أمال معوّض فرنجية: «عذراء الروح» يعكس شخصيتي من دون خجل

• «الأمومة عزَّزت تجربتي الشعرية وزادتها رقة ورقياً»

نشر في 06-09-2018
آخر تحديث 06-09-2018 | 00:00
أمال معوّض فرنجية
أمال معوّض فرنجية
رغم أنها تعيش في عصر تغلب عليه المادة، فإن الشاعرة أمال معوض فرنجية استوطنت الروح وجعلت منها عالمها الذي تتحرّك في وسطه بحرية، وتعبر عن مكنوناتها بشفافية، وذلك دفعها إلى عنونة ديوانها الصادر حديثاً «عذراء الروح» في محاولة منها لتأكيد أنه مهما ابتعد الإنسان عن ذاته وعن روحه، فإن الأخيرة تبقى في النهاية الملاذ لكل من يتوق إلى الراحة والسلام...
شاعرة هي منذ الطفولة، نهلت أمال معوض فرنجية من طبيعة منطقة لبنان الشمالي التي نمت فيها وترعرعت ضوءاً أنار كلماتها، فانسابت على الورق صوراً شعرية تعكس الحالات الإنسانية المختلفة من دون أن تقع في الظلمة والسواد مهما بلغت معاناتها، بل تنتفض وتتمرد مستهلة في كل مرة بداية جديدة لحياة أكثر عمقاً وثباتاً من ناحية القيم والمبادئ.
عنوان الكتاب «عذراء الروح «ماذا تقصدين به؟

المقصود به العذرية التي تتخطى الجسد وتبلغ الروح وتسمو بها عن الماديات الأرضية، فأنا أحاور الصباح أساله ويسألني، يعانقني ليل الشتاء، تخجل الغيوم التي تترافق مع زخات المطر، كالموسيقى تنقر على الطرقات، أسمعها باغتباط، تتمايل على وقعها الأضواء، تنساب بين الشجر والأوراق، تهدل شعري على جبيني، وكتفيّ... هذه الصور الشعرية الواردة في ديواني استقيها من حواري الروحي مع الطبيعة مع الذات التي أنمقها بصدق وشفافية وبأسلوب يسمو بالكلمة إلى آفاق جميلة خالية من مظاهر الزيف والتصنّع.

الديوان عبارة عن خواطر تنبض بالمشاعر في عصر يضجّ بالوحشية، فهل الشعر بالنسبة إليك واحة تبرزين فيها وجهك الحقيقي الذي ربما تخافين إبرازه في الواقع؟

لا أخشى إبراز وجهي في الواقع لكنني أفضل الانسحاب واللجوء إلى عالمي الخاص بحثاً عن الهدوء الذي أفتقده أحياناً على أرض الواقع، بالإضافة إلى أنني أجد نفسي في عالم مثالي يستهويني فأغوص في بحر علوي أستلهم منه أفكاري، بعيداً عن أثقال الحياة اليومية .

هل يمكن القول إنك ترسمين ذاتك في قصائدك؟

أحياناً أرسم ذاتي في قصيدة واحدة وأحياناً أكتب عشر قصائد تعبر كلها عن جزء يسير من ذاتي. وليست بالضرورة أن تكون كل القصائد شخصية بل نتاج حالة نفسية عابرة مررت بها. ففي إحدى القصائد أصور توقي إلى لقاء الحبيب ومما أقول فيها: {... ومن أصابع يديّ/ انهمرت القطرات/ أهدابي مبلّلة/ أسير بطيئة الخطوات/ أجرجر طيفي/ وشفتاي تنشدان/ لحن البقاء/ راجية موعداً للقاء}.

وفي قصيدة بعنوان {وحيدة أنا} أصوّر حالة قد تنتاب أي شخص يفتقد إلى المعنى الحقيقي للحب، وهنا أيضاً أحرص على أن تحرك مشاعري العميقة قلمي وليس العقل أو الانفعال أو أي أمر آخر، أقول فيها: {من كثرة ألمي وحزني/ ألجأ إلى النوم/ علّني أنسى واقعي/ أهرب إلى أحلامي/ وأحلامي تهجرني/ كثيرة هي أوهامي/ تعيسة هي أيامي/ وحيدة أنا/ موحشة لياليّ/ أشتاق لعيون تحدّق/ في عيني/ تنسيني ألمي وأنيني/ لذراعين تحميني}...

هنا أصور حالة الوحدة ليس كفعل بائس ومحبط بل كمرحلة انتظار حبيب يحييني، يزرعني بنفسجة في روضه ويسقيني ويطفئ نار اللوعة والحنين.

المرأة الشاعرة

برأيك، هل تصوير المرأة الشاعرة للتجارب الحياتية والمشاعر يختلف عن تصوير الشاعر الرجل لها؟

طبعاً لأن المرأة قادرة على التعبير عن أمور الحب والشغف وعن العذاب والفراق بمشاعر أكثر شفافية، ولأن المرأة بأنوثتها وحنانها تتفوق على الرجل بالعاطفة (المرأة الأم والحبيبة) وتكون أكثر صدقاً وإخلاصاً في حبها.

