أزمة الهوية الوطنية تجعل أميركا أقرب إلى الشرق الأوسط

نشر في 16-09-2018
آخر تحديث 16-09-2018 | 00:00
 ذا هيل غزت الولايات المتحدة العراق عام 2003، مدعيةً أنها ستستبدل صدام بنظام ديمقراطي معتدل، وبعد 15 سنة، ما زال هذا الهدف بعيد المنال، فقد تغلب العراق أخيراً على اعتداء شنه تنظيم داعش وشمل احتلالاً مطوّلاً لمدينة الموصل الشمالية. كذلك لن تؤدي الانتخابات البرلمانية في مايو إلى حكومة فاعلة، أما النفوذ الأجنبي الأبرز في هذا البلد، فلا يعود للولايات المتحدة بل لإيران. تقوم مشكلة العراق على غياب أي شعور بهوية وطنية شاملة، فما من هوية تُدعى العراق يتمسك بها المواطنون، ليفضلوها على مجموعتهم الإثنية، أو طائفتهم، أو منطقتهم، أو قبيلتهم.

ويُعتبر العراق مثالاً لإخفاق الدولة الناجم عن ضعف الهوية الوطنية، وفي الشرق الأوسط عانت سورية، وليبيا، والصومال، وأفغانستان حروباً أهلية نتيجة سياسات هوية خرجت عن السيطرة. أخبرني سياسي عراقي مخضرم أن الأميركيين، بعد غزو 2003، راحوا ينصحون العراقيين باستمرار بوضع خلافاتهم الطائفية والإثنية جانباً، والسعي وراء وحدة وطنية أكبر. واليوم، يرمي هذا السياسي بإغاظة هذه النصيحة ذاتها في وجه الأميركيين. بدل "أمركة" الشرق الأوسط، يرى هذا السياسي أن الولايات المتحدة اكتسبت تدريجياً "طابعاً شبيهاً بالشرق الأوسط"، فانقسام المجتمع الأميركي حاد جداً، حتى بات الحزبان الجمهوري والديمقراطي أقرب إلى قبيلتين متحاربتين. يبدو أن عدداً كبيراً من الجمهوريين يعتبر الولاء لترامب أكثر أهمية من التزامهم بحكم القانون أو الحفاظ على الديمقراطية، أما الحزب الديمقراطي، فابتعد عن الائتلافات الواسعة التي تستند إلى الطبقات الاجتماعية، مثل الصفقة الجديدة والمجتمع العظيم، ليروّج لهوية عناصر المجموعات التي يتألف منها: النساء، الأميركيين المتحدرين من أصول إفريقية. من السهل القول إن الولايات المتحدة تتحول إلى دولة شرق أوسطية، ولكن من المفرح أننا ما زلنا بعيدين جداً عن معدلات الكره العنيف الذي يبرز في العراق أو سورية. وقد بدت الهوية العقائدية واقعاً ثابتاً قبل بروز ترامب، لكن هذا الرئيس منح شرعية لجيل جديد من أنصار حركة الهوية، الذين يسعون إلى إعادة البلد إلى التعريف الإثني لمعنى كلمة "أميركي". لكن تلك الهوية تصطدم أيضاً بتحدٍّ بين اليساريين الذين يعتقدون أنه لا داعي لدمج المهاجرين في هذه الهوية الشاملة أو مَن يظنون أن هذه الأخيرة ترتبط بالضرورة بالتعصب والاستبعاد. يمكننا تعزيز الهوية العقائدية بالطريقة التي نعلم بها الشبان التربية الوطنية، كذلك نستطيع تدعيمها من خلال برنامج للخدمة الوطنية يقوم على فكرة أن المواطنين ليسوا أصحاب حقوق فحسب، بل عليهم أيضاً واجبات تلزمهم بدعم الخير العام. وفي نهاية المطاف، فإن الهوية الوطنية تُعزَّز من خلال القصص التي يرويها الأميركيون عن أنفسهم وما إذا كانت تشدد على ما يجمعهم بقدر تركيزها على ما يفرقهم. لم تُعطَ هذه الرواية التكاملية الأولوية في الكثير من دول الشرق الأوسط. وها هي تدفع الثمن اليوم!

* "فرانسيس فوكوياما*

"

back to top