لطف

نشر في 31-08-2018
آخر تحديث 31-08-2018 | 00:05
جوهر اللطف هو التعاطف؛ تلك الحالة السامية من وضع أنفسنا مكان الآخر واستشعار ما يشعر به من هموم وأفراح، وحسن الاستماع هو بوابتك لفهم الآخر ومعرفته حق المعرفة.
 دانة الراشد اللطف هو سيد الموقف، والرفق هو أسلوب حياة، والرفق ليس ضعفاً، بل هو منتهى الشجاعة في عالم العبوس والجفاء، والقسوة أبعد ما تكون عن القوة والشجاعة، فهي خوفٌ في عمقها، ودع اللطف منهج حياتك فستملك قلوب الآخرين وتسير حياتك بسلاسة أكبر من ذي قبل.

مسكين هو الإنسان الغاضب على الدوام، فمن يرغب في التحكم بكل صغيرة وكبيرة، فسخطه ما هو إلا دليل ضعفه وعدم قدرته على الإمساك بزمام الأمور، هو يعاقب نفسه بشكل مستمر عن طريق تعريضها لكل تلك المشاعر السلبية، وما القسوة سوى رد فعل لقلب جُرح جرحاً عميقاً فاختار أن يعادي العالم أجمع، لذا لا يسعنا سوى أن نتمنى له الشفاء العاجل (!) ونقول له إن الألم والتشافي هما سنّة الحياة، فالقساة الجفاة هم أكثر الناس حاجةً إلى الرفق، فلا تبخل عليهم بلطفك وشاهد تحولهم المدهش حالما تستخدم اللين معهم.

كن لطيفاً، فكم نحن بحاجة إلى اللطف في هذه البقعة العابسة من الأرض، وكن معطاءً وليكن عطاؤك وِداً شفافاً، فما أسهل بذل الدنانير في شراء الهدايا الفاخرة والمجاملات، وما أصعب لحظة المواجهة والتعبير عن المشاعر الصادقة. إن الرقة هي ما تجعل الأشياء حولنا تزهر وتتفتح، فكم تشبعنا من ذلك "النقد البناء"! وكم نحن بحاجة إلى سماع كلمات الثناء والتشجيع على ما قمنا به بشكل جيد بدلاً من التركيز على النواقص والعيوب باستمرار، فللغة التشجيع فاعلية كبرى وأثر عميق- أراه أكثر عمقاً من النقد- في الوصول إلى قلوب الآخرين.

جوهر اللطف هو التعاطف؛ تلك الحالة السامية من وضع أنفسنا مكان الآخر واستشعار ما يشعر به من هموم وأفراح، وحسن الاستماع هو بوابتك لفهم الآخر ومعرفته حق المعرفة، ولا بد أيضاً من تشذيب وتهذيب كلماتنا وصقلها كي تصل القلوب مباشرةً دون خدش المسامع، ففي زمن يلهث الكثير فيه نحو الشهرة مهما كان الثمن أصبحت الفظاظة وجلافة الأسلوب شيئاً اعتيادياً للأسف، فخذ العبرة ولا تجعل حياتك المترفة سبباً لشعورك بأحقية أن تتجرد من آداب الحديث ومبادئ الإنسانية.

فليكن لطفك مع الضعيف قبل القوي، وحزمك مع القوي قبل الضعيف، فالاختبار الحقيقي يكمن في حسن معاملتنا لمن هم أقل منّا حظاً، والشجاعة هي القدرة على التصدي لمن هم أكثر منا قوةً، فلا تدع الآخرين يفسرون طيبتك على أنها ضعف، لابد من اتّباع الحزم في المواقف التي تستدعي ذلك. نعم، كن لطيفاً، لكن لا تفتح أبواب عالمك الحميم على مصراعيها لمن لا يستحق أن يراه أو يكون جزءاً منه، فالحكمة تقع في رسم الحدود المناسبة واختيار المقدار الصحيح منها لمختلف الأشخاص في حياتنا، لذا لابد من التعلم من الأخطاء السابقة بدلاً من إنكارها كي لا نقع فيها من جديد.

دعونا نمحو ولو جزءاً بسيطاً من قسوة هذا العالم، ولو بلمسة أو ابتسامة، ولنتجه جميعاً نحو عالم أكثر رحمة وتعاطفا.

back to top