في قصيدة «الفجر الجميل» مثلاً أتوجه إلى الحبيب بكل ما يجيش في نفسي من حب وشوق وأعبر عن ذلك بإحساس المرأة العاشقة إذ اقول فيها: «غيابك المجنون أرّقني/ وصقيع البعد/ يخترق أوصالي/ دمع العين يشتاقك/ وقصيدة الورد لم تكتمل/ تتسوّل آهات الإحساس/ وتتسكّع في أروقة/ الذكريات...

أردت في هذه القصيدة أن أبين للحبيب أن قلبي عليل في غيابه وليلي طويل، ورغم البعاد سأظل أحبه، وهذا البوح بهذه الطريقة الشفافة السامية تستطيع المرأة الشاعرة التعبير عنها أكثر من الرجل الشاعر الذي مهما بلغت درجة شاعريته فإنه يبقى متحفظاً بعض الشيء في التعبير عن عواطفه، نظراً إلى المجتمع الذكوري الذي ما زال مسيطراً في بلادنا وفي البلدان العربية رغم التقدم والتطور الذي يحققه العالم.

هل يمكن القول إنك تؤسسين في ديوانك لشخصية شعرية قد تتبلور أكثر في دواوين مقبلة؟

أعتقد أن القصائد التي يضمّها الديوان تعكس شخصيتي على حقيقتها من دون تردد أو خجل، وعندما طبعت هذا الديوان لم أفكر بأن دواوين أخرى قد تليه. ولكنني لن أتوقف عن الكتابة .

تعتمدين أسلوباً في التعبير بعيداً كل البعد عن الصناعة اللغوية، هل تعتبرين الشعر حالة أكثر مما هو صياغة؟

لا أكتب الشعر الموزون أو المقفى بل أعتمد في كتابتي على الصور الشعرية الحرة التي تحركها العفوية النابعة من الأحاسيس والحالة الشعرية والنفسية التي أكون فيها أثناء الكتابة، وهي تختلف بين تجربة وأخرى قد أكون مررت بها أو مرّ بها أحد المحيطين بي أو قد سمعت عنها أو قرأتها.

في قصيدة «وهم وسراب» مثلاً أصف حالة الفراق بين حبيبين والأسى الذي تشعر به المرأة عندما تكتشف أن حبها كان عبارة عن وهم وسراب، وهي حالة قد يعيشها أي شخص، إنما دونتها بمشاعر امرأة أقول فيها: «اكتفيت منك ومن مغامراتك/ نفضت عني غبار عشقك/ رميت الذكريات في محرقة النسيان/ نثرت بقايا المنيات/ طويت الصفحات... محوت الكلمات/ حبنا كان سراباً.../ وهماً... أسطورة/ خرافة... وآهات/ روتها صبية من غابر الزمان/ اختزلت سنيناً من العشق والوله/ بحروف مشبعة بالدمع/ أسميتها النسيان...»

رياح التغيير

إلى أي امرأة تتوجهين في ديوانك؟

إلى كل امرأة تؤمن بأن الحب حالة دائمة لا تنتهي ولا تتكرر.

إلى متى ترقى علاقتك بالكتابة؟

إلى الطفولة، وكنت أخفي كتاباتي لأنني كنت أخجل بها نظراً إلى الظروف المجتمعية والنظرة المتشددة حيال المرأة التي تكتب وتعبر عن مكنونات قلبها. أما اليوم فأرى رياح التغيير تهبّ لصالح المرأة التي بدأت تعبّر من خلال كتاباتها عن مكنونات قلبها بشكل لم تكن تجرؤ عليه سابقاً.

هل أسهمت الأمومة في تعميق تجربتك الكتابية؟

المرأة أم حتى لو لم تنجب وهي حالة تشعر بها كل امرأة. يمكنني القول إن الأمومة عززت تجربتي الشعرية وزادتها رقة ورقياً.

ما الجديد الذي تحضرينه راهناً؟

لا أخطط للأمور مسبقاً في ما يتعلق بالشعر، وكما ذكرت سابقاً فأنا لم ولن أتوقف عن الكتابة.

«منتدى ريشة عطر»

الشاعرة أمال معوّض فرنجية أحد مؤسسي «منتدى ريشة عطر» في منطقة الشمال اللبناني، حول أبرز أهدافه توضح: «أهدافه واضحة وهي تحريك العجلة الثقافية في منطقتنا والتواصل مع الحركات الثقافية الأخرى وتشجيع المواهب الشابة».

إلى أي مدى تستطيع المنتديات الثقافية خدمة الثقافة وتقريبها من الناس؟ تجيب: «الأمسيات الشعرية والنشاطات التي تقيمها المنتديات وتدعو الناس إلى حضورها والمشاركة فيها تسهم في لفت أنظارهم إلى أهمية الثقافة والفنون الأدبية في حياتنا، لا سيما في عصرنا المادي هذا».

الأمسيات الشعرية التي تقيمها المنتديات تسهم في لفت الأنظار إلى أهمية الثقافة
back to top