المعوذات!

نشر في 30-08-2018
آخر تحديث 30-08-2018 | 00:05
 مسفر الدوسري أعيذك من عيد لا تنحني شمسه لتقبّل كفيك، ولا تتوسل نسائمه رائحة جسدك، ولا يغتسل بالطيب سبعة أيام بلياليها قبل أن يشد الرحال إليك، ولا يكون شوقه لك هو كل زاده طوال مسيرة عام قبل أن يمْثل بين يديك مكبلاً بالامتنان لوجوده في حضرتك.

أعيذ قلبك الشاسع كأمنية سحابة ثكلى، من عيد لا يأتي محملا ببشارة مورقة لليتامى من أطفال السنابل، ولا ماء مرتدياً خُضرته لهم، ولا دعوات مجانية لهم للرسم بألوانهم المائية على وجه ذلك النهار كيفما حلموا، لا كيفما علموا، والاذن لهم بتجديل خيوط ضوئه مراجيح لهم يمرجحها حنانا، ليهطل من قلبك المطر، فتزهر ضحكات الأطفال المصنوعة من حلوى "شَعْر البنات" في صباح يوم العيد.

أعيذك من عيد لا يمشّط جديلة طفولة قلبك، ولا ينصت بوعي لرشد عقلك، ولا يجيد التوازن بينهما ليظهر سمو جنونك.

أعيذك من عيد لا يُزين صباحه بأجمل نور معتق لديه في براميل السنديان ليصبّه في عينيك، ليزدادا خدراً، ويزداد هو ثمالة! فيتحلل العيد من جديّته وبعض وقاره، فيقضي بعض الوقت في مقهى على الرصيف، ويحلّي قهوته ببعض الحكايات مع الناس، يمشي في الشوارع مبتسماً يتقاسم معهم كعك البهجة، وأنخاب الفرح، ويشاركهم الرقص، ويملأ معهم بالونات السعادة بالهواء لتطير في السماء.

أعيذ سمعك من عيد لا يأتي بأغنية نسجتها العصافير بريش أصواتها على مدى سنة تامة، ليعزفها العيد بإيقاعه على زجاج نافذتك، فيوقظ الحرير من الحرير، قطعة من تلك الأغنية لمسح ما تبقى من النعاس عن جفنيك، وأخرى كلباس جديد لحلمك ليلة البارحة، وثالثة يفرشها سجادة فارسية تحت قدميك عندما تطآ الأرض.

وأعيذ يديك الطاهرتين من عيد لا يتطهر بالماء المبارك قبل أن يصافحهما، ولا ينقع كفَّه بالزهر حولاً كاملا، ولا علّم أصابعه كتابة الشعر، وغَزْل شِبَاك الكلمات لأسماك البحر الملونة لكي تصطاد الماء، ولا علّمها إشعال شموع الصور الصامتة خلف جدار العتمة والفوانيس التي وأدها الغبار، ولا القراءة باللمس للنبوءات التي خطّها الرمل.

وأعيذك من عيد لا تتنفسين رائحة الحب فيه، ولا بخور احتضان القلوب إذا ما التقى جمر الشوق "عود الرجاوي"، ولا يشم فيه أنفك رائحة المودة التي يوزعها السلام زجاجات عطر بجوار الأماكن المخصصة لماء السبيل، والطرق المنسية من الهدوء والضوء.

وأعيذك من عيد لا يسكب في مذاق يومك حلواه، ولا يتباهى بسكّره أمام الفاتنات من ملكات النحل ليخطب رضاك، ولا يرمي أمام كبار السحرة قطعة نور فتلتهم ما ألقوه من قطع الليل.

أعيذك حبيبتي من عيد لا يدلل حواسك السبع ولا يستحق جمالها.

back to top