خاص

مثقفون لـ الجريدة•: نرفض الوصاية على الإبداع والفكر

استغربوا سريان الرقابة المسبقة حتى الآن في عصر الإنترنت

نشر في 29-08-2018
آخر تحديث 29-08-2018 | 00:02
مع اقتراب معرض الكويت للكتاب، بدأت لجنة الرقابة على الكتب في وزارة الإعلام سن مقصاتها وشحذ همم أعضائها لتدشين عملية تشذيب الإصدارات ووضعها تحت مجهر الرقباء خشية مرور إصدار خلسة وهو يتضمن مفردة أو كلمة لا تنسجم مع أهواء الرقيب المتشدد.
وإثر أنباء عن منع بعض الإصدارات، استغرب عدد من المثقفين في الكويت سريان تلك الرقابة المسبقة حتى الآن في عصر الإنترنت، وانتقدوا مزاجية الرقباء، معتبرين ما يجري في أروقة وزارة الإعلام وأداً غير مبرر لحقهم في التعبير والكتابة.
«الجريدة» التقت مجموعة من الكتاب للحديث عن هذا الموضوع الشائك.
بداية قالت الروائية ميس العثمان: «عندما وصلني طلبكم في جريدة الجريدة للمشاركة ضمن استطلاع يدور حول الرقابة، أمضيت وقتا ليس بالقليل في التفكير ومداورة الجدوى من الإجابة على هذا السؤال سنة بعد أخرى، فـمع كل بداية لموسم معارض الكتب التي تتلاحق لأشهر بين الدول العربية، تظل كلمات مثل ممنوع ومفسوح ومحجوز تشكّنا في الخاصرة بشكل مضاعف كوننا قرّاء أولا وكتّاباً ثانيا، يحرمنا ويحرم القرّاء هذا الرقيب أو في الواقع القانون الذي يستند عليه، وتتمترس وراءه الدولة كـتكئة قانونية شرعية «لاشيء عليها»، يحرموننا جميعا من أهم ما يحتويه معرض الكتاب الدولي وهو الكتاب!».

وأضافت العثمان: «سنوات ونحن نعيد الاسطوانة التي تحمل رفضنا الكامل للتعسف والمنع والحجز والتضييق سواء تعرضنا لكل ما سبق بشكل شخصي أم لا؛ فالمسألة مبدأ عام ولا نفكّر (وهنا أتحدث عن نفسي فما عدت أثق بـ «نحن») بما يلامس منتجاتنا الإبداعية الخاصة فقط، بل كل من يمكن ان يتعرض لمنع أو إقصاء».

الكتابة ميزان

وأوضحت العثمان أن الأمر حاليا بيد «نواب الأمة» الصامتين عن القضية منذ سنوات ولم يتحركوا إلا لقضايا «شخصية جدا» وعلا صوتهم فجأة تحت مبدأ «حك لي وأحك لك» وتجاوزوا بقية الكتب الممنوعة منذ سنوات، الأمر فعلا بأيادي من يقدمون أنفسهم كـمناصرين للحريات المنتخبين من قِبل الشعب ويمثلوننا في البرلمان الكويتي.

وأشارت إلى أن الرقيب في الواقع لا يستطيع منع شيء، «ولأذكّر السادة في وزارة الإعلام بأننا في عصر لا يُقدر أحد على محاصرته مهما حاول، وأن لجان الرقابة وأعضاءها ليسوا سوى هدر لميزانية الدولة لا يحاسبهم عليها أحد، وأصارحكم بأنني صرت أكتب من بعد حجز كتاب لي ولآخرين من الزملاء بحرية أكبر وبلا خطوط حمراء وأنشر ما يمليه عليّ ضميري وقلبي وروحي الحرّة مهما رغب الرقيب في حبس كلماتي وأفكاري، إنني أكتب ما طاب للروح من الهوى فالكتابة تعيد ترتيب فوضى الوجود، الكتابة ميزان، الكتابة عنوان وبوصلة كي لا يحيد عنك العقل!».

