تلك المدن وغيرها قد بدأت بالتراجع وهذا ربما يعكس الإجراءات التي اتخذتها الحكومات المحلية من أجل توفير السكن بأسعار معقولة لمواطنيها ولكن يمكن ان يشير كذلك إلى ان المشترين الجدد من الأثرياء قد أصبحوا أقل بكثير. من المؤكد أن الانحدار التدريجي لأسعار المنازل في تلك المدن سيكون تطورا جيدا بالنسبة للمساواة الاقتصادية والاجتماعية، ولكن من الصعب جدا أن تجد فترة زمنية لم يؤد فيها الهبوط في أسعار المنازل إلى أعراض جانبية ضارة.

والآن وبعد أن أصبحت رئيسا لمؤسسة تشاتم هاوس، فأنا حريص على تشجيع المزيد من الأبحاث فيما يتعلق بكيفية تأثير عوامل مثل التكلفة الإسكانية على قضايا أكبر تتعلق بانعدام المساواة في الثروة والدخل وبالنسبة لي فإن العالم بحاجة لمقاييس أفضل بكثير من أجل اكتشاف ذلك الترابط. فعلى سبيل المثال، من الواضح أن انعدام المساواة المتعلق بالثروة قد زاد بشكل أكبر بكثير من انعدام المساواة المتعلق بالدخل خلال العقد المنصرم، حيث لعب الارتفاع السريع في أسعار الإسكان في المناطق الحضرية دورا مركزيا في هذا الخصوص وفي العديد من الدول المتقدمة بما في ذلك المملكة المتحدة، إذ إن انعدام المساواة الاقتصادية مشكلة خطيرة، ولكن بالنسبة للدخل فإن آخر البيانات تشير إلى أن انعدام المساواة قد انخفض إلى مستويات الثمانينيات (التي لا تزال مرتفعة جدا).

إن التصورات الشائعة المتعلقة بانعدام المساواة عادة ما تميل إلى تضخيم الأمور، وهذا بسبب أن العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين في الشركات يكسبون بشكل متزايد مبالغ ضخمة جدا مقارنة بالعمال الذين يعملون لديهم، ومثل هذه الأجور والمزايا يجب ان يتم ترشيدها في سياق أداء سعر الأسهم ولكن هذا بالكاد يجعلها مبررة.

قضية أخرى آمل أن ندرسها في "تشاتم هاوس"، وهي أن التحسن الغريب في أسعار الأسهم والمستمر بدون انقطاع تقريبا منذ 2009 كان المحرك وراءه إلى حد كبير قيام الشركات الكبيرة بإعادة شراء أسهمها، وفي بعض الحالات المهمة قامت الشركات بالاستدانة لتمويل إعادة شراء تلك الأسهم.

هل الانتشار المتزايد لعمليات إعادة الشراء يفسر لماذا بقي الاستثمار الثابت والإنتاجية ضعيفين جداً في طول الغرب وعرضه؟ وهل يمكن لهذه العوامل الاقتصادية الكلية أن تفسر بعضا من الاضطرابات السياسية في الديمقراطيات الغربية مثل المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية في السنوات الأخيرة؟ بالنسبة لهذين المسألتين، أعتقد أن الإجابة هي نعم، وما لم نستطع استعادة عالم تخدم فيه الأرباح التجارية هدفا معينا، فإن احتمالية حصول المزيد من الصدمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ستبقى مرتفعة بشكل لا يطاق.

* جيم أونيل

* رئيس سابق لإدارة الأصول في "غولدمان ساكس"، ووزير سابق للخزانة في بريطانيا، ويعمل حاليا رئيساً لـ "تشاتم هاوس".

"بروجيكت سنديكيت – 2018" بالاتفاق مع "الجريدة"

من ملامح الاقتصاد قبل وقوع الأزمة المالية الفقاعة الإسكانية الأميركية بعد اختراع القطاع المالي طرقاً معقدة ومشبوهة لإعادة تدوير المدخرات
back to top