المنع يزيد الشعبية

في السياق ذاته، قال الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين طلال الرميضي: «نحن في زمن العولمة والتطور التكنولوجي الهائل لذا فإن قرارات المنع تزيد من شعبية الكتاب وتدعو لتهافت القراء إلى البحث عنه وقراءته لمعرفة سبب المنع وإن كان تافهاً، لذا يجب على الرقيب أن يكون أكثر مرونة في استعمال سلطته الممنوحة من القوانين والتشريعات، فكل شخص مثقف يهمه حماية المجتمع من شطحات بعض الكتاب كالتطاول على الذات الإلهية أو مقام الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أو مقام حضرة صاحب السمو أو الرموز السياسية، أو حمايته من الإباحية المقصود منها إثارة الغرائز فقط، والتعامل الحكيم والموضوعي من الرقيب مطلوب في مثل هذه الأمور».

وأضاف الرميضي: «نمد أيدينا للتعامل مع الزملاء في وزارة الإعلام وندرك غيرتهم على المجتمع ودورهم الهام ولكن بالمقابل يهمنا المحافظة على سمعة الكويت الثقافية وريادتها وفكرها المتنور، لذا كانت للرابطة مشاركة في بعض لجان الرقابة بهدف مد يد التعاون البناء وليس كبت الحريات، وذلك بقصد توصيل الصورة الحقيقية لوضع الحرية الثقافية وتطورها مع الألفية الثالثة، ويمكن القول إن الديمقراطية في التصويت تكون عائقاً أمام رجاحة صوتنا في بعض القرارات، وقد أبلغت شخصياً معالي وزير الإعلام محمد الجبري بهذه النقطة وتفهم الوضع برحابة صدر ووعد بحل الاشكالية، ونحن نثق بمستوى الإدراك من كافة الزملاء بوزارة الاعلام ولكن بكل صراحة تدخل السياسة في موضوع رقابة الكتب يشكل هاجساً مخيفاً لدى متخذي القرار وعائقاً كبيراً في هذا الصدد».

وحول دور رابطة الأدباء في هذا الموضوع يقول الرميضي: «الرابطة تقوم بدور هام نحو توعية الزملاء الكتاب بضوابط قانون المطبوعات والكتابة الأدبية السليمة عبر الندوات وبمشاركة أساتذة كبار في الأدب والقانون ومنها ندوة الدكتور نواف الياسين والمحامي وسمي الوسمي رئيس جمعية المحامين السابق وغيرهم، كما نظمت ندوات نقدية حول بعض الكتب الممنوعة كطعم الذئب وكتاب الاجل ومناقشتها علناً أمام جمهور المثقفين لتبيان تقييم هذا العمل الإبداعي بكل شفافية معهودة منا».

الوصاية الفكرية

من جهته، يرفض الروائي عبد الوهاب السيد الرفاعي فكرة الوصاية التي تمارسها رقابة الإعلام، معتبرا أن ما يحدث في كل عام قبل انطلاق معرض الكتاب لم يعد مقبولاً في عصر التقدم التكنولوجي والتقني، معقبا: «أنا ضد فكرة الرقابة بالكامل، وأتكلم عن الرقابة الفكرية طبعا».

ورأى الرفاعي أن «موضوع منع الكتب ينتمي لزمن قديم، ولم يعد له الآن أي قيمة ولا معنى، حتى لدى من يختلف معي في موضوع الرقابة، فلم يعد هناك شيء اسمه منع الكتاب، ذلك لأن الوصول إليه بات سهلاً جدا من خلال السوشيال ميديا والمواقع التي تبيع الكتب الممنوعة، وفي أسوأ الأحول يمكن للقارئ أن يحصل على الكتاب (أون لاين) ويقرأه، فلم تعد هناك رقابة، وانتهى هذا الموضوع».

وتابع بأن «هناك مشاكل كثيرة للجهة التي تراقب، كوازرة الإعلام لدينا في الكويت، ويكون حل المشاكل صعبا، ذلك لأن موضوع الرقابة أولاً لا يخضع لمقاييس معينة لدى الموظف الذي سيقرأ الكتاب، ويعتمد ذلك على حسب البيئة التي نشأ فيها، فالبعض على سبيل المثال يرى هناك أشياء مسيئة للدين، والعادات والتقاليد مثلا، وغيرهم قد يراها شيئا عادياً ليس فيه أي مساس، وهنا تقع المشكلة فمن يحدد تلك الأمور؟».

وأضاف أن المشكلة الثانية التي تواجهها الجهات الرقابية في دولة الكويت، أو وزارة الإعلام، تتمثل في أن الكتب التي تكون في معرض الكتاب ليست أقل من 100 ألف عنوان سواء لدور نشر محلية أو خارجية، متسائلاً: «من الذي سيراقب تلك الكمية الكبيرة من الكتب، وكم عدد الموظفين الذين يعملون في مجال الرقابة؟ 20 أو 30 أو 100، فمن المستحيل لمثل هذا العدد أن يقرأ 100 ألف كتاب سنويا، ليقيم الكتب، ويحدد هل تستحق أن تمنع أو لا»، لافتاً إلى أن «العملية غير مجدية، وفي رأيي لا أرى لها أي قيمة».

وتمنى الرفاعي أن يتوقف موضوع الرقابة، لأن الواقع يفرض نفسه، «فعندما وضعت قوانين الرقابة في السابق، لم تكن المعلومات تصل لنا إلا عن طريق الصحف اليومية وقنوات التلفزيون، أما الآن فالأمر محسوم والوصول إلى المعلومة بات سهلا جدا»، معقبا: «أعتقد ان الرقابة سوف تلغى مع مرور الأيام، وسوف يكون ذلك في المستقبل البعيد، ومن وجهة نظري الشخصية ممكن أن يتم ذلك خلال العشر سنوات القادمة».

وعن تمنياته لمعرض الكتاب القادم، يقول الرفاعي: «أتمنى أن يتركوا للناس حرية انتقاء الكتب التي يريدونها، وإذا كان هناك إمكانية لحدوث إشكالية من هذا النوع، فمن الممكن أن يفرضوا على دور النشر تحديد الفئات العمرية التي تقرأ الكتاب، إذا كان الكتاب يتضمن أفكارا لا تصلح إلا لفئة عمرية معينة، فيكتب على الكتاب أنه لفئة 18 عاما او 15 فما فوق، وهذا من وجهة نظري أفضل الحلول لموضوع الرقابة».

أزمة وعي

أما الشاعر عبدالله الفلاح فيلفت إلى أن هناك أزمة وعي يعانيها المجتمع، ويقول ضمن هذا الإطار: «لا تنزعج عندما أقول لك: سأضحك كثيراً وأتقلب على الجنبين، عندما تبدأ الحملة ضد الرقابة، لأن الكثير من المثقفين يتباكون عندما تمنع كتبهم، ويصمتون عندما تمنع كتب غيرهم، ولا تنس من يلعبون على وتر المصالح، ثم تنتهي هذه الثرثرة في آخر يوم من معرض الكتاب!».

ورأى الفلاح أن موضوع الرقابة أكبر من أن يثرثر به من يركض لفسح كتاب فقط، «لهذا لدينا أزمة وعي... وحتى الوعي عندنا يتألم! وعي يوضع في وعاء... وأحياناً في علبة سردين! أنت لا تريد موقفاً ممن ترى على أكتافهم رؤوس ببغاوات، بل من مثقفين حقيقيين يؤمنون بأن موضوع الرقابة أكبر من فسح كتب، وأنها أمر متعلق بوجودك كإنسان، بحريتك، وهذا يبدأ من خلال تعديل القوانين بأي شكل، وذلك يبدأ - على الأقل - من خلال نواب يؤمنون بالحرية، نواب يصلحون للتاريخ لا للشاشة، وإن لم يقف النواب مع تعديل القوانين فلا تركض لصناديقهم إن كنت صادقاً فأنت لست بحاجة إليهم!

وعقّب: «مع احترامي الشديد للكثير من المثقفين، فإن شيئا لن يتغير دون تغيير القوانين... لأن أغلب المثقفين مختلفون ولن يتفقوا على موقف حقيقي، ورغم أنه عليك عندما تجد نفسك في حفرة أن تتوقف عن الحفر، فإن مثقفينا مازالوا يحفرون!».

خلل تشريعي

من جانبه، قال الشاعر سالم الرميضي: «لا أنكر أن هناك كتباً مهمة وقيِّمة جداً ربما يتم منعها كبعض الروايات العالمية الشهيرة والتي حققت رواجاً كبيراً بين القراء، وربما طال هذا أيضا بعض الروايات المحلية لبعض المبدعين، ولكنني لا أضع اللوم كله على موظفي الرقابة -ولا أبرئهم بطبيعة الحال- ولكني أعتقد أن الخلل تشريعي بحت، فمن وجهة نظر الرقيب فإن النص القانوني يتيح له المنع إن وجد بعض المحظورات التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة».

وأضاف الرميضي: «حتى لا نكون كالإخوة أصحاب الشعارات أقترح على وزارة الاعلام اجراء حل عملي وهو أن تكتفي بحكم الفسح على رأي الموظف، ولكن إن كان للموظف ملاحظات تستدعي المنع يتم تشكيل لجنة من أكثر من جهة كجمعية المحامين ورابطة الأدباء وجمعية الصحفيين للنظر فقط في الكتب المرشحة للمنع، فإن ارتأت مواصلة المنع فقد برَّأت الوزارة ساحتها، وإلا فإن اللجنة ترسل تقريرها للرقابة وعلى ضوئه تتخذ القرار المناسب».

قطيعة مع التراث

كتبت الروائية بثينة العيسى حول هذا الموضوع مجموعة تغريدات عبر حسابها بتويتر جاءت كالتالي:

• منطق الرقابة في الكويت لا يحدث فقط قطيعة بيننا وبين المستقبل من خلال منع أحدث الكتب الفكرية والأدبية، بل يحدث قطيعة أسوأ بيننا وبين الماضي؛ قطيعة مع التراث الفكري والأدبي.

• منع كتاب «مئة عام من العزلة» ليس حالة فريدة في معرض الكتاب الماضي، اكتشفت أن قرارات المنع صدرت لكل من زوربا، فاوست، دون كيخوته، رغم أنه تم توزيعه قبل سنوات في سلسلة الكتاب للجميع.

• مشكلة الرقابة ليست خاصة بالكتاب ودور النشر والمكتبات، إنها مشكلة مجتمع خاضع تحت وصاية فكرية لم يشهد لها العالم مثيلا إلا في القرون الوسطى.

• عجز الرقابة عن قراءة النص الأدبي سياقياً يعني أن أي مشهد يتضمن حرق بخور أو «فال» أو أي خرافة أخرى يصنف الكتاب أوتوماتيكياً ككتاب للشعوذة ويمنع.

• الرقابة لا تحمي المجتمع من الطائفية، بقدر ما تمارس وصاية رجعية على حقنا في الاختلاف والتفكير الحر.

• الوحدة الوطنية لا تعني منع التعدد الفكري والديني والمذهبي. منع التعدد هو تكريس البلاهة التاريخية والتجهيل لأجيال قادمة.

• توجه الرقابة الحالي يعني فعلاً تفريغ الكتب من دورها الاجتماعي بصفتها من عوامل التغيير، كل ما يصب في الاختلاف والحوار والتجديد الفكري يتم تجريمه.

ميس العثمان: نرفض التعسف والمنع والحجز والتضييق

طلال الرميضي: يهمنا المحافظة على سمعة الكويت الثقافية وريادتها

بثينة العيسى: مشكلتنا أن المجتمع خاضع لوصاية فكرية لم يشهد لها العالم مثيلاً إلا في القرون الوسطى

عبدالله الفلاح: نعاني أزمة وعي لأن بعض المثقفين يصمتون عندما تُمنع كتب غيرهم

عبدالوهاب الرفاعي: أنا ضد الرقابة... والمنع ينتمي إلى زمن قديم
back